الرئيسية / مقالات رأي / “أوروبا الموحدة”.. وإعادة تصدير “الشرق الأوسط الجديد”

“أوروبا الموحدة”.. وإعادة تصدير “الشرق الأوسط الجديد”

بقلم: بيشوي رمزي – اليوم السابع

الشرق اليوم- “أوروبا الجديدة”.. شعار جديد ربما تحمل الأيام القادمة، في خضم التغيرات الدولية الكبيرة التي تشهدها، في إطار مرحلة من المخاض، سوف ينجم عنها، لا محالة، ميلاد نظام دولي جديد، حيث تسعى الولايات المتحدة، إلى الاحتفاظ بمكانتها على “العرش” العالمي، بينما تحاول قوى جديدة فرض رؤيتها، وعلى رأسها الصين وروسيا، في الوقت الذي تصبح فيه القارة العجوز محلا للاستقطاب، بين القوى المتنافسة، باعتبارها، في صورتها الموحدة، قوى اقتصادية وسياسية كبيرة لديها الكثير من الزخم، كما أن دولها، بصورتهم الفردية، يحظون بمكانة سياسية كبيرة، بحكم العديد من العوامل، أبرزها القوة الاقتصادية ومكانتها الدولية الكبيرة، التي ساهمت بصورة كبيرة في احتفاظ واشنطن بهيمنتها المنفردة على العالم، لعقود طويلة من الزمن، ناهيك عن عوامل التاريخ والجغرافيا، والتي شهدت هيمنة امبراطورية للقارة على العالم، في مراحل ما قبل “البزوغ” الأمريكي.

الدور الكبير لأوروبا يبدو “مغريا” للقوى المتنافسة، وهو ما خلق استقطابا دوليا حادا للقارة العجوز، ظهر بوضوح في تزايد النفوذ الروسي والصيني، خاصة مع سياسة “الانقلاب” التي تبناها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، تجاه حلفائه، بينما لم يتخلى عنها خليفته جو بايدن، والذي يسعى نحو تصعيد بريطانيا “المتمردة” على “أوروبا الموحدة”، إلى القيادة القارية، على أنصار الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها ألمانيا، والتي قادت أوروبا لسنوات طويلة، خاصة خلال حقبة أوباما، أو فرنسا الساعية لاستغلال الفراغ الناجم عن اقتراب تقاعد المستشارة أنجيلا ميركل لتحل محلها، وهو ما يساهم بصورة كبيرة في خلخلة الكيان الأوروبى المشترك، وربما يدفع إلى تقويضه، في المستقبل، خاصة مع صعود النزعات اليمينية المناوئة لمبادئ الوحدة والحدود المفتوحة، خلال السنوات الأخيرة.

ولعل التغيير الكبير في الرؤية الأمريكية تجاه أوروبا، تجلي في العديد من المواقف، ربما أخرها الاتفاق الأمني بين أمريكا وبريطانيا من جانب، وأستراليا من جانب أخر، يقوم على قيام الأخيرة بإلغاء طلب غواصات فرنسية الصنع، فيما يمثل صفعة قوية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قبل شهور معدودة من الانتخابات الرئاسية والمقررة في إبريل القادم، مما يفتح الباب على مصراعيه أمام تزايد فرصة حزب الجبهة الوطنية، والذي يمثل اليمين المتطرف، ومرشحته مارين لوبان لاعتلاء عرش الإليزية، وهو ما يعد بمثابة مسمارا جديدا في نعش “أوروبا الموحدة”.

وهنا يصبح المشهد الأوروبي أشبه بـ”إعادة هيكلة” القارة على يد الولايات المتحدة، حيث تقوم السياسة الأمريكية لتحقيق هذا الهدف على مسارين متوازيين، أولهما إضعاف الاتحاد الأوروبي في صورته الكلية، عبر تدجيج القارة بالأحزاب المناهضة للوحدة، بينما يبقى المسار الأخر قائما على إعادة تشكيل الأنظمة الداخلية في الدول التي باتت تحمل “لواء” التمرد على القيادة الأمريكية لما يسمى بـ”المعسكر الغربي”، وعلى رأسهم فرنسا، والتي حملت مبادرات عدة من شأنها إنهاء الاعتماد الأوروبى على واشنطن، سواء أمنيا، من خلال المناداة بتأسيس “جيش أوروبي موحد”، أو اقتصاديا عبر التقارب الملموس مع الصين، والاعتماد على روسيا فيما يتعلق بالغاز.

يبدو أن أوروبا على موعد مع رؤية أمريكية جديدة، تتشابه في ملامحها، مع تلك التي ارتبطت بالشرق الأوسط، إبان “الربيع العربي”، من خلال ما يسمى بـ”الشرق الأوسط الجديد”، وإن كان الأمر هذه المرة ربما أكثر تعقيدا، بسبب اختلاف الظروف، المرتبطة بحالة من الاستقرار النسبي التي تشهدها االقارة العجوز، مقارنة بإقليمنا المضطرب منذ عقود، ناهيك عن تعدد مسارات التنفيذ، والتي تشمل إطارا كليا لتقويض الاتحاد الأوروبي، وأخر فردي، يرتبط بالدول الأعضاء.

المشهد المنقسم في دول المعسكر الغربي، ربما يتطلب وقفة “أوروبية”، تقوم في الأساس على تنويع التحالفات، وتبني سياسات جديدة، تعتمد خلالها منهجا يقوم في الأساس على التخلي عن “الدعم” الأمريكي الذي طالما اعتمدت عليه دول القارة العجوز، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بينما تنفتح في الوقت نفسه على ما يمكننا تسميتهم بـ”خصوم” الماضي، حتى يمكنهم تحقيق “شراكات” جديدة، يمكن من خلالها تحقيق مكاسب مشتركة في المستقبل، بدلا من سياسة “التواكل” على أمريكا، والتي تخلت عن خلفائها في النهاية، لتسبب صدمات متتالية لهم، سواء على المستوى الاقتصادي أو العسكري أو الأمني أو السياسي.

شاهد أيضاً

إنصاف «الأونروا»

بقلم: وليد عثمان – صحيفة الخليج الشرق اليوم- لم تكن براءة وكالة الأمم المتحدة لغوث …