الرئيسية / مقالات رأي / ماذا سيكشف التدقيق الجنائي في كانون الأول؟

ماذا سيكشف التدقيق الجنائي في كانون الأول؟

بقلم: أنطوان فرح – صحيفة “الجمهورية” اللبنانية

الشرق اليوم – بعد 12 أسبوعاً، يصدر التقرير الأولي للتدقيق الجنائي الذي تجريه شركة (ِAlvarez&Marsal) في مصرف لبنان. فهل يمكن أن يتضمّن معلومات يُبنى عليها لتحديد السرقة في حال وجودها، أم أنه مجرد مدخل إلى لبّ الملف، يحتاج إلى وقت طويل قبل الوصول إلى حقائق ثابتة يمكن استخدامها للتبرئة أو الإدانة؟

ابتسم الحظ لوزير المالية يوسف الخليل، وأتاح له فرصة افتتاح «عهده» في الوزارة بتوقيع اتفاقية التدقيق الجنائي مع شركة ِAlvarez&Marsal لبدء عملها التدقيقي في حسابات مصرف لبنان، وملاحقة خط سير الأموال في المصرف، وفي الأمكنة التي خرجت إليها تلك الأموال. وكان يُفترض أن يوقّع العقد وزير المالية السابق غازي وزني، والذي عمل منذ البداية على الاتفاقية بنسختها الأولى مع الشركة، ومن ثم أنجز النسخة الثانية بعدما انسحبت «ألفاريز» من الاتفاقية بسبب عدم توفير المعلومات الضرورية لعملها، وحَصّلت من الدولة اللبنانية مبلغ 150 ألف دولار كعطل وضرر. لكنّ سوء طالع وزني حرمه التوقيع، إذ أنّ موافقة ديوان المحاسبة التي كانت متوقعة قبل تأليف الحكومة الميقاتية، تأجّلت بسبب طلب الديوان ترجمة نص العقد إلى العربية. وبين إنجاز الترجمة وإعادة النص إلى الديوان، تألفت حكومة ميقاتي، وكسبَ الخليل «شَرف» توقيع العقد الذي عمل عليه سلفه لفترة طويلة.

فهل يعتبر توقيع العقد في حد ذاته إنجازا يمهّد لكشف عمليات فساد وهدر تعرضت لها الأموال من خلال البنك المركزي، أم أنّ مبلغ الـ 2 مليون و740 ألف دولار (قيمة العقد) سينضَم إلى مبلغ الـ150 ألف دولار، وتنتهي التحقيقات المحاسبية الجنائية إلى لا شيء، أي «حَكي بحَكي»؟ 

من حيث المبدأ، يُفترض أن يكون فريق عمل «ألفاريز» قد بدأ العمل من مركزه في وزارة المال، بعدما رفض مصرف لبنان أن يُخصّص له مكاتب للعمل داخل المصرف. وبما أن العقد ينصّ على أن تقدّم الشركة المدقّقة تقريراً اولياً عن النتائج التي توصلت إليها بعد 12 أسبوعا من بدء العمل، فهذا يعني أن الحكومة اللبنانية، ومعها الشعب اللبناني، سيحصلون على معلومات قد تسمح بمعرفة أين تبخرت الأموال، ولماذا توجد فجوة مالية كبيرة في مصرف لبنان؟ وهل من سرقة وفساد وراء ذلك؟ ومن هي الشخصيات أو الجهات المشتَبَه في أنها مسؤولة أو متورطة في السرقة؟ إذا وجدت…

هل هذه التقديرات واقعية ويمكن أن تتحقّق فعلاً في منتصف كانون الأول 2020، أي قبل انتهاء العام ببضعة أيام، وتكون بمثابة هدية الميلاد ورأس السنة؟

نظرياً، واستنادا إلى التقنيات والتجارب، ستتوصّل «ألفاريز» في المهلة المحدّدة إلى نتائج أساسية في عملية التدقيق. وما يسمح بالاعتقاد أنّ التقرير الأولي سيكون حاسماً لجهة تحديد وجود هدر وسرقة أم لا، هو أنّ الشركة المدقّقة سبق لها أن حصلت على قسم كبير من المعلومات المطلوبة لعملها، وقد درستها وحلّلتها، وجهّزتها لتضيفها إلى التقرير الأولي. وبالتالي، لن يكون صعباً تحقيق تقدّم سريع في الأجزاء المتبقية، ومن خلال المعلومات التي ستحصل عليها في الفترة المقبلة، من خلال الإفادة من قانون رفع السرية المصرفية عن حسابات مصرف لبنان.

هل من تقديرات مُسبقة في شأن النتائج التي سيخرج بها التقرير الأولي؟ طبعاً لا. لكن الحقائق التي يُفترض انها معروفة، هي التالية:

أولاً – الفجوة المالية في مصرف لبنان مصدرها الأساسي معروف، أي دعم الليرة وتمويل الدولة وتغطية عجز ميزان المدفوعات. وبالتالي، تنحصر مهمة التدقيق في أن يكشف فقط ما إذا كانت هناك نسبة من هذه الأموال هُدرت خارج سياق هذه الحقائق، ومن أهدرها أو سرقها؟ وهناك من يعتبر اليوم أن التدقيق الجنائي في شأن الأموال التي أُنفقت منذ أواخر 2019 أهم وأجدى، لأنّ حوالى 20 مليار دولار خرجت من مصرف لبنان في غضون 20 شهراً، أي بمعدل مليار دولار شهرياً، وقد انخفضت احتياطاته من حوالى 32 مليار دولار في تشرين الثاني 2019 إلى حوالى 12 مليار دولار اليوم.

ثانياً- إنّ التقرير الأولي لا يصلح للبناء عليه في المحاسبة، بل ينبغي انتظار التقرير النهائي، والذي قد يتأخر أكثر على اعتبار أنه سيتضمّن تفاصيل وربما أسماء وما شابه.

ثالثاً- إذا ثَبُت لاحقاً وجود فساد، فإنّ حسم الشبهات سيكون أمام القضاء. والتجارب في هذا المجال، خصوصاً بوجود مصالح سياسية كبيرة، غير مشجّعة لكي نتوقّع ظهور الحقائق وإصدار الأحكام.

يبقى أنّ كانون الأول لناظره قريب، وكثيرون هم من ينتظرون الموعد. وهناك من يعتقد أنه يستطيع أن يبني على التقرير لدعم معاركه في الانتخابات النيابية المقبلة… كثيرة هي الرهانات على التقرير، لكنّ الآمال قد تخيب، لأنّ الأمور معقودة بخواتيمها.

شاهد أيضاً

عند الأفق المسدود في غزة

بقلم: عبدالله السناوي – صحيفة الخليج الشرق اليوم- استغلقت حرب غزة على أي أفق سياسي …