الرئيسية / مقالات رأي / لبنان بعد الانهيار

لبنان بعد الانهيار

بقلم: خليل حسين – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- قدر لبنان أن يتخبط بأزمات متلاحقة لا تنتهي منذ قرن من الزمن، ما يطرح تساؤلاً جدياً حول إمكانية استمراره ككيان؟ إذ إن أزماته الأخيرة تعدت أن تكون أزمة حكومة أو حكم، ودخلت مراحل الخطر الشديد؛ حيث معالم تحلل الدولة والسلطة باتت واضحة، في ظل شبه غياب تام للمؤسسات المعنية باتخاذ حتى القرارات الروتينية المتصلة بتصريف شؤون الناس الحياتية الأساسية.

فالسلطة التنفيذية مستقيلة من مهامها في ظل غياب فاعل للسلطة التشريعية، الأمر الذي انسحب وبشدة على السلطة القضائية. باختصار، سلطة نظام تحتضر وسط أزمات حياتية لا تعد ولا تحصى، ما انعكس على السلوك النفسي الاجتماعي للمواطنين، إضافة إلى تكرار مظاهر المجازر بحق المواطنين ليس أولها انفجار المرفأ العام الماضي، ولن يكون آخرها انفجار عكار الذي أودى بحياة العشرات من الضحايا والمفقودين والجرحى.

السؤال الذي يُطرح الآن، ماذا بعد الارتطام والانهيار الحاصل؟ هل هناك معطيات تقود إلى إمكانية تعويم مشاريع حلول ما في المستقبل؟ والمشكلة في الإجابة تكمن في ارتباط الموضوع في العديد من المؤثرات الرئيسية الخارجية المتصلة باستغلال واضح وقوي من مختلف الأطراف اللبنانيين المنقسمين عمودياً حول العديد من القضايا الرئيسية والثانوية، وبالتالي صعوبة التوصل إلى رسم صور لمعالم حلول ممكنة.

في أي حال من الأحوال، وإن شُكلت الحكومية، فلن يكون بمقدورها كالعادة تنفيذ أي وعد من وعودها لاسيما وأنها ستكون من حيث المبدأ حكومة تصريف أوضاع معقدة، وصولاً إلى استحقاقات رئيسية في الحياة السياسية اللبنانية المتصلة بإمكانية إعادة تركيب السلطة في لبنان، الانتخابات النيابية وما سيليها من استحقاق انتخابي رئاسي، وفي الحالتين ثمة صعوبات كثيرة جداً، تبدأ في الأولى على قاعدة أي قانون انتخابي ستحصل الانتخابات، وهو قانون لم يتم التوصل إليه في حالات الوفاق الدنيا، فكيف اليوم والانقسام بلغ الذروة، وإذا حصلت  والأمر صعب  كيف سيتم الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية وهو بطبيعة الحال سيكون مجال شد وجذب بين كتل لن تكون مقررة، وهي ملزمة بتحالفات هجينة، وقياساً على سوابق عدة في الحياة الانتخابية الرئاسية، فإن فراغاً يمكن أن يحصل ويطول، وبطبيعة الأمر ستتخلله حالات احتراب قوية على الطريقة اللبنانية، كعام 1988 و2007 و2013 التي شهدت فراغات رئاسية وتنفيذية.

والأخطر من كل ذلك، الوضع الاقتصادي الاجتماعي الذي لم يسبق له أي مثيل في تاريخ الأزمات اللبنانية المتواصلة، فالفقر دخل أغلب البيوت اللبنانية؛ حيث نسبة ال4 في المئة تعيش برفاهية، وال96 يعجزون عن تأمين مستلزماتهم الأساسية، إضافة إلى مظاهر النزف في الكوادر الاجتماعية هجرة وهرباً، وبالتالي تفريغ المجتمع من كوادر طبية وهندسية وأكاديمية؛ حيث بلغت الأرقام حدوداً مرعبة، وسط حد أدنى للرواتب وصل الى أقل من ثلاثين دولاراً، وهو يُعد فقراً مدقعاً، وسط مظاهر اجتماعية مأساوية تصل إلى حد انتشار الجريمة المنظمة، الناجمة عن تردي الأوضاع السلوكية، بسبب العوز.

في أي حال، دخل لبنان مرحلة التحلل بعد الارتطام المدوي، وإن إعادة الإنقاذ تتطلب جهوداً خارقة لا تقتصر على الداخل، وإنما تستلزم رعاية خاصة عربياً ودولياً بالنظر إلى حجم المتطلبات الاقتصادية والمالية والاستثمارية، وصولاً إلى مرحلة البناء الاجتماعي بعد إصابته بشروخ هائلة؛ وذلك وسط شبه إجماع على أن الأمر يتطلب إعادة بناء عقد سياسي اجتماعي دونه عقبات كثيرة وسط انشغال العالم بهمومه التي لا تنتهي.

الدولة اللبنانية تحللت كمؤسسات، وإعادة تكوينها؛ تستلزم رؤية إقليمية ودولية لدور لبنان في ظل المتغيرات التي تعصف في كل مكان، فهل سيتمكن اللبنانيون من فهم هذا الواقع والتفتيش عن رؤية تعيده إلى دور ما في المنطقة يحمي كيانه ووجوده، أم أن اللبنانيين على طريقتهم سيسيرون في إثارة صراعاتهم وبالتالي القضاء على أي فرصة للنجاة؟ إن مدخل الحلول يكمن بإعادة تموضعه العربي الذي يمكن أن يؤمن غطاءً دولياً لإعادة برمجة وقائع جديدة قابلة للحياة.

شاهد أيضاً

أحلام مقتدى الصّدر وأوهام مناصريه

بقلم: فاروق يوسف- النهار العربيالشرق اليوم– عندما يُشفى العراقيون من عقدة اسمها مقتدى الصدر يكون …