الرئيسية / مقالات رأي / عالم سيء التغذية

عالم سيء التغذية

بقلم: كوليت بهنا – موقع الحرة

الشرق اليوم- في خطابه الأول أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في اجتماعها السنوي قبل أيام، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أن الولايات المتحدة ستنفق 10 مليار دولار لمكافحة الجوع في الداخل الأميركي والعالم، مضيفاً أن واحداً من بين كل ثلاثة أفراد حول العالم لايحصلون على الغذاء الكافي. 

مكافحة جائحة كورونا وظاهرة الاحتباس الحراري، إضافة إلى استمرار العديد من الأزمات  والحروب في عدد من بلدان العالم، ملفات كبرى رسمت ملامح العقد القادم الذي وصفه الرئيس بايدن بـ “الحاسم” وطالب زعماء العالم بتحمل مسؤولياتهم اتجاهها. 

وهي ملفات وإن كانت رئيسة ومتصلة ومتشابكة في أسبابها ونتائجها المدمرة، لاشك أن توقف رئيس أكبر دولة عظمى عند تنامي عدد الجياع في هذا العالم البائس هو الملفت والأبرز بينها، بما ينذر بالأسوأ القادم. 

سبق لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة(الفاو)أن أعلنت بدورها في شهر يوليو الفائت عن ارتفاع مؤشر الأسعار العالمية للسلع الغذائية الرئيسة إلى أعلى قيمة له منذ عقد من الزمان. كما لاتنفك هذه المنظمة وسائر المنظمات الدولية المعنية عن إصدار تقاريرها الشهرية أو الدورية التي تشير باستمرار إلى ازدياد التضخم الغذائي حول العالم وازدياد عدد الجياع المضطرد. 

في واقع الأمر، لايحتاج المرء إلى الكثير من الاثباتات والأرقام التي تحملها مثل هذه التقارير، أو بذل جهد كبير ليقارب الحقائق المفزعة والواضحة لتلمس حجم تغول الجوع حول العالم بشكل عام، وبشكل خاص ومؤسف في بلداننا التي تميزت تاريخياً بالوفرة مثل اليمن و سوريا ولبنان، المنكوبة اليوم بأزمات عدة من أبرزها الفقر ومايجره معه من فاقة وجوع. 

إذ بات الحديث عن الارتفاع شبه اليومي لأسعار السلع الغذائية الذي يثير ذهول العامة وعدم تصديقهم لسرعة هذا التدهور، حديث الساعة والهم الوحيد المستوطن والثقيل والمؤرق والدافع إلى مزيد من الاحساس بالسوداوية العامة، مع عدم توفر بصيص أمل بانفراج قريب في هذا الصدد، حتى بات اليوم بالنسبة لليائسين الكثر، أفضل من مجيء الغد الذي سيحمل معه الأسوأ حتماً.  

حديث ترتفع حدة وتيرته المزدوجة الغاضبة في مثل هذه الأوقات مع اقتراب فصل الشتاء وهموم تكاليفه الأكبر. وبسبب رئيسي أكثر مدعاة للقلق ويتعلق ببدء الموسم الدراسي، الذي دفع بالعديد من الأهالي إلى مقاطعة المدارس لعدم مقدرتهم على تعليم أطفالهم وإطعامهم بالوقت ذاته. 

حتى إن إطعامهم كأساس وحق، بات أمرأ شائكاً بحد ذاته في المفاضلة الصعبة، إذ تحفل وسائل التواصل الاجتماعي بأخبار يومية مؤسفة دفعت ببعض الحالات مؤخراً إلى بيع أطفالهم، أو التخلي عنهم في أماكن عامة والهروب من مواجهة هذه المسؤولية التي تقصم الظهر. 

الرقم الذي أشار له الرئيس الأميركي عن أن واحداً من بين كل ثلاثة أفراد لايحصلون على الغذاء الكافي هو احصائية عالمية وعامة بالتأكيد، لكن واقع الأمر يشير في بعض الحالات الخاصة على أن الثلاثة لايحصلون على الغذاء الكافي، إذ تخلت كثير من الأسر عن وجبتين من وجباتها اليومية الثلاث، فيما لاتتعدى وجبتهم الوحيدة أحيانا الخبز الحاف والجاف.  

واحدة من الأخبار السورية المؤسفة المضافة التي أعلن عنها قبل أيام هي تخلص مربي الماشية (الأغنام والأبقار والماعز) منها وبيعها بأسعار زهيدة لعدم تمكنهم من إطعامها بسبب ارتفاع أسعار العلف وانعدام المراعي وغلاء أسعار الأدوية البيطرية. أضف إلى انخفاض المقدرة الشرائية لدى الناس وسرعة فساد اللحم في الثلاجات لدى الباعة والمستهلك بسبب انقطاع الكهرباء المستمر. 

كل ماتقدم يشي بمستقبل حزين يتعلق بأجيال قادمة سيئة الحظ ستنمو في ظل مثل هذه الحقائق والمعطيات. أجيال لن تنعم بالأطايب التي تنعمت بها الأجيال السابقة، ولن تحظى حتى بطعم الأساسيات الغذائية. مما يعني أن السنوات القادمة ستحفل بحالات سوء التغذية العامة وماتتسبب به من علل وأمراض بدنية خطيرة وتشوهات خلقية، وقد بدأت مثل هذه الدلائل المؤسفة تظهر منذ الآن في بعض مخيمات النازحين في الشمال السوري الغربي عبر ظاهرة “التقزم”  في حجم الأطفال الناجم عن سوء التغذية. 

هل تساهم المساعدات الغذائية العالمية لجياع العالم في سد رمقهم لأيام أو شهور بأفضل الأحوال؟ أم أنها لاتعدو أن تكون مسكنات –مشكورة- لكنها غير مجدية على المدى الطويل الذي سيمتد لعقد قادم “حاسم” بحسب توصيف الرئيس الأميركي؟؟ 

يمكننا أن نقر أن العديد من الأسباب، في مقدمها التغير المناخي والحروب وارتفاع أجور النقل وهجرة الريف وعدم تنميته، أسباب مثبتة ويمكن معالجتها ببعض الارادة والصبر والتخطيط. لكن الأسباب  الحقيقية التي تتخفى وراء هذا التجويع هي تلك المتعلقة بفساد الحكومات وسوء إدارتها للأزمات، بل والتسبب في تفاقمها في العديد من الدول. 

وبحساب سريع للموارد ونسبة الهدر العام الناجم عن “البطر” أو الفساد، ستكتشف أن حل هاتين المعضلتين الأخلاقيتين لن يبقي جائعاً واحداً على هذه الأرض.     

شاهد أيضاً

أحلام مقتدى الصّدر وأوهام مناصريه

بقلم: فاروق يوسف- النهار العربيالشرق اليوم– عندما يُشفى العراقيون من عقدة اسمها مقتدى الصدر يكون …