الرئيسية / مقالات رأي / أفول نجم حزب العمل ومستقبل النظام السياسي الإسرائيلي (2)

أفول نجم حزب العمل ومستقبل النظام السياسي الإسرائيلي (2)

بقلم: علي عبد السلام المحارمة – صحيفة الدستور

الشرق اليوم- لقد تضافرت مجموعة من العوامل الداخلية –داخل الحزب- والتغيرات في معطيات النظام السياسي للكيان الصهيوني الإسرائيلي، ومجموعة من الظروف الإقليمية والدولية؛ أفضت بمجملها إلى أفول نجم حزب العمل وتراجع دوره في النظام السياسي، وأبرز هذه الظروف:

أولاً: غياب القيادات الكاريزمية عن الحزب:

عبر تاريخ الحزب الممتد تولت مجموعة من القيادات الكاريزمية ذات الحضور الجماهيري لدي مكونات المجتمع الاستيطاني الصهيوني، وقد اتّسمت هذه القيادات في غالب الأحيان بعدد من السمات العامة مثل ارتباطها الوثيق بالعمل في مؤسسة الحرب والعمل المسلح سواءً بشكل مباشر مثل رابين الذي قاد جيش الاحتلال في عدد من حروبه، أو بشكل غير مباشر مثل بيريز الذي تولى ملف تأسيس مفاعل ديمونة النووي، وقد اكتسبت هذه القيادات حضورها في المجتمع الصهيوني من كونها قد شكّلت دور التضحية والشجاعة والإقدام في بناء إسرائيل والدفاع عنها من وجهة نظر الناخب الإسرائيلي، وبالتالي حظيت بقبول وإقناع لدى فئات متعددة كثيرة.

ناهيك عن قدرة هذه القيادات على طرح الأفكار وتبني الاستراتيجيات والخيارات بشكل قوي مقنع.

وأما بعد اغتيال رابين فقد تولت قيادة حزب العمل مجموعة من الشخصيات لتي لم يكن لها حضورها الجماهيري، ولم يكن لها بصمتها في المسار الحربي بشكل واضح، وربما لا يستثنى من هؤلاء سوى إيهود باراك القادم من خلفية عسكرية.

ثانياً: تراجع الفكر الاشتراكي لمصلحة الليبرالي:

إن حزب العمل الصهيوني الإسرائيلي كان طارئاً على التيارات العمالية والاشتراكية العالمية كونه في حقيقته يجسّد عملاً استعمارياً استيطانيا عدوانياً اعتدى على حقوق الشعوب العربية بكامل فئاتها ومن بينها العمال، ناهيك عن كون تحالفات الحزب والكيان الصهيوني بشكل عام كانت في حقيقتها مع المعسكر الرأسمالي الغربي وليست مع السوفييت، ورغم ذلك بقي الحزب محسوباً على التيار الاشتراكي الدولي حتى لو شكلياً، لا سيّما وأن نفوذه وسيطرته ارتبط بذراعه العمالية الأقوى (الهستدروت) التي كانت تشكّل حاضنة حقوق ومصالح العمال في الكيان الاستيطاني.

انتهت الحرب الباردة لمصلحة المعسكر الليبرالي الرأسمالي الغربي على حساب المعسكر الشرقي ذو الايدولوجية الاشتراكية القائمة بالأساس على المطالبة بحقوق العمال، وكان لتلك النهاية آثارها العميقة على غالبية الحركات والفكر الاشتراكي والشيوعي واليساري والعمالي في العالم بشكل عام، ولكون حزب العمل الإسرائيلي كما أسلفنا قد تبنا تصنيف نفسه على هذا التيار فإن سقوط الاشتراكية قد انسحب بشكل أو بآخر على الحزب وقدرته على الاقناع وكسب التأييد، وكل ذلك تزامن مع تراجع دور الهستدروت والنقابات العمالية وحركات الشبيبة المساندة.

ثالثا: الهزائم العسكرية المتتالية لإسرائيل:

منذ حرب حزيران 67 لم تنتصر إسرائيل في أيٍ من حروبها التي خاضتها في الإقليم، ولم تسجل سوى نجاحات في بعض العمليات المحدودة مثل: ضرب المفاعل النووي العراقي، او قصف ليبيا او إرغام قيادة منظمة التحرير الفلسطينية على الرحيل من لبنان إلى تونس.

فقد بدأت سلسلة هزائم إسرائيل من هزيمتها في معركة الكرامة أمام الجيش العربي الأردني الباسل، ثم هزيمتها في حرب الاستنزاف وصولاً لهزيمتها بحرب رمضان تشرين 73، واخفاقها بعد ذلك في إخماد الانتفاضة ثم انسحابها مرغمة من جنوب لبنان وغزة وفشلها الذريع في القضاء على حماس والجهاد الإسلامي في غزة… وبالتالي أصبح مسار (الجيش الذي لا يقهر) بمثابة سلسلة من الهزائم والفشل رغم كل ما يحاط به من هالة القوة والجبروت الزائف.

لقد كان لهذا الفشل العسكري المتتالي بصمته على النظام السياسي بحيث أصبحت تتراجع مساحة الثوابت -ومن بين أبرزها القناعة بقدرة حزب العمل على القيادة- في هذا النظام وتنحسر لمصلحة المتغيرات والمستجدات وبروز قوى سياسية ناشئة منافسة.

رابعاً: صراعات المجتمع الصهيوني الإسرائيلي وانقساماته:

هنالك العديد من المحاور التي تشكّل عناصر صراع وانقسام داخل مجتمع الكيان الصهيوني الإسرائيلي؛ ومن أبرزها:

– العرب وهم أهل البلاد الأصليين والذين تشبثوا بأرضهم في حرب 1948 وأصبحوا قانونياً وشكليا مواطنون إسرائيليون – يختلفون كلياً مع بقية مكونات المجتمع الصهيوني سواءً بالدين أو العرق أو اللغة أو الآمال والأحلام.

– الصراع الديني – العلماني الذي يلقي بظلاله على هوية وشكل النظام، فهو لا يمكن وصفه بالنظام العلماني ولا يمكن اعتباره كيان ديني، وهذا التجاذب قد وصل ذروته في حادثة اغتيال رابين العلماني على يد أيال عمير اليهودي المتدين من أصول شرقية، وكلا الطرفين يقدم طرحه ونظرته الإقصائية للطرف الآخر.

– الصراع الأشكنازي- السفاردي: وهو أوسع الانقسامات في المجتمع بحيث يشكل السفارديم اليهود من أصول شرقية قدموا من دول عربية وإسلامية، والاشكنازيم وهم اليهود الذي قدموا من أميركا وأوروبا، وبينهما فروق حضارية وثقافية وحتى دينية، وكلاهما ينظر نظرة احتقار للآخر.

– المهاجرون القادمون من الدول الشيوعية وجمهوريات الاتحاد السوفيتي – مع بقية المجتمع، حيث أنهم اعتبروا طارئين على هذا المجتمع بسماتهم الحضارية وثقافتهم المميزة، وقد شكّلت أعدادهم الكبيرة التي فاقت المليون مهاجر تحدياً لجميع أجهزة وأدوات الكيان التي تعمل على دمج المهاجرين الجدد.

– صراع الأجيال: بين الأجيال التي ولدت داخل الكيان وتلك التي هاجرت إليه، وهذا الصراع يخبو بريقه مع تراجع نسبة وأعداد اليهود الصهاينة من المؤسسين الذين هاجروا للكيان عند تأسيسه، وهو ما يطلق عليه جيل (الصابرا).

إن هذه الانقسامات والصراعات قد زادت وطأتها بعيد انطلاق مسيرة (السلام) مع الدول العربية، وقد تحدثت دراسة إسرائيلية قبيل التوقيع على معاهدات كامب ديفيد عن خطر السلام على إسرائيل بأنه سيفتح الباب على مصراعيه لبروز التباينات والاختلافات بين مكونات المجتمع الإسرائيلي، وبالتالي ستشكّل بيئة تشرذم وتناحر داخل الكيان.

وقد كان الخاسر الأعظم من ذلك كله هو حزب العمل الذ جسّد عبر العقود دور الحاضنة والوعاء لكل هذه الانتماءات الفرعية بالتوازي مع المؤسسة الحربية.

شاهد أيضاً

بأية حال تعود الانتخابات في أمريكا!

بقلم: سمير التقي – النهار العربي الشرق اليوم- كل ثلاثة او أربعة عقود، وفي سياق …