الرئيسية / مقالات رأي / في سنويتها الأولى: مبادرة ماكرون في ذمة الله؟

في سنويتها الأولى: مبادرة ماكرون في ذمة الله؟

بقلم: جورج شاهين – صحيفة “الجمهورية” اللبنانية

الشرق اليوم – ضاع عام كامل من حياة اللبنانيين عقب الإعلان عن مبادرة ماكرون التي أطلقها من بيروت في 2 أيلول من العام الماضي، فشكّلت نتاج وعصارة عمل فريق فرنسي، جمع في ورقة واحدة مجموعة من المقترحات التي تقدّم بها قادة لبنانيون من مختلف المواقع، لمواجهة ما بلغته الأزمات المتناسلة. ولم يكن اللبنانيون بعد قد تلقّوا أي جواب على مجموعة الأسئلة الكبرى التي طرحتها انتفاضة 17 تشرين الأول 2019.

وإن عاد اللبنانيون عاماً إلى الوراء، لاستذكروا أنّه وعلى وقع التفاهم على 90% من مضمون الورقة الفرنسية التي أسقط صاحبها بنداً واحداً منها، كان يدعو من خلاله رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب المستقيل سامي الجميل ومعه مجموعة النواب المستقيلين، إلى انتخابات نيابية مبكرة، بعد سقوط منظومة السلطة التي أثبتت عجزها في مواجهة أي من الاستحقاقات الداخلية التي واجهها اللبنانيون، لا بل زادت من تفاقمها وتعميمها على مختلف وجوه حياة اللبنانيين، وعطّلت مختلف أدوار الدولة ومؤسساتها، بعدما أنهت خدماتها إلى درجة افتقد فيها المواطنون أبسط حقوق الإنسان والحدّ الأدنى من ديمومة العمل والعيش.

ولذلك، كان التوصيف الجامع للمبادرة، أنّها شكّلت خريطة طريق إلى أقصر وسائل مواجهة مجموعة الأزمات، وفق برنامج أولويات يحاكي الحاجة إلى تفكيكها واحدة بعد أخرى، ومعالجة أسبابها وكل ما أدّى إليها، بدل التطلع إلى النتائج التي ترتبت عليها. فكانت المفاجأة أن أعلن القادة أمام الرئيس الفرنسي التزامهم بما قالت به، فمنحوا أنفسهم مهلة أسبوعين لتشكيل حكومة جديدة وصفت بـ «حكومة مهمّة»، بعدما اختير لتشكيلها قبل يومين سفير لبنان في ألمانيا مصطفى أديب (31 آب 2020) ليكون بما شكّلته تسميته والمواصفات التي ميّزته عن باقي أعضاء نادي رؤساء الحكومات، على أنقاض التجربة التي انتهت إليها حكومة اللون الواحد التي شكّلها الرئيس حسان دياب، وتحاشي الأسباب التي أدّت إلى فشله في الإدارة والسياسة والاقتصاد، ليتحول الضحية الأولى لتفجير مرفأ بيروت، بعد تبرؤ من جاء به، وكأنّه المسؤول الوحيد عن ثالث انفجار غير نووي في العالم.

ولمن يملك «ذاكرة مبخوشة» عليه أن يتذكر أنّ المبادرة قالت إنّ على الحكومة أن تكون فريق عمل متجانساً وحيادياً، يجمع اختصاصيين ومستقلين بعيدين كل البعد من الأحزاب المنقسمة حول كل شيء ومعها مواطنيها عمودياً وأفقياً. على أن تتفرّغ الحكومة فور تشكيلها إلى إطلاق برنامج الاصلاحات المالية والنقدية والإدارية والاجتماعية، تزامناً مع استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ومجموعة الدول والمؤسسات المانحة ومالكي سندات اليوروبوندز، بعد توقف لبنان عن التزاماته المالية في 9 آذار العام 2020، ولمدّ يد العون التى لا بدّ منها، من أجل التخفيف من حدّة الأزمات ووقف الانهيارات المتتالية على الطريق التي لا بدّ من أن تؤدي إلى التعافي والإنقاذ.

كما تضمنت المبادرة تعهداً ووعداً رئاسياً فرنسياً ببرنامج متكامل واضح الخطى وطويل الأمد، يوفّر ما تحتاجه هذه الحكومة ومواصفاتها الخاصة بالذات، من دعم عن طريق مجموعة من المبادرات الأوروبية والدولية، تشارك في مسلسل مدروس من المؤتمرات المتخصّصة للدول المانحة، وفق برنامج يساعد الحكومة في توفير الحدّ الأدنى من حاجات الدولة في مواجهة نكبة بيروت وإعادة إعمار ما تهدّم، ورفع مستوى المساعدات الانسانية والطبية، لمعالجة الآثار التي تركتها جائحة الكورونا، وإحياء القطاع الطبي المدمّر والتربوي المشلول، عدا عن مساعدة آلاف المتضررين في بيروت.

على هذه الخلفيات، توالت المواقف التي أشادت بالمبادرة الماكرونية وما قالت به، إلى حدّ اعتبارها بعناوينها البيان الوزاري للحكومة العتيدة. وبدأ بعض القوى يعمل في الخفاء وقبل أن يجف حبرها، على التراجع عن التزاماته. وعلى وقع الخلاف على تفسير وصفها بـ «حكومة المهمّة»، استنجد البعض بالقواميس التي تفرغ كلمة «مهمّة» من مضمونها، قبل أن يبدأ التهشيم بصفات الاختصاصيين والتوسع في البحث عن مواصفاتهم المفقودة، ومن أين يُؤتى بهم طالما أنّ المطلوب في النتيجة ثقة الكتل النيابية الحزبية، بعدما رفضوا تفسيراً يقول إنّ القبول بالمبادرة جعل تنازل هذه الكتل النيابية والحزبية عن هذا الحق حتمياً لا بل واجباً، لتسهيل ولادة مثل هذه الحكومة.

وقبل أن ينتهي «النقاش البيزنطي» إلى نتائج عملية، وعلى وقع اتهام الرئيس الفرنسي بأنّه يسعى إلى انتصارات داخلية فرنسية من البوابة اللبنانية، أعلن الثنائي الشيعي تمسّكه بحقيبة وزارة المال، والتيار البرتقالي بوزارة الطاقة. وتوسّع الجدل حول ما إن كانت المبادرة قالت بـ «المداورة» بين الحقائب السيادية والخدماتية من دون اتفاق. فسقطت تجربة اديب بالضربة القاضية بعد 26 يوماً على تكليفه. وانتهت إلى تسمية الرئيس سعد الحريري من بعده وبعد أقل من أسبوعين، في اعتباره «المرشح الطبيعي» لتشكيل الحكومة، فسقط كل ما قيل عن مواصفات الرئيس الحيادي والحكومة المستقلة الخالية من الحزبيين. وكرّت السبحة التي تطعن المبادرة الفرنسية في جوهرها.

كذلك سقطت محطات مهمّة من خريطة الطريق الفرنسية. فلم يتحدث أحد عن الإصلاحات ولا المفاوضات مع مالكي سندات اليوروبوندز ولا صندوق النقد الدولي ولم يولد قانون الكابيتال كونترول. وإن لم تُحل هذه العوائق دون مساعي ماكرون بعقد مجموعة من مؤتمرات الدعم للبنان والجيش، رغم معرفته بسقوط بنود مهمّة من مبادرته، وصولاً إلى اتهامه اللبنانيين بالكذب. وهكذا عبرت أشهر السنة على مهمّة تكليف الحريري إلى أن سقطت (15 تموز 2021) نتيجة المناكفات السياسية. وجاء تكليف الرئيس نجيب ميقاتي (26 تموز 2021) من دون أن يشكّل محطة أمل حتى هذه اللحظة بإمكان إحياء ما تبقّى من المبادرة، رغم الجهود الفرنسية التي حالت دون سقوط تجربته في شهرها الأول.

وبناءً على كل ما تقدّم لا بدّ من الإشارة إلى أنّ ما تبقّى من المبادرة الفرنسية لم يعد يُقاس بأي معايير قالت بها المبادرة بعد «لبننتها»، وتحول همّ الفرنسيين إلى تشكيل أي حكومة بأي من المواصفات الممكنة، وبات رهانهم على مبادرات داخلية، إحداها يقوم بها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم صديق أعضاء الخلية الفرنسية، في انتظار أي حدث ما، يُعلن فيه عن وفاة المبادرة التي دخلت مرحلة «الموت السريري»، وإلى حين انتقالها إلى «رحمته تعالى في ذمّة الله».

شاهد أيضاً

بأية حال تعود الانتخابات في أمريكا!

بقلم: سمير التقي – النهار العربي الشرق اليوم- كل ثلاثة او أربعة عقود، وفي سياق …