الشرق اليوم اخباري تحليلي
مقالات مشابهة
بقلم: بيشوي رمزي – اليوم السابع
الشرق اليوم- دعم دولي كبير باتت تشهده العراق، في الأشهر القليلة الماضية، بعد سنوات التوتر والفوضى، التي هيمنت على البلاد، مع الانفتاح على كافة المكونات الإقليمية، والذي يمثل نقطة مهمة في تاريخ المنطقة، حيث نجحت حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في العودة إلى المحيط العربي، بينما احتفظت بالحوار مع القوى الإقليمية الأخرى، لتتحقق معادلة تبدو صعبة للغاية، ساهم في إنجاحها العديد من المتغيرات الدولية، وعلى رأسها المخاوف الكبيرة من عودة “شبح” تنظيم داعش الإرهابي، خاصة بعد القرار الأمريكي بالانسحاب، وما قد يترتب عليه من حالة من الفراغ، وهو الأمر الذي يضع الأطراف المتصارعة في المنطقة في نقطة لقاء مهمة، تقوم في الأساس على فكرة التهديد الذى يمثله مثل هذا التطور، وتداعيات ذلك على الأمن الداخلى لدول الجوار العراقي، سواء كانت عربية أو غير عربية، وبالتالي كان وأد “الكابوس” المحتمل قبل مولده نقطة انطلاق مهمة، يمكن البناء عليها في المستقبل.
و تبقى مرونة الدول العربية في التعاطي مع المستجدات الدولية، أهم المتغيرات التي ساهمت في تعزيز التجربة العراقية، حيث لعبت دورا رئيسيا في دعم بغداد، سواء على المستوى الفردي، وهو ما يتضح في حرص القوى العربية الرئيسية، وعلى رأسها مصر، على التواصل مع الحكومة العراقية، عبر تحالف ثلاثي، بمشاركة الأردن، أو على المستوى الجمعي، عبر بوابة جامعة الدول العربية، التي حرص أمينها العام أحمد أبو الغيط، على القيام بثلاثة زيارات لبغداد في غضون شهور معدودة، مما يعكس الأولوية التي تحظى بها “بلاد الرافدين”، في أجندة الدبلوماسية العربية.
ولم تقتصر مرونة العرب على دعم بغداد، فرديا وجماعيا، وإنما امتدت إلى تشجيع انفتاحه على جميع الأطراف، ومن بينهم القوى الإقليمية المنافسة، إلى الحد الذي دفع العرب إلى الجلوس على مائدة الحوار معهم، عبر مؤتمر بغداد، والتي شاركت فيه العديد من الدول العربية، بالإضافة إلى الجامعة العربية، في “سابقة” إقليمية مهمة وتاريخية، تمثل انعكاسا صريحا لرؤية جديدة، باتت تهيمن على المنطقة، تقوم في الأساس على حماية الأمن والاستقرار، وربما تفتح الباب أمام تحويل الصراع إلى تعاون فيما يتعلق بالعديد من القضايا المحورية الهامة، التي قد يشهدها الشرق الأوسط في المستقبل القريب.
وهنا تصبح التجربة العراقية، بمثابة نموذجا مهما يمكن البناء عليه، في المستقبل، للتعامل مع العديد من الملفات الإقليمية العالقة، والتي تحتاج إلى إرادة حقيقية من أطراف اللعبة، سواء فى الداخل، أو على المستوى الإقليمي، لتحقيق تقدم ملموس، وتحقيق مصلحة الدول، والمنطقة بأسرها، على غرار الوضع في لبنان، والذي يمثل أحد أهم نقاظ الاستقطاب الإقليمي، في الشرق الأوسط، وكذلك الوضع في اليمن، بالإضافة إلى الملف النووي الإيراني، والذي تحتاج فيه طهران دعما عربيا، في مواجهة الغرب، خاصة وأن غياب مباركة الدول العربية في اتفاق طهران مع القوى الدولية الكبرى، ساهم إلى حد كبير في إفشاله بعد ذلك خلال حقبة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
وبالتالي فإن تعميم التجربة العراقية صار ضرورة للجميع، سواء كانوا من العرب أو غيرهم، في ظل ما أبدته مختلف القوى في المنطقة من المرونة والحنكة في التعامل مع المشهد المتغير في بغداد، ليكون بمثابة نقطة الانطلاق للبناء عليها في المستقبل، إذا أراد الجميع تحقيق الأمن والاستقرار في الإقليم الذي يعاني من الاضطرابات لعقود طويلة من الزمن.
