الرئيسية / مقالات رأي / إذا مرضت الصين ضعُف العالم

إذا مرضت الصين ضعُف العالم

بقلم: ديزموند لاكمان – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- قد تكون للتباطؤ الاقتصادي في الصين آثاره غير المباشرة والخطيرة على بقية الاقتصادات العالمية، فكلنا يعلم تعثر الانتعاش الاقتصادي للولايات المتحدة وأوروبا العام الماضي بسبب مشاكل سلاسل التوريد في بقية آسيا ودول الجوار الصيني

لطالما قيلت في وصف اقتصاد الولايات المتحدة عبارة، “عندما تعطس أمريكا، يصاب العالم بالزكام”، في دلالة على أن ما يصيب أمريكا، سواء في السراء أم الضراء، يؤثر في بقية البلدان.

اليوم، وبوصفها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ومحرك نموه الأساسي، هل نستطيع نسخ العبارة السابقة ولصقها على الصين؟

تبرز أهمية هذه المقارنة أكثر في هذه الأوقات، وفي ظل التحديات التي تواجه التعافي الاقتصادي الصيني من تفشي وباء فيروس كورونا، في وقت ألقت فيه العديد من نقاط الضعف الخطيرة بظلالها القاتمة على التوقعات الاقتصادية طويلة المدى لهذا البلد.

لنعد قليلاً في التاريخ إلى العقد الذي أعقب الركود الكبير عام 2009، فقد كان النمو الاقتصادي الصيني السريع والمثير للإعجاب حينها بمثابة المحرك الرئيسي لانتعاش الاقتصاد العالمي. وفتَح اقتصاد الصين المتنامي أسواق التصدير أمام شتّى القطاعات في مختلف بقاع العالم، وخاصة لجيرانها الآسيويين. في الوقت ذاته، قدّم طلبها “النهم” على السلع الدولية الدعم الذي تشتد الحاجة إليه بالنسبة لاقتصادات السوق الناشئة.

وعلى مدار العام الماضي، وبعد الشلل القصير الذي تسبب به الوباء، أعاد النمط الصيني السابق صياغة نفسه، حيث كانت الصين أول دولة من بين الدول الكبرى في العالم التي تسيطر على الوباء، الأمر الذي مكّن اقتصادها من التعافي بسرعة من الركود الناجم عن “كوفيد-19”. ومرة أخرى، ضخّت الصين الدم في عروق الأسواق، وعادت عجلة التصدير لتدور باتجاه جيرانها الآسيويين، مما دعم بشكل كبير انتعاش أسعار السلع الأساسية في المنطقة والعالم.

اليوم، يشكل تفشي المتغير “دلتا” في الصين تحدياً حاسماً لدورها المستمر كمحرك للنمو الرئيسي للاقتصاد العالمي. حيث أعادت العديد من المناطق الصينية فرض عمليات الإغلاق الاقتصادي وسط تبني الحكومة نهجاً صارماً في التعامل مع الوباء. وفي حين أن هذا النهج من المرجح أن يصب في مصلحتها الاقتصادية على المدى الطويل، إلا أنه سيتسبب بمشاكل قصيرة الأجل بخصوص التعافي الاقتصادي الذي تشهده الصين.

تمثل حملة الحكومة الصينية الأخيرة على قطاع التكنولوجيا الفائقة، جنباً إلى جنب مع جهودها لتفضيل القطاع العام على الخاص، انعكاساً جزئياً للإصلاحات الاقتصادية التي عززت المعجزة الاقتصادية للبلاد في ظل حكم دنج شياو بينج، الزعيم الراحل ومهندس سياسة الإصلاح والانفتاح الصيني على العالم في ثمانينات القرن الماضي. في الوقت نفسه، فإن تباطؤ النمو الاقتصادي سيجعل من الصعب على السلطات الصينية التعامل مع فقاعة السوق الائتماني التي تُعد من بين أكبر الفقاعات في العالم، وقد يُعيد مشهد التراجع الصيني أمام اليابان في التسعينات.

قد تكون للتباطؤ الاقتصادي في الصين آثاره غير المباشرة والخطيرة على بقية الاقتصادات العالمية، فكلنا يعلم تعثر الانتعاش الاقتصادي للولايات المتحدة وأوروبا العام الماضي بسبب مشاكل سلاسل التوريد في بقية آسيا ودول الجوار الصيني التي تعاني اقتصاداتها بالفعل موجات فيروسية قاتلة، الأمر الذي قد يدفعها أيضاً إلى إغلاق أجزاء من اقتصاداتها. وفي الوقت نفسه، فإن اقتصادات الأسواق الناشئة المثقلة بالديون و”غير المحصّنة” في وضع هش، وقد تئنّ تحت وطأة التراجع المتجدد في أسعار السلع الأساسية الدولية أو الانكماش في أسواق صادراتها.

ومما يثير القلق بنفس القدر هو خطر أن يؤدي التباطؤ الاقتصادي الصيني إلى انفجار فقاعة “كل شيء” عالمياً بما في ذلك أسواق الأسهم، والإسكان، والديون. إذ تستند هذه الفقاعة “الزاهية” إلى فرضية أن أسعار الفائدة المنخفضة للغاية اليوم ستستمر إلى الأبد، وأن الاقتصاد العالمي آخذٌ في التعافي بسلاسة ويسر كبيرين من الأضرار الناجمة عن فيروس كورونا المستجد. لكن التباطؤ الاقتصادي المطول، إن حدث في الصين، سيجعل هذه الفرضية محل شك كبير، مع آلاف إشارات الاستفهام الخطيرة التي ستدفع الفقاعة للانفجار.

أحد الجوانب الإيجابية للتباطؤ الاقتصادي العالمي الناجم عن الصين، هو أنه سيقلل من خطر الانهاك الاقتصادي والتضخم في الولايات المتحدة بسبب السياسات النقدية المفرطة التي انتهجتها الحكومة منذ بدء الأزمة. لكننا سنكون جميعاً أفضل حالاً بكل تأكيد إن تمكنت الصين، بطريقة أو بأخرى، من احتواء موجة “دلتا”، شديدة العدوى صحياً والمدمرة اقتصادياً، وتعاملت الولايات المتحدة مع خطر الانهاك الاقتصادي بطريقة ذكية وعبر تشديد سياستها الاقتصادية.

شاهد أيضاً

إسرائيل تختار الصفقة بدلاً من الرد الاستعراضي

بقلم: علي حمادة – صحيفة النهار العربي الشرق اليوم– تجنبت ايران رداً إسرائيلياً استعراضياً يفرغ …