الرئيسية / مقالات رأي / تحديات الثقة عبر “الأطلسي”

تحديات الثقة عبر “الأطلسي”

بقلم: حسام ميرو – الخليج الإماراتية

الشرق اليوم– تمر العلاقات الأمريكية الأوروبية باختبار ثقة، على خلفية إطاحة صفقة الغواصات بين فرنسا وأستراليا، وشراء الثانية لغواصات تعمل بالدفع النووي من الولايات المتحدة، وهو ما عدّته باريس «طعنة في الظهر» من قبل حليفها الأمريكي، ونشبت في إثره أزمة دبلوماسية بين البلدين، سارع كل من الرئيسيين جو بايدن، وإيمانويل ماكرون إلى احتوائها، وأصدرا بياناً مشتركاً تعهدا فيه «بإعادة إرساء الثقة التي تعرّضت لاختبار قاس»، وأعادت باريس سفيرها إلى واشنطن، بعد أن كانت قد استدعته للتشاور، وللتعبير عن غضبها، لكن يبقى السؤال الاستراتيجي هو سؤال إمكانية إعادة الثقة بين الطرفين الأوروبي والأمريكي، في ظل التحولات في العلاقات الدولية، وعدم وجود ملامح نهائية للنظام الدولي.

بدت باريس متفاجَئة من السلوك الأمريكي، فقد حاول الرئيس جو بايدن في الأشهر الأولى من ولايته، أن يطمئن حلفاءه في «الناتو»، بعد أن كانت العلاقات التاريخية بين الجانبين الأمريكي والأوروبي قد تعرّضت لهزات كبيرة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي فرض ضرائب تجارية كبيرة على شركات الحديد والألمنيوم، وهو ما طال صناعة السيارات الحيوية للاقتصادين الألماني والفرنسي، وكان من المفترض بالنسبة لبرلين وباريس أن تكون صفحة الخلافات بينهما وبين واشنطن، وما شابها من مخاوف، قد طويت، مع رحيل الرئيس ترامب، وهو ما يبرر إلى حدّ بعيد، إحساس باريس بالخيانة من حليفها الأمريكي.

كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد طرح شعار «أمريكا أولاً»، ومضى من الناحية العملية في تطبيقه، وهو ما رأت فيه أوروبا حينها تحولاً استراتيجياً في سياسات واشنطن، وقد رحّبت جميع العواصم الأوروبية الرئيسية بفوز جو بايدن بالرئاسة، لكن سلوك الرئيس بايدن في صفقة الغواصات يعيد إلى أذهان الأوروبيين شعار ترامب، لكن هذه المرة من خلال رئيس ديمقراطي كان قد وعد ب«استعادة الثقة بين ضفتي الأطلسي»، وهو ما يجعل الشعور بالمرارة كبيراً، ليس لدى باريس فقط؛ بل أيضاً في برلين، فالقاطرة السياسية لأوروبا أصبحت مفاتيح تشغيلها وقراراتها في العاصمتين، بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكن فعلياً ما هي حدود إمكانية التمرّد الأوروبي، وتحديداً قاطرته، على الحليف التاريخي؟

القيادتان الألمانية والفرنسية كانتا ترغبان، ولا تزالا، في أن تكونا الحليف الأول لواشنطن، فقد ازدادت في الأعوام الأخيرة التحديات التي تواجه أوروبا، والتي أضاف إليها وباء كورونا تحديات جديدة، فصعود الصين لا يؤثر فقط على مكانة الولايات المتحدة في سوق العمل الدولي؛ بل أيضاً على أوروبا، كما أن سعي روسيا للضغط على جيرانها الأوروبيين يزداد قوة، وهو ما يتطلب تنسيقاً أعلى بين الاتحاد الأوروبي وواشنطن، لكن الذي تغير فعلياً هو أولويات واشنطن الاستراتيجية، ما يفرض عليها بناء شبكة أعقد من التحالفات، بما فيها التحالفات الأمنية والعسكرية. فرؤية الولايات المتحدة لمواجهة الصين لا تقتصر على وضع قواعد وآليات للتوسع التجاري الصيني؛ بل امتلاك أوراق قوة حقيقية لإجبارها على ذلك، وهو ما يظهر جلياً من تفعيل واشنطن لتحالفاتها في المحيطين الهندي والهادي.

لم تحظ باريس بتضامن علني من جيرانها الأوروبيين، بمن فيهم حليفتها ألمانيا، وعلى الرغم من إمكانية فهم هذا السلوك على أرضية عدم رغبة حكومات أوروبا بزج نفسها في مشكلة بين بلدين، والتقليل من شأن الخلاف، واعتباره خلافاً تجارياً محضاً، لكن في الوقت نفسه، يعكس مجمل السلوك الأوروبي إدراك دول الاتحاد الفارق النوعي في موازين القوى بينها وبين واشنطن، والحاجة الملحة لواشنطن، خصوصاً في حلف «الناتو»، حيث تعتمد أوروبا عسكرياً بشكل كبير على الولايات المتحدة، لتحقيق أمنها القومي، كما أن كل الطروحات الأوروبية لتشكيل بديل أوروبي عسكري عن حلف «الناتو» بقيت مجرد أفكار، لم ترَ طريقها إلى التطبيق في الواقع العملي.

بكل تأكيد، فإن الحدث الراهن سيكون درساً مهماً لأوروبا في علاقاتها مع واشنطن، كما أن ثقة الأوروبيين بحليفهم الأمريكي ستكون محطّ شك متزايد. وضمن إطار المعادلات الراهنة، فإن فرنسا لا تمتلك هامشاً للمناورة أبعد من إبراز امتعاضها، لكن التحالف الأمريكي الثلاثي مع بريطانيا وأستراليا، والذي يعززه التحالف مع الهند واليابان، سيأخذ أولوية متزايدة لدى واشنطن، في الوقت الذي سيكون فيه على فرنسا وألمانيا أن تسعيا نحو بناء خطط جديدة، مع التقليل من شأن التعويل على الثقة التاريخية بواشنطن، فمبررات التحالف التاريخي لا تزال قائمة، لكنها لم تعد بالقوة ذاتها ولا بالأهمية لمصالح الولايات المتحدة، فقد أصبحت الصين بما تمثله من مخاطر وجودية هي بوصلة التحالفات والثقة لواشنطن.

شاهد أيضاً

الأمل المستحيل لإسرائيل

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عندما يطرح مركز بحوث أمريكي مؤيد دائماً …