الرئيسية / مقالات رأي / هذا لبنان الذي نعرفه

هذا لبنان الذي نعرفه

بقلم: حسن العيسى – الجريدة الكويتية

الشرق اليوم- شقة تطل على الروشة ببيروت في عمارة حديثة أقل قيمة لها مليون دولار أو مليونان، سواء كان سعر اليوم في لبنان البؤس أم كان سعر الأمس في لبنان أيام ازدهار العقار، لا فرق في تقلبات الأسعار عند المالك السائح الخليجي، وللأخير شقة أخرى تحت التصرف في الجبل بنصف السعر السابق أو ربعه للصيفية.

سهرات جميلة يمكن أن تقضيها في أماكن منتقاة، أو ربما في شقتك البيروتية، لا يهم… نجد أطيب طعام وشراب في أفضل المطاعم وأغلاها… لا ترى فيها غير أجساد رقيقة رائعة ووجوه جميلة في الأماكن الخاصة التي ترتادها… ماذا غير ذلك؟

ما هذا الذي كتبته لينا منذر في “نيويورك تايمز” (في 3 سبتمبر) بعنوان “لبنان الذي نعرفه رحل”، وبترجمة أوقع “لبنان الذي نعرفه انتهى من غير رجعة”. هل سطور الألم التي خطتها الكاتبة اللبنانية لينا معقولة أم هو الكابوس غير المنتهي في ليالي لبنان، أم هو عالم آخر يحيا به الثري اللبناني صاحب العلاقات المتشابكة من فرقة العشرين في المئة، نسبة “اللبنانيين المرتاحين”، يشاركه البهجة رفيقه السائح الكويتي الخليجي، حين يردد كل شيء جميل في لبنان!

ماذا تقول لينا؟ أساسيات ضرورية مثل الخبز، وغاز للطهي، وقنينة ماء صافية يمكن أن تشربها، فماء الحنفية ملوث، وكلها غير موجودة، ليالي سهر ليست لحفلات رقص مثيرة مع الصبايا الجميلات إنما هي ليالي تعرق وسهد من شدة الحرارة، فالكهرباء مقطوعة ومكائن توليد الكهرباء تعمل ساعتين وتقف، فلا يوجد مازوت يغذيها… الأكل في البرادات يُلوَّث لانقطاع الكهرباء، والنتيجة حالات تسمم دائمة… المشاوير بالسيارات عذاب ومعاناة، لا إشارات مرور تعمل، وطوابير طويلة أمام محطات البنزين… أطباء محتارون ماذا يفعلون… والمستشفيات على حافة الإغلاق، ولا علاج كيماوياً لمرضى السرطان… أناقة الملابس للأجساد الرشيقة المثيرة وهم، الحقيقة هي وجوه كالحة مكفهرة من معاناة يومية من أجل لقمة العيش هي الواقع.

أي لبنان تتحدث عنه لينا منذر بنسبة فقر تقارب 78 في المئة؟! ليس هذا لبنان الذي نعرفه، نحن لا نعرف غير لبنان الأقل من عشرين في المئة… كل شيء به جميل ورائع… عبارة “تكرم عينك” هي إجابة قاطعة لكل طلب سهلاً كان أم صعباً، نجدها دائماً عند السؤال…

غريبة، لماذا لا يرى أكثر اللبنانيين ما نراه أم أننا نعاني تراكوما؟ أمركم عجيب يا شعب لبنان… لماذا لا تأكلون الكعك؟ كان التساؤل الذي ينسب لماري أنطوانيت ليس موجهاً لجماهير الثوار الفرنسيين الجائعين… كان سابقاً لزمنه، كان موجهاً لكم، فالملكة ماري كانت تلعب دور كاسندرا، التي تقرأ مستقبل مستعمرات فرنسا القادمة بالميثولوجيا اليونانية، وقرأت مستقبلكم، واستغربت ماري لماذا لا تأكلون الكعك في بلادكم؟!

شاهد أيضاً

هل تنجح طهران خارج محور المقاومة؟

بقلم: عادل بن حمزة- النهار العربيالشرق اليوم– دخلت منطقة الشرق الأوسط فصلاً جديداً من التصعيد …