الرئيسية / مقالات رأي / مستقبل التدخل الأمريكي بالخارج بعد أفغانستان

مستقبل التدخل الأمريكي بالخارج بعد أفغانستان

بقلم: د. منار الشوربجي – المصري اليوم

الشرق اليوم – الانسحاب من أفغانستان كمؤشر على انحسار الإمبراطورية الأمريكية لا يعني بالضرورة تراجع التدخل العسكري الأمريكي في الخارج، على الأقل على المدى المتوسط. والأسباب ليست خارجية وإنما داخلية أمريكية، أخطر ما فيها أنها ذات طابع هيكلي يصعب تفكيكها بين ليلة وضحاها. والتراشق الأخير بين البيت الأبيض وإريك برينس أحد تجليات ذلك الواقع.

وإريك برينس هو صاحب شركة «بلاك ووتر» العسكرية الشهيرة التي كانت مسؤولة عن العشرات من وقائع القتل الوحشية للمدنيين في أفغانستان والعراق، حتى إنه تخلص من اسم الشركة سيئ السمعة. ونشاط الشركة هو في كلمة واحدة نشاط المرتزقة. فالشركة تتعاقد مع وزارة الدفاع الأمريكية للقيام بمهام عسكرية مقابل ملايين الدولارات. وقد أدين بعض مسؤوليها أمام المحاكم الأمريكية بقتل المدنيين بالعراق. وسبب التراشق مع البيت الأبيض كان ما نشرته الصحف الأسبوع الماضي من أن برينس يتقاضى من الشخص الواحد 6500 دولار مقابل مقعد على طائرة تغادر أفغانستان. وهو المبلغ القابل للزيادة حال حاجة المغادر لمساعدة لنقله إلى المطار. وقد سُئلت المتحدثة باسم البيت الأبيض عن الموضوع فأدانته قائلة: «لا أظن أن أي إنسان له روح وقلب سيدعم مساعي التربح من آلام الناس ومعاناتهم وهم يحاولون مغادرة أحد البلدان ويخشون على حياتهم». عندئذ لم يتورع صاحب جيش المرتزقة عن مهاجمة الإدارة لرفضها مد أجل الانسحاب واتهمها «بفقدان ثقة حلفائها» الدوليين. ليس ذلك فقط، وإنما هاجم بايدن شخصيًا لأنه «لم يحفظ الجميل» بعدما أنقذت «بلاك ووتر» حياته هو وزملائه من أعضاء مجلس الشيوخ، حين كانوا في زيارة لتقصي الحقائق في أفغانستان وفقدت طائرتهم العسكرية طريقها. والحقيقة أن مثل تلك الشركات تمارس أقصى ضغوطها الداخلية لاستمرار الوجود العسكري بالخارج لأنها تحقق من خلاله أرباحًا خيالية.

وذلك النوع من الشركات لم يكن في حسبان الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت أيزنهاور حين حذر الأمريكيين مما سماه «المركب العسكري الصناعي». فأيزنهاور الذي كان جنرالًا في جيش بلاده قبل أن يتولى الرئاسة، هاله التحالف الثلاثي بين البنتاجون، صاحب المصلحة في زيادة ميزانيته باستمرار، والشركات العملاقة المنتجة لأسلحة الحرب، صاحبة المصلحة في اشتعال الحروب التي تخوضها أمريكا حتى تتعاقد مع البنتاجون على توريد تلك الأسلحة له، ومعهم أعضاء الكونجرس بلجان الدفاع، الذين من مصلحتهم إنشاء قواعد عسكرية ومصانع تلك الشركات العملاقة في دوائرهم وولاياتهم لأن معناه انتعاش اقتصادها. وتحذير أيزنهاور لم يكن يضم وقتها شركات المرتزقة التي صارت هي الأخرى تلعب دورًا لا يقل خطورة في الدفع نحو استمرار آلة الحرب دائرة. فمثلها مثل شركات أسلحة الحرب، تنفق شركات المرتزقة المليارات للتأثير على صنع القرار لصالحها.

ولم يكن في حسبان أيزنهاور أيضًا أن يلعب الإعلام الأمريكي دورًا هو الآخر في دفع الولايات المتحدة دفعًا في الاتجاه ذاته، عبر صناعة الرأي العام. ففي الغالبية الساحقة من الحالات، لا يشير الإعلام إلى أن المتحدث يعمل مع إحدى شركات الأسلحة الحربية.

واليوم مع وصول الاستقطاب السياسي والحزبي لمستويات غير مسبوقة، صار هناك بعد إضافي يتعلق بالمعلومات المغلوطة. فعلى سبيل المثال، يعرف مستشار ترامب للأمن القومي، الجنرال ماكماستر، بالضرورة، أن طالبان تعادي «تنظيم الدولة»، ومع ذلك، ولتبرير إلغاء الانسحاب، قال إعلاميا إن طالبان ربما «استخدمت تنظيم الدولة كواجهة لتنفيذ الهجوم الإرهابي على مطار كابول»!

باختصار، هناك قوى وأطراف عملاقة داخل الولايات المتحدة تضغط بكل قوة لمزيد من التورط العسكري في الخارج.

شاهد أيضاً

ونستون تشرشل يشتمنا… فـ”وا عرباه”!

بقلم: حسن إسميك- النهار العربيالشرق اليوم– منذ نحو 10 سنوات، قرأت وللمرة الأولى أن ونستون …