الرئيسية / مقالات رأي / أفغانستان: الانسحاب الأحمق!

أفغانستان: الانسحاب الأحمق!

بقلم: علي حمادة – النهار العربي

الشرق اليوم – بهذه الكلمات القاسية وصف رئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير، طريقة الانسحاب الأميركية التي قررها الرئيس جو بايدن، فضلا عن إدارته بنتائجها الكارثية. أهمية كلام بلير تنبع من كونه كان يشغل منصب رئيس الوزراء في العام 2001 عندما قررت الولايات المتحدة القيام بحملة عسكرية على أفغانستان التي كانت ترزح تحت سيطرة حركة “طالبان ” ردا على هجمات نيويورك و واشنطن (9-11) التي نفذها تنظيم “القاعدة” بقيادة أسامة بن لادن الذي كان يتخذ من أفغانستان مقرا له بحماية “طالبان”. يومها كانت بريطانيا أول المنضمين إلى تحالف دولي قادته أميركا، و اتخذت حكومة بلير القرار من دون تردد بوصف بريطانيا الحليف الأقوى والأقرب للولايات المتحدة.
في هجومه القاسي يوم السبت الماضي الذي أصاب الرئيس الأميركي جو بايدن بشكل غير مباشر عبر بيان مسهب، كان طوني بلير يتقاطع مع حملة انتقادات واسعة وجهت الى الرئيس وإدارته، بسبب القرار غير المدروس، وقلة التخطيط، وسوء ادارة الانسحاب وعمليات الإنقاذ الحالية. وقد حملت الانتقادات التي خرجت من العديد من مواقع القرار في دول حليفة للولايات المتحدة مثل بريطانيا، وألمانيا وفرنسا تشكيكاً كبيراً في صدقية الولايات المتحدة كحليف يمكن الوثوق به في الأزمات. طوني بلير لم يكن الوحيد الذي قال كلاما قاسيا، بل نقل حسب صحيفة “التايمز” اللندنية عن رئيس الوزراء البريطاني الحالي بوريس جونسون استعادته لوصف استخدمه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لمهاجمة خلفه بايدن خلال حملة الانتخابات الرئاسية حيث أطلق عليه تسمية “جو المتثائب” أو “جو النعسان”. و قد حفل الاعلام الغربي بشكل عام بمشاعر الغضب مما حصل ويحصل في كابول، وطريقة إدارة الرئيس جو بايدن السيئة لقرار يتفق المراقبون على أنه يحظى بحسب استطلاعات الرأي بتأييد غالبية الاميركيين، لكن قلة الكفاءة التي ظهرت من خلال إدارة الانسحاب التنفيذية حولت الأنظار عن هذا التأييد.
فالأميركيون أيدوا الانسحاب وإنهاء آخر الحروب وأطولها في تاريخ الولايات المتحدة، لكنهم لا يمكنهم القبول بما يحصل، لا سيما الفوضى العارمة التي خلفها سوء التدبير من قبل الرئيس بايدن، وبقاء آلاف الأميركيين والمتعاونين الأفغان عالقين في كابول، حيث لا يمكنهم الوصول إلى مطار حميد كرزاي الدولي لتتم عملية الإجلاء. هذا ناهيك عن مئات آخرين منتشرين في مناطق عدة عبر أفغانستان لا إمكانية لديهم حتى في الوصول الى كابول نفسها، وهم في خطر كبير .
لقد شكلت مشاهد الهلع الجماعي، والهروب الفوضوي من كابول إلى المطار الدولي، إضافة إلى مشاهد تعلق مواطنين أفغان بعجلات الطائرات العسكرية الأميركية وهي تقلع مناسبة لكي يجمع الإعلام في العالم الغربي، و حتى الأميركي على أن الرئيس جو بايدن أخفق إخفاقاً كبيرا مع إدارته في قيادة استحقاق بهذه الخطورة. كما أنه ألقت بظلالها على النظرة إلى كفاءة الرئيس نفسه، الذي بدا وكأن الأحداث تجاوزته. وللتذكير فإن إحدى نقاط القوة التي اعتمد عليها المرشح جو بايدن في حملته ضد دونالد ترامب، كانت صورته كمرشح كفوء، صاحب خبرة طويلة في السياسة الخارجية، ويملك حس التعاطف مع القضايا الإنسانية. هذه الصورة تضررت كثيراً، كونه غلّب توقه لإنهاء الحرب والخروج من أفغانستان على واجبه في حسن التخطيط والتنفيذ، والانتباه الكافي إلى سلامة المواطنين الاميركيين، وإنقاذ الأفغان الذين عملوا مع القوات الأميركية على مدى عقدين من الزمن، وحياتهم في خطر مؤكد بعد سيطرة حركة “طالبان ” .
ليس البريطانيون وحدهم من ينتقدون إدارة الرئيس بايدن، بل إن مسؤولين كباراً من محيط المستشارة انغيلا ميركل، مثل رئيس “الحزب الديموقراطي المسيحي” الذي تنتمي إليه والمرشح لخلافتها بعد أقل من شهر آرمين لاشيت، يصف ما حصل بـ”أكبر كارثة تحل بحلف “الناتو” منذ ولادته”. وفي وقت يتحاشى القادة الغربيون توجيه انتقادات مباشرة للرئيس الأميركي وإدارته، ثمة انتقادات قاسية تخرج عن محيط هؤلاء القادة بحق بايدن وإدارته، كلها تتمحور حول مدى صدقية التحالف مع الأميركيين، وكفاءة الرئيس وإدارته لقرار الانسحاب وتنفيذه على الأرض، فضلا عن غياب التشاور والتنسيق مع الحلفاء الذين انخرطوا في حرب أميركا في أفغانستان.
في الولايات المتحدة لم يحصل أن تعرض بايدن لحملة تشكيك بكفاءته، وحسن إدارته لقرار استراتيجي كبير كما يحصل اليوم. فالإعلام الأميركي بفروعه كافة من قنوات تلفزة وصحف كبرى والذي أسهم قبل بضعة أشهر في انتصار بايدن على ترامب حافل بانتقادات واسعة لبايدن والإدارة، بل إن الانتقادات بدأت تتضمن و لو عرضاً تشكيكا بقدرات الرئيس وكفاءته كرئيس للدولة الأقوى في العالم. و قد كانت إطلالة الرئيس بايدن الإعلامية الأخيرة يوم الجمعة مناسبة انهالت فيها انتقادات، بعضها كما جاء في مقال كتبته الصحافية ليندا كيو في “النيويورك تايمز” يوم السبت فند مغالطات جوهرية جاءت في كلام بايدن خلال اطلالته يوم الجمعة، و يستنتج منها أنه إما أنه حاول حرف الحقائق، أو أنه لم يتابع بجدية التقارير التي رفعتها مختلف الوكالات الأميركية التابعة للإدارة، فعكس صورة ضعيفة و غير متماسكة لـ”القائد الأعلى”.
صحيح أن الرئيس الأميركي اتخذ قراراً يحظى بشعبية في الداخل الأميركي. وصحيح أن محيط الرئيس يعتمد على مرور الوقت وتلاشي أخبار أفغانستان ومشاهدها من وسائل الإعلام، لكي ينتقل الأميركيون إلى موضوع آخر، لكن الخوف في ظل الفوضى الحاصلة على الأرض في أفغانستان أن تطول الأمور اكثر، أو تطرأ مفاجأة دراماتيكية، مثل أن يسقط ضحايا اميركيون، أو أن يتم احتجاز أو اختطاف البعض منهم فيتحول القرار الصائب الذي نفذ بقلة كفاءة و فوضوية، وضعف إلى مقتل لولاية الرئيس بعد أقل من تسعة أشهر على وصوله إلى البيت الأبيض. والتاريخ يذكر ما حصل مع الرئيس الأسبق جيمي كارتر في قضية احتجاز رهائن السفارة الأميركية في طهران سنة 1979. ويقول وزير الدفاع الأسبق ليون بانيتا الذي خدم خلال ولاية الرئيس الأسبق باراك أوباما وجو بايدن (نائب الرئيس ) إن الرئاسة التي تخسر صورة الإدارة الكفوءة تصبح في خطر كبير. فهل يتمكن الرئيس بايدن من الإفلات من فخ الانسحاب من أفغانستان؟ المسألة غير مضمونة على الإطلاق.

شاهد أيضاً

“وستڤاليا” معاهدة أنهت الحروب الدينيّة، ولكن..

بقلم: حسن إسميك- النهار العربيالشرق اليوم– بدأتُ هذه السلسلة تحت عنوان عريض هو “هل تجاوزت …