الرئيسية / مقالات رأي / برلمان ليبيا وحكومتها.. «تصادم الأجندات»

برلمان ليبيا وحكومتها.. «تصادم الأجندات»

بقلم: خالد عمر بن ققه – المصري اليوم


الشرق اليوم – بإعلان البرلمان الليبي سحْب الثقة من حكومة عبد الحميد الدبيبة الثلاثاء الماضي (21 سبتمبر الجاري) تدخل البلاد في خلاف قد يتحول إلى صراع في القريب العاجل بين مجموعتين من الأجندات، الأولى: مجموعة «أجندات محليَّة» لها امتداد خارجي بما في ذلك إحضار المرتزقة، واستعمال السلاح، واللجوء إلى العنف، على خلفية حسابات تتعلق بالثَّروة، والأرض، وحتى العرق، وإن تمَّت تغطيّتها بغلاف ديني.
والثانية: «أجندات دوليّة» تحمل برنامجا للحسم، في رفضٍ- بأشكال مختلفة ـ لايزال إلى الآن يُحافظ على الحدود الدُّنيا في صِيَغِه العلنيَّة للتعامل «بشرعيّة دولة» تفرض وجود سلطة، أو حتى مجموعة سُلطات، يتم التعامل معها، لتحقيق أهداف الحملة منذ أن شارك حلف الناتو في إسقاط النظام السابق، بحجة دعم الشعب الليبي، والمهم في كل هذا أن يتم تحقيق مصالح طال انتظارها.
ومع ذلك، فإن الأَجُنْدَتيْن تُركزان على إجراء الانتخابات العامة في موعدها المقرر في 24 ديسمبر المقبل، فعلى المستوى المحلي بدا خطاب البرلمان مُوجَّها إلى الخارج أكثر منه إلى الداخل، حين تم التأكيد على أن سحب الثقة من حكومة عبد الحميد الدبيبة لن يؤثر على موعد إجراء الانتخابات، بل إن هذا يعدُّ «دعْما لإجرائها»، وقد أُرْفِق هذا بالقول: «إن الحكومة مُستمرة في تسيير الأعمال اليومية ولا مساس بالإجراءات التي اتَّخذتْها لصالح المواطنين»، كما جاء على لسان عبدالله بليحق، المتحدث باسم مجلس النواب الليبي، في تصريحات تليفزيونية.
غير أن تفكيك مثل تلك التصريحات من منظور قراءة خطاب البرلمان، لجهة تقديم مبررات سحب الثقة من الحكومة، يُحِيلُنا إلى جملة من المسببات، منها: «فشلها في ملفات توحيد المؤسسات وتنفيذ المشاريع، والتوزيع العادل للثروة بين الأقاليم، وتحسين الخدمات العامة للمواطنين، وإهدارها للمال العام خارج البلاد»، وهذه جاءت مناقضة لما قالت حكومة الدبيبة أنها قامت به.
وبعيدا عن تصور تبعات سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية، مع تكليفها بتسيير الأمور حتى إجراء الانتخابات المقبلة من جهة، ورفض المتحدث باسم المجلس الأعلى للدولة إجراءات سحب الثقة، واعتبارها باطلة وغير شرعية، لمخالفتها الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي، وأن كل ما يترتب عنها باطل، واستنكار عدد من النواب في البرلمان- ذكرت بعض المصادر أن عددهم 38 نائبا- قرار سحب الثقة، فإن قول الدبيبة: «عازمون على تنفيذ ما جئنا من أجله»، يشي بالتعويل على الدعم الدولي لحكومته حتى إجراء الانتخابات، لكن كل هذا لا ينهي العلاقة المتوترة بين الحكومة والبرلمان، كما لن يجعل هذا الأخير يتراجع عن قراره.
لا شك أن أطرافا ليبية كثيرة لا تريد إجراء الانتخابات في ظل سلطة الحكومة الراهنة، وإنما الاكتفاء بالإشراف عليها فقط، في ظل سيطرة قوى سياسية فاعلة لها تأثيرها داخل البرلمان، لذلك فإن الحال الذي وصلت إليه ليبيا بعد ستة أشهر من قيام حكومة الدبيبة، كان منتظرا في ظلِّ خلافات محتدمة بينها وبين البرلمان، وقد ظهرت فى جلسات مساءلة سابقة أمام البرلمان، دافع فيها الدبيبة عن حكومته، وحمّل فيها مسؤولية تعطل تنفيذ بعض المشاريع إلى البرلمان نفسه، بسبب عدم موافقته على إقرار الميزانية، ومع ذلك فقد استمرَّ الطرفان ـ البرلمان والحكومة ـ في ممارسة صلاحيتهما بحسابات سياسيَّة تراعي- في جانب منهاـ مواقف الخارج، وإن أبديا اختلافا حول مشكلات الداخل ومتطلباته.
لقد كان سحب الثقة من حكومة الدبيبة خطوة متوقعة على الصعيد المحلي، وحملت مخاوف دولية مسبقة، خاصة من الدول ذات المصلحة المباشرة، وحدوثها الآن قد يعوق المسار السياسي في البلاد، ويدخلها في دوامة جديدة من الانقسامات السياسية والصراعات، مما سيؤدي إلى مزيد من تعقيد المشهد، لكنه لن يطيح بخريطة الطريق الأممية التي تنتهي بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية نهاية العام الجاري.
ومهما يكن فـ«ليبيا» اليوم، تحظى باهتمام دولي أكبر مما كانت عليه في السابق، خاصة من دول الجوار، وهناك شبه توافق دولي على إجراء الانتخابات في موعدها، والإشكال القائم في الوقت الراهن، هو تغليب «غاية الانتخابات» عن «وسيلتها»، وفي ذلك اجتهادات كثيرة، منها ما هو داعم لوحدتها وسيادتها واستقلال قرارها، ومنها ما هو عكس ذلك، والأيام المقبلة ـ ما قبل الانتخابات ـ حبلى بمفاجآت أخرى قد تكون أهم وأكثر تأثيرا من سحب الثقة.

شاهد أيضاً

لبنان- إسرائيل: لا عودة الى ما قبل “طوفان الأقصى”

بقلم: علي حمادة- النهار العربيالشرق اليوم– تسربت معلومات دبلوماسية غربية الى مسؤولين لبنانيين كبار تشير …