(L to R) French President Emmanuel Macron, Saudi Foreign Minister Faisal bin Farhan, Iraq's Prime Minister Mustafa al-Kadhemi, Turkey's Foreign Minister Mevlut Cavusoglu, Jordan's King Abdullah II, Arab League Secretary General Ahmed Aboul-Gheit, Egypt's President Abdel Fattah al-Sisi and secretary-general of the Gulf Cooperation Council (GCC) Nayef al-Hajraf pose for a group picture after the meeting in Baghdad on August 28, 2021. (Photo by Ludovic MARIN / POOL / AFP)
الرئيسية / مقالات رأي / مؤتمر بغداد.. وإرساء “قواعد المنافسة” في الشرق الأوسط

مؤتمر بغداد.. وإرساء “قواعد المنافسة” في الشرق الأوسط

بقلم: بيشوي رمزي – اليوم السابع

الشرق اليوم – “إدارة الصراع”.. مفهوم تقليدي، في العلاقات الدولية، حيث تبقى هناك العديد من الأشكال التي تتبناها الدول لإدارة خلافاتها، أو ما يمكننا تسميته بـ”منافستها الإقليمية والدولية”، من أجل تحقيق غايتها، والتي تتمثل في تحقيق السطوة والنفوذ، والحصول على موقع الريادة، سواء في منطقة ما أو على المستوى الدولي بأسره، وما يتخلل ذلك من مكاسب اقتصادية، وأخرى تتعلق بالأنظمة الداخلية، في كل دولة، حيث تبقى الصراعات الدولية في بعض الأحيان وسيلة ليحتفظ نظام معين بمقاليد السلطة، وربما تصبح ذريعة لقمع معارضيه في الداخل.

ولعل مفهوم “إدارة الصراع”، اقتصر في غالبية السوابق الدولية على مستوى العلاقة بين قوى بعينها، ومحيطها الإقليمي أو الدولي، بحيث تكون تلك القوى هي الممسكة بمقاليد الأمور، سواء عبر مصالحات مرحلية أو دائمة، تارة، أو استخدام وسائل أخرى للسيطرة بعيدا عن المواجهة المباشرة، من خلال توظيف جماعات بعينها على سبيل المثال لتكون بمثابة أذرع لها، داخل الدول الأخرى، حتى يمكنها القيام بالدور المباشر في حماية مصالحها، وبالتالي تكون بمثابة وكيل لها في معركتها أمام القوى الأخرى، ووسيلتها لتحقيق المزيد من النفوذ والهيمنة تارة أخرى، في الوقت الذي تتبنى فيه الدولة نفسها ربما خطابا متعارضا مع سلوكها العدائي.

الصراع الإقليمي في الشرق الأوسط، ربما اتخذ مختلف الأوجه، في العقود الماضية، بين حروب مباشرة، وأخرى بالوكالة، بينما كانت الفوضى وعدم الاستقرار وتفشي جماعات الإرهاب، هي الثمار الرئيسية لتلك الحالة، والتي كان السبب الرئيسى فيها هو التحرك المنفرد بين قوى الإقليم الساعية للقيادة والنفوذ، حتى أصبح الخطر داهما على جميع الأطراف، خاصة بعد ظهور التنظيمات الإرهابية، بصورتها “العابرة للحدود”، لتمثل خطرا ليس فقط على المنطقة ودولها، وإنما امتدت إلى العديد من المناطق الأخرى، عبر خطاباتها المضللة التي نشرتها عبر الانترنت لتكون لنفسها أذرع بعيدة المدى، ربما لا تتمتع بنفس الالتزام التنظيمي الذي يتبناه أفرادها الذين يعملون معها على الأرض، ولكنها تبقى موالية لها فكريا، فأصبحت بمثابة قنابل موقوتة يمكنها الانفجار في أي لحظة، في الوقت الذي ربما تمتد شرورها إلى الجميع، حتى أولئك الذين قدموا لهم الدعم يوما ما وساهموا في بزوغ نجمهم، سواء عبر تمويلهم أو تقديم الدعم السياسي والعسكري لهم.

وهنا أصبحت الحاجة ملحة إلى سبل جديدة في إدارة الصراعات الإقليمية، تقوم على قدر من الجماعية، عبر تحويل الصراع إلى تعاون، بين الأطراف المتصارعة، لتحقيق أهداف بعينها، منها دحض التهديد الذي يواجههم، على غرار الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، ليكون هذا التعاون، وإن كان مرتبطا بهدف معين، مدخلا لتعاون أعمق في المستقبل من شأنه خلق العديد من المصالح المشتركة، التي يمكنها أن تطغى على الجانب الصراعي، وهو ما يخلق مساحة أكبر للتفاوض حول الخلافات، جنبا إلى جنب المزيد من العمل المشترك لتعظيم المصالح.

فلو نظرنا إلى مؤتمر بغداد الأخير، ربما نجد أنه يقدم نموذجا جديدا في إدارة الصراع الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، خاصة وأنه يجسد في جماعيته وتنوعه، عبر الأطراف المشاركة فيه والذين مثلوا الجانب العربي، سواء في صورة الدول العربية المشاركة، أو مظلتهم الإقليمية، المتمثلة في جامعة الدول العربية، إلى جانب قوى أخرى غير عربية، على غرار إيران وتركيا، ناهيك عن الوجود الفرنسي القوي، متمثلا في الرئيس إيمانويل ماكرون، سابقة مهمة، تتجلى بوضوح في تواجد العديد من القوى المتنافسة، والساعية إلى قيادة المنطقة، على مائدة حوار واحدة، تدور حول الخطر القادم من العراق، والذى يمثل تهديدا للجميع، إذا لم يجد الحماية الإقليمية التي يمكنها أن تدعمه في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي، والذي قد يؤدى إلى حالة من الفراغ الأمني، تفتح الباب أمام عودة التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها داعش، للعودة مجددا، وتهديد مصالح الجميع.

وبالاضافة إلى ذلك، تبقى مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي،  بمثابة فرصة جيدة للتحاور مع جميع الأطراف بما يفتح الطريق أمام مزيد من التعاون الثنائي، سواء فيما بين القادة العرب، بما يحقق المصلحة العربية الجماعية أو بين الدول العربية وغيرهم من القوى الاقليمية الأخرى وفرنسا، لضمان سلامة الإقليم بأسره في مواجهة المخاطر المحدقة به، ناهيك عن فتح الباب أمام الترويج للسلع و المنتجات والخبرات المصرية وهو ما يصب في مصلحة الاقتصاد الوطني.

بينما تبقى مشاركة الجامعة العربية هي الأخرى بمثابة تقديم غطاء عربي سواء لدولة العراق التي حاولت بعض القوى اختطافها، من جانب، وكذلك لإضفاء ما يمكننا تسميته بشرعية الهوية على التحرك الدولي الجماعي، من جانب آخر، مما يمنحه المزيد من التأثير والمصداقية، ويساهم في تقديم صورة جماعية للتوجه العربي القائم على الرغبة في طي الخلافات أو على الأقل تجنيبها مرحليا لاحتواء التهديدات الحالية وإدارة الصراع الإقليمي، في العراق، لا يقتصر في جوهره، على حالة الاستقطاب الدولي والإقليمي، وإنما يبقى الداخل العراقي جزء لا يتجزأ منه، خاصة مع حالة التنوع التي تشهدها بلاد الرافدين، والذي من المفترض أن يمثل نقطة قوة، إلا أن التجاذبات الكبيرة التي شهدتها البلاد في العقود الأخيرة، ساهمت في تحويلها لتكون مدخلا للفوضى وعدم الاستقرار، الذي وضع البلاد في العديد من الفترات على أعتاب حرب أهلية.

وهنا يمكننا القول بأن مؤتمر بغداد يمثل بداية الطريق لنهج دولي جديد، حول الكيفية التي يمكن أن تدار بها الصراعات الإقليمية، في المستقبل، والذي يقوم على خلق “مشتركات”  بين المتنافسين، يمكن من خلالها، ليس تقويض طموحات القوى الإقليمية، وإنما تحقيق حد أدنى مما يمكننا تسميته بـ”قواعد المنافسة” في المنطقة، والتي لا يجوز انتهاكها، لتحقيق المصلحة العامة للإقليم.

شاهد أيضاً

إنصاف «الأونروا»

بقلم: وليد عثمان – صحيفة الخليج الشرق اليوم- لم تكن براءة وكالة الأمم المتحدة لغوث …