الرئيسية / مقالات رأي / The New York Times: هل حقاً ستتغير حركة “طالبان”؟!

The New York Times: هل حقاً ستتغير حركة “طالبان”؟!

بقلم: توبي هارندين

الشرق اليوم- وعدت حركة “طالبان” طوال أسابيع بالإعلان عن حكومة “شاملة” تحترم حقوق المرأة في إطار حدود وضوابط الشريعة، وتمثل الأعراق المختلفة، وتطرد الجماعات الإرهابية. مع ذلك، أعلنت حركة “طالبان” يوم الثلاثاء عن قيادة حكومة تصريف الأعمال المؤقتة التي كلها من الرجال، ووجوه قديمة تنتمي إلى نظام “طالبان” الذي حكم منذ 1996 حتى 2001. كل أعضاء الحكومة تقريباً من البشتون، وهي الجماعة العرقية التي تمثل الأغلبية في البلاد، وأحد أفراد الحكومة مدرج على قائمة المطلوبين الخاصة بمكتب التحقيقات الفيدرالي، في حين قضى أربعة أعضاء منهم أكثر من عقد في معتقل غوانتانامو، وتم فرض عقوبات من الأمم المتحدة على أكثر أفراد الحكومة.

إذا كانت هناك رسالة تريد الحركة، فهي على ما يبدو أنها لم تتغير. بعد سيطرة “طالبان” على الحكم في أفغانستان الشهر الماضي، بشكل مفاجئ فيما يمثل نهاية من الانتصار والفوز في حرب استمرت عشرين عاماً ضد الولايات المتحدة وقوات حلف شمال الأطلسي، لم يرَ الملالي حاجة إلى المخاطرة بتماسك حركتهم أو إضعاف رؤيتهم لإمارة إسلامية من خلال تقديم أي تنازلات.

يبدو أن “طالبان” ترى أن أماني الغرب ورغبته في الانتقال من صراع استمر عقدين ستكون كافية لتحظى بالقبول العالمي؛ فحتى بعد إعلان الحكومة الجديدة، تحدث بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني، عن مساعدة الشخصيات المعتدلة بـ”طالبان” في التغلب على “لعناصر المتأخرة الرجعية”. ويمثل ذلك اختباراً للغرب، فإذا تعرض الشعب الأفغاني مرة أخرى للظلم والقهر، فيجب نبذ “طالبان” وحرمانها من المساعدات الأجنبية والاعتراف الدولي.

لا ينبغي أن يمثل تشكيل هذه الحكومة الجديدة أمراً مفاجئاً، فخلال الأسابيع التي أعقبت إسقاط الحكومة الأفغانية المدعومة أمريكياً، أشارت الأمم المتحدة إلى تقارير “مفجعة وموثوق فيها” عن إعدامات جماعية وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان. إذ تم قمع احتجاج نسائي في كابل باستخدام السياط والهراوات.

حين كانت حركة “طالبان” في سدة الحكم كان يعني تأويلها للشريعة عقوبات يتم تنفيذها في الملاعب الرياضية أمام الحشود، وكان يتم حرمان الفتيات من الالتحاق بالمدارس، ومنع السيدات من العمل. ويشير وجود أصوليين متزمتين في الحكومة الجديدة إلى أنه لن تكون هناك نسخة جديدة من “طالبان” تتسم بالاعتدال.

هبة الله أخوند زاده، زعيم حركة “طالبان”، من أشد المؤيدين للقنبلة الانتحارية. كذلك كان الملا محمد حسن، رئيس حكومة تصريف الأعمال، وزير خارجية ثم نائب رئيس الوزراء خلال فترة حكم حركة “طالبان” السابقة. ورصد مكتب التحقيقات الفيدرالي جائزة مالية قدرها 10 ملايين دولار للقبض على سراج الدين حقاني، وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال المؤقتة. مولوي محمد يعقوب، وزير الدفاع في الحكومة المؤقتة، هو الابن الأكبر للملا عمر، مؤسس حركة “طالبان” الذي تُوفي عام 2013. ويتولى أربعة من “معتقلي غوانتانامو الخمسة”، الذين أطلقت إدارة أوباما سراحهم مناصب رفيعة، في حين يتولى الخامس منصب حاكم ولاية.

إن تاريخ أولئك الأشخاص يتحدث عنهم، فالملا محمد فاضل، الذي قضى 12 عاماً في غوانتانامو، سوف يكمل دوره نائب وزير للدفاع، وقد كان وراء عملية استسلام زائفة عام 2001 في قلعة جنكي أدت إلى مقتل مايك سبان، أحد ضباط الاستخبارات المركزية الأمريكية. وقد كان الملا فاضل يتولى قيادة 10 آلاف عنصر من حركة “طالبان”، علاو على عدد كبير من أفراد تنظيم “القاعدة” عام 2001.

وهناك اعتقاد بأن كلاً من الملا فاضل والملا نور الله نوري، وزير الحدود والشؤون العشائرية الجديد، قد خططا للعملية التي راح ضحيتها آلاف من الأقلية الشيعية عندما كانت “طالبان” في سدّة الحكم المرة السابقة. كذلك تم اتهام عبد الحق وثيق، رئيس الاستخبارات الجديد، بالاتصال بتنظيم “القاعدة”. وكان قد تم وصف الملا خير الله خيرخوا، وهو وزير الإعلام والثقافة حالياً، في إحدى الوثائق العسكرية الأمريكية بأنه مبعوث “طالبان” لدى الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران. أما محمد نبي عمري، حاكم ولاية خوست الجديد، فمشتبه في كونه أحد قادة شبكة “حقاني”.

بعد عدة سنوات من إطلاق سراح الخمسة معتقلين المذكورين آنفاً، انضموا إلى فريق “طالبان” المشارك في المفاوضات التي تم عقدها في قطر، وتفوقوا على إدارة ترامب من خلال التوصل إلى اتفاق يصل إلى مستوى الاستسلام والتنازل من جانب الولايات المتحدة.

وهناك بعض الاختلافات بين وضع الحركة اليوم ووضعها في الماضي، حيث أصبحت أكثر تطوراً من الناحية التكنولوجية وتستخدم مواقع التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية وتطبيق “واتساب” في نشر رسالتها وتنظيم عمليات الاستسلام. وقد ساعد عقدان من القتال ضد القوات الأمريكية، والسجن على أيديها، والتفاوض مع دبلوماسيين أمريكيين في منح “طالبان” فهماً أعمق لنقاط ضعف الغرب.

لطالما مثلت فكرة النقاء الإسلامي لا الحكم الرشيد أولوية بالنسبة لحركة “طالبان”. لقد هزموا فقط ما يرونها أمريكا الفاسدة الفاسقة.. مع ذلك تختلف أفغانستان التي تحكمها “طالبان” اليوم عن أفغانستان بالأمس، فرغم عيوب الاحتلال الأمريكي فإن الاحتلال الذي دام لعشرين عاماً أسفر عن جيل من الأفغانيين الذين عايشوا وخبروا قدراً من الحرية والعصرية والحداثة تحاول “طالبان” جاهدة أن تغيره.

حتى دون دعم الأغلبية من قبائل البشتون، التي تمثل 42 في المائة من الشعب الأفغاني، ستحتاج “طالبان” إلى السيطرة على شعب تعداده 40 مليوناً، تضاعف عدد سكانه تقريباً منذ 2001، وتنتشر فيه أقليات الطاجيك والهزارة والأوزبك.

لقد وعد الملا فاضل عام 2001 أحد ضبّاط الاستخبارات المركزية الأمريكية في قلعة جنكي باستسلام مقاتلين تابعين لتنظيم “القاعدة” يعملون تحت قيادته؛ وحذره ضابط الاستخبارات حينها قائلاً: “إذا لم يكن ذلك حقيقياً فسوف يؤدي إلى هلاكك”. لقد كان الملا فاضل يكذب، لكنه رغم كل احتمالات هلاكه الكبيرة نجا في النهاية، وتمثل عودته إلى الحكم، إلى جانب شخصيات أخرى، بعد عقدين، ما سيأتي من أحداث.

بالاتفاق مع صحيفة الشرق الأوسط

شاهد أيضاً

إسرائيل تختار الصفقة بدلاً من الرد الاستعراضي

بقلم: علي حمادة – صحيفة النهار العربي الشرق اليوم– تجنبت ايران رداً إسرائيلياً استعراضياً يفرغ …