الرئيسية / مقالات رأي / أسباب فشل التوقعات في أسواق النفط

أسباب فشل التوقعات في أسواق النفط

بقلم: أنس بن فيصل الحجي – اندبندنت العربية

الشرق اليوم- يعود فشل التوقعات إلى أمور عامة تنطبق على أي توقع، ولكن هذا ليس محور المقال اليوم. محور مقال اليوم أمور خاصة بصناعة النفط، سأقوم بعرض موجز لها أدناه:

1- توقعات المنظمات

المشكلة الأساسية في توقعات المنظمات العالمية مثل وكالة الطاقة الدولية و”أوبك” أنها تأخذ خطط أعضائها والدول التي تتعامل معها كما هي من دون تقييم، وذلك لأن إعادة التقييم تعني التشكيك فيما تقوله الدولة العضوة في المنظمة، ومن ثم انزعاجها، الأمر الذي ينعكس سلبياً على المنظمة ومحلليها.

فإذا أعلنت دولة أنها ستمنع بيع السيارات العاملة على البنزين والديزل بتاريخ معين، فإن وكالة الطاقة الدولية تأخذ هذه السياسة كما هي، على الرغم من أن الباحث على يقين أن هذه الدولة لا تستطيع أن تحقق هذا الهدف في التاريخ المعين. في هذه الحالة، سيكون الطلب على النفط أعلى مما تتوقعه الوكالة.

بالنسبة إلى “أوبك”، إذا اتُّفق على تخفيض الإنتاج، فإن توقعاتها المستقبلية تفترض أن كل الأعضاء سيلتزمون تماماً بالتخفيض، على الرغم من قناعة الباحث أن بعض الدول لن تلتزم. في هذه الحالة، سيكون المعروض من النفط أعلى مما تتوقعه “أوبك”.

تقدر هذه المنظمات العالمية الطلب العالمي على النفط وفقاً لمتغيرات متعددة، أهمها نمو الاقتصاد العالمي. ثم تُقدر إنتاج دول خارج “أوبك” بناء على متغيرات متعددة، أهمها المشاريع التي يتم العمل عليها لزيادة الإنتاج والتكاليف، وغيرها. ثم تفترض أن “أوبك” ستُغطي الفرق بين الطلب العالمي على النفط وإنتاج دول خارج “أوبك”. بعبارة أخرى، يُقدَّر الطلب بناء على متغيرات معينة، وكذلك إنتاج خارج “أوبك”، ولكن إنتاج “أوبك” هو دائماً الفرق ولا يُقدَّر بناء على متغيرات مثل دول خارج “أوبك”. والآن، مع وجود “أوبك+”، التي تتضمن عشر دول من خارج “أوبك”، أصبحت الأمور أكثر تعقيداً.

المشكلة في هذا النموذج أنه يفترض أن دول “أوبك” ستغطي دائماً الفرق بين الطلب العالمي على النفط وإنتاج دول خارج “أوبك”. هذه الفكرة مرفوضة نظرياً وعملياً، بخاصة أن أكبر الارتفاعات في أسعار النفط تاريخياً حصلت بسبب عدم قدرة “أوبك” على تغطية هذا الفرق. وهذا ما سيحصل خلال السنوات المقبلة أيضاً، حيث إن دول “أوبك” لن تستطيع تغطية الفرق بسبب عدم مواكبة إنتاج النفط الزيادةَ في الطلب عليه بسبب ضعف الاستثمارات من جهة، وفشل التوقعات المتعلقة بسياسات التغير المناخي من جهة أخرى، التي من شأنها أن ترفع الطلب فوق التوقعات.

ولا ننسى توقعات وكالة الطاقة الدولية التي لعبت على أوتار الرئيس دونالد ترمب، خوفاً من إلغاء أو تخفيض الدعم المالي لها، بعد أن أوقف الدعم المالي عن عدد من المنظمات الدولية. ونتج عن ذلك توقعات بـ”نمو انفجاري” في إنتاج النفط الصخري وكيف أن الولايات المتحدة تحقق الاستقلال الطاقي وأمن الطاقة. وما إن خسر ترمب وجاء جو بايدن “الأخضر” حتى تغير لون وكالة الطاقة الدولية معه، وطالبت بوقف الاستثمار بالنفط والغاز بما في ذلك النفط الصخري الأميركي! لم يحتج أحد… وتجاهلت وسائل الإعلام العالمية تقلب وكالة الطاقة.

2- توقعات شركات النفط

تُصدر كبرى الشركات العالمية مثل “أكسون موبيل” و”بي بي” توقعات سنوية تغطيها وسائل الإعلام بكثافة. المشكلة هنا أن هذه الشركات تصدر عدة سيناريوهات، ثم تختار لجنة رفيعة المستوى السيناريو الذي ستستثمر الشركة بناء عليه ويبقى سراً، ثم تختار السيناريو الذي تريد أن تنشره للملأ.

لا شك أن هناك أفكاراً مهمة في هذه التوقعات، بخاصة فيما يتعلق باتجاهات التكنولوجيا، ولكن لا يمكن الاستدلال بها على الطلب والعرض في أسواق النفط، بخاصة بعد إعلان بعض هذه الشركات بلوغ الطلب على النفط ذروته في 2019، والآن ثبت بشكل قاطع أن هذه التوقعات غير صحيحة.

3- عدم فهم الترابط بين مصادر الطاقة المختلفة

الحقيقة أن هذه هي الفكرة الأساسية وراء مقال اليوم. فانتشار الجفاف يخفض مستوى المياه في السدود، ومن ثم يخفض إنتاج الطاقة الكهرومائية. حتى يُتفادى العجز في إمدادات الكهرباء يُلجأ إلى المصادر التقليدية غالباً، أي محطات الفحم والغاز والنفط. ولكن حصول العجز سيؤدي إلى زيادة استخدام التوليد الخاص، والتوليد الخاص عادة ما يكون من الديزل. ولعل أشهر الأمثلة على ذلك كانت في الصين وبعض دول الخليج والآن في كاليفورنيا والبرازيل. المشكلة هنا أنه لا يُعرف ما يحصل إلا بعد أن يحصل، أي بعد زيادة الطلب على النفط وارتفاع إنتاج المنتجات النفطية في الدول والمناطق المتأثرة، وبالتالي تختلف الحقيقة عن التوقعات.

ولو نظرنا إلى عام 2019، نجد أن التوقعات فشلت، لأن تطبيق قانون منظمة الملاحة البحرية 2020 القاضي بأن تستخدم السفن وقوداً منخفض الكبريت أدى إلى توافر وقود عالي الكبريت بأسعار رخيصة جداً، ونتج عن ذلك استيراد المصافي الأميركية له بدلاً من إنتاجه بسبب رخص أسعاره. ونتج عن ذلك انخفاض نسبة تشغيل المصافي، ومن ثم انخفاض طلبها للنفط الخام، ومن ثم عدم ارتفاع الأسعار كما كان متوقعاً.

ونتج عن الخلاف الصيني الأسترالي انخفاض واردات الفحم من الصين وزيادتها بشكل كبير من الولايات المتحدة. وبما أن الفحم الأميركي ينقل بالقطارات إلى المواني، فإن زيادة الطلب على الفحم الأميركي زادت الطلب على القطارات والديزل، الأمر الذي أوحى للبعض أن الزيادة بسبب انحسار كورونا، ولكن الحقيقة غير ذلك: لا علاقة لها بكورونا، ومن ثم فإن انحسار كورونا سيرفع الطلب على الديزل بشكل أكبر لاحقاً. الفكرة نفسها تنطبق على السفن، لأن الرحلة من الشواطئ الأميركية الشرقية إلى الصين أبعد من الرحلة من أستراليا إلى الصين.

ونتج عن عملية قرصنة مجموعة أنابيب “كولونيال” للمنتجات النفطية وقف الضخ في الأنابيب، الأمر الذي نتج عنه انخفاض نسبة تشغيل المصافي الأميركية، وزيادة الطلب على واردات المنتجات النفطية. النتيجة النهائية كانت ارتفاع مخزون النفط الخام الأميركي وانخفاضه في أوروبا وغيرها، ما أوحى للبعض أن هناك زيادة في الطلب نتيجة انحسار كورونا مع أن حصيلة الأمر هي تغطية جانب من السوق جانباً آخر، ففشلت التوقعات.

وتبع ذلك تضاؤل الفروقات السعرية بين خامي “برنت” و”غرب تكساس”، الذي يعني ارتفاع أسعار النفط في الولايات المتحدة بشكل أكبر من المناطق الأخرى في العالم. هذا التضاؤل أدى إلى انخفاض صادرات النفط الأميركية واستيراد المصافي المنتجات النفطية لأنها أرخص من تكريرها، فنتج عن ذلك ارتفاع مخزون النفط الأميركي بشكل مفاجئ ومخالف للتوقعات، الذي أسهم بدوره في تخفيض أسعار النفط في الأسابيع الأخيرة.

وأسهم استخدام الصين احتياطها الاستراتيجي في فشل التوقعات أيضاً (كنت من الناس القلائل الذين حذروا من هذا الأمر في العام الماضي)، حيث إن كل من توقع وصول النفط إلى 80 و100 دولار في صيف هذا العام لم يكن يعرف أن الصين ستقوم بذلك.

وعلينا هنا أن لا ننسى عمليات الخداع السياسي التي يمكن أن تقلب التوقعات رأساً على عقب. وأقرب مثال على ذلك، إعادة ترمب فرض عقوبات على إيران في الربع الرابع من 2018، وطلبه من بعض دول “أوبك” زيادة الإنتاج، بعدها أعطى ثماني دول استثناءات من العقوبات وانخفضت الأسعار بشكل كبير.

خلاصة الأمر أن هناك توقعات لا يؤخذ بها أصلاً، وهناك توقعات يؤخذ بها ولكنها تعاني مشاكل تقنية، وهناك توقعات مستقلة أدق وأفضل، ولكنها مكلفة. ولكن حتى هذه التوقعات المكلفة لا يمكنها التنبؤ بالعوامل السياسية.

شاهد أيضاً

إنصاف «الأونروا»

بقلم: وليد عثمان – صحيفة الخليج الشرق اليوم- لم تكن براءة وكالة الأمم المتحدة لغوث …