الرئيسية / مقالات رأي / هل سَيحضُر صوت العقل في إيران؟

هل سَيحضُر صوت العقل في إيران؟

بقلم: د. إبراهيم النحاس – الرياض السعودية

أمام إيران فُرصة تاريخية لتبني منهج سياسي حكيم وعقلاني يحقق تطلعات الشعب الإيراني، ويُساهم في تنمية وبناء وتطوير مجتمعهم، ويعيدها دولة طبيعية في المجتمع الدولي..

الشرق اليوم– “إيران دولة جارة، ونأمل أن تؤدي محادثاتنا الأولية معها إلى نتائج ملموسة لبناء الثقة، والتمهيد لتحقيق تطلعات شعوبنا في إقامة علاقات تعاون مبنية على الالتزام بمبادئ وقرارات الشرعية الدولية، واحترام السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ووقفها جميع أشكال الدعم للجماعات الإرهابية والميليشيات الطائفية التي لم تجلب إلا الحرب والدمار والمعاناة لجميع شعوب المنطقة. وتؤكد المملكة على أهمية جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من جميع أسلحة الدمار الشامل. ومن هذا المنطلق تدعم المملكة الجهود الدولية الهادفة لمنع إيران من تطوير سلاح نووي، وتعبر عن بالغ قلقها من الخطوات الإيرانية المناقضة لالتزاماتها والمتعارضة مع ما تعلنه إيران دوماً من أن برنامجها النووي سلمي.” جاءت هذه الكلمات الكريمة ضِمن كلمة المملكة التي ألقاها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- عبر الاتصال المرئي أمام أعمال الدورة الـ (76) للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وبثتها واس في 22 سبتمبر 2021م.

إن هذه الكلمات الكريمة تمثل امتداداً لصوت العقل والحكمة والعقلانية الذي عرُفت به سياسة المملكة العربية السعودية على مدى تاريخها المديد، ولم يتبدل ولم يتغير مهما كانت الظروف المحيطة، والأحداث القائمة، والسياسات الدولة المتبدلة والمتحولة. نعم، هكذا كان، وهكذا سيظل صوت المملكة سامياً في أهدافه، وقوياً في رسالته، وحكيماً في غاياته، وعقلانياً في حساباته، وثابتاً في منهجه، وبناءً في طرحه، وقانونياً في خطواته، وحازماً في قراراته، وقد أثمر هذا المنهج السياسي الرشيد للمملكة مكانة سياسية رفيعة ومميزة على جميع المستويات الدولية والعالمية وفي كل المجالات التنموية والتحديثية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والأمنية حتى أصبحت نموذجاً دولياً للدول المُتطلعة لتعدد وتنوع وتشعب علاقاتها الدولية الهادفة والبناءة، وركيزة أساسية لمواجهة ومحاربة التطرف والإرهاب والفكر المُنحرف، ولاعباً دولياً رئيساً في دعم الأمن والسلم والاستقرار الإقليمي والدولي والعالمي. إنَّ هذه المكانة الرفيعة والمميزة التي عليها المملكة دولياً تجعل من كلمات قادتها وملوكها الكِرام وثائق وعهود دولية تُبنى عليها سياسات، ورسائل يُؤخذ بغاياتها السامية، ومضامين عميقة تُبين في طياتها الحِكمة والحلم والعقلانية المبنية على رجاحة الرأي، وثبات الموقف، ومعرفة دقيقة بالماضي والحاضر والواقع، فإذا كانت هذه المُنطلقات الثابتة والبناءة ظاهرة ومُباشرة، والمكانة الرفيعة والمميزة التي عرفت بها المملكة في المجتمع الدولي مشهودة، فهل ستقرؤها إيران -التي ورد ذكرها في الكلمة الكريمة- قراءة عميقة وتدرك رسائلها الظاهرة والباطنة لتتبنى طريق البناء، وتغلب صوت العقل والحكمة، وتبتعد عن السلوكيات والممارسات المتناقضة مع القانون الدولي والعلاقات الدولية البناءة؟

قد تكون الإجابة عن هذا التساؤل بـ “نعم”، مما يعني أن إيران غلبت الحكمة السياسية التي ستساهم في عودتها كدولة طبيعية في المجتمع الدولي؛ وقد تكون الإجابة بـ “لا”، وهذا يعني أن إيران مستمرة في سياساتها المتطرفة الهادفة لزعزعة أمن وسلم واستقرار المجتمع الدولي. ولكن بعيداً عن الأخذ بإحدى الإجابتين، نستطيع القول إن الحكمة والعقلانية تقول إن إيران سوف تُغلب صوت الحِكمة والعقل على صوت التُطرف والسُلوكيات المُنحرفة التي عُرفت بها على مدى أربعين عاماً، وعندما نقول إنَّ إيران قد تغلب صوت الحكمة والعقلانية عند الاستماع وقراءة مضامين كلِمة المملكة أمام الدورة 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة، فإنَّ قولنا هذا مبني على اعتقاد بأن قادة السياسة الإيرانية وصلوا لنتيجة مُوقنة بأهمية تغيير المنهج السياسي الذي أورث سلبيات عظيمة إلى منهج سياسي يُساهم في بناء مستقبل إيران وشعبها.

نعم، إن العقل يقول إن المنهج السياسي المُنحرف والمُتطرف الذي تبنته السياسة الإيرانية على مدى أربعة عقود يجعل قادة السياسة الإيرانية حالياً يطرحون الكثير من التساؤلات المتعلقة بالمنهج الذي يجب أن تكون عليه السياسة الإيرانية في المُستقبل للخروج من السلبيات العظيمة التي وصلت لها نتيجة سياساتها الداخلية والخارجية، فبعد أربعين عاماً من تبني قادة إيران منهجاً مُتطرفاً في سياساتها الداخلية والخارجية تراجعت إيران تراجعاً عظيماً في التصنيفات العالمية، وحققت نتائج سلبية عظيمة في جميع المؤشرات الدولية، فداخلياً، توقفت التنمية، وغابت خطط التطوير، وتصاعدت نسب البطالة، وتراجعت قيمة العملة المحلية، وزادت نسبة الفقر، وتراجعت الخدمات الصحية والتعليمية والخدمية، وغابت مظاهر الدولة المدنية، وظهرت مؤشرات الدولة البوليسية، وزادت نسبة طالبي الهجرة للخارج، وغابت الكثير من مظاهر وسائل التقنية والاتصال والتواصل الحديثة، وظهرت حالة الانقسام الداخلي على أسس طائفية وعرقية ومذهبية، أما خارجياً، فأصبحت إيران دولة منبوذة خارجياً بسبب تبنيها وتمويها ودعمها للتطرف والإرهاب، وأصبحت معزولة دولياً بسبب تدخلها في الشؤون الداخلية للدول، وأصبحت مُدانة دولياً بسبب سعيها لتصدير الفوضى وزعزعة أمن وسلم واستقرار المجتمعات، وفُرضت عليها العقوبات الدولية بسبب عدم التزامها بقواعد القانون الدولي. نعم، لقد وصلت إيران بسبب سياساتها المُتطرفة لمستويات متدنية في جميع المجالات وعلى كل المستويات مما قد يقود أبناء الشعب الإيراني للخروج على السلطة السياسية معلنين احتجاجاتهم بطرق قد تزعزع أمن واستقرار المجتمع والدولة الإيرانية.

إن المضامين الكريمة التي احتوتها كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله-، أمام الدورة 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة، تُمثل أساساً للحكمة، وعنواناً للبناء والنهضة، وطريقاً مُرشداً للأسس الصحيحة التي يقوم عليها الأمن والسلم والاستقرار، ورسائل سامية للدول المُتطلعة للمستقبل، وصوتاً رشيداً يدعو قادة السياسة الإيرانية بكل ثقة وثبات لتغليب صوت العقل وتقديم مصلحة شعبهم على الأيديولوجيات المُتطرفة التي جعلت إيران دولة منبوذة دولياً.

وفي الختام من الأهمية القول إن أمام إيران فُرصة تاريخية لتبني منهج سياسي حكيم وعقلاني يحقق تطلعات الشعب الإيراني، ويُساهم في تنمية وبناء وتطوير مجتمعهم، ويعيدها دولة طبيعية في المجتمع الدولي، إن استمعت لِحكمة خطاب المملكة العربية السعودية الذي ساهم مساهمة مباشرة في جعل المملكة عضواً في مجموعة العشرين لأكبر اقتصادات العالم، ومنحها الفرصة لبناء خطط تنموية جبارة، ووضع رؤية طموحة تهدف لجعل المملكة في مصاف الدول المتقدمة والصناعية.

شاهد أيضاً

لبنان- إسرائيل: لا عودة الى ما قبل “طوفان الأقصى”

بقلم: علي حمادة- النهار العربيالشرق اليوم– تسربت معلومات دبلوماسية غربية الى مسؤولين لبنانيين كبار تشير …