الرئيسية / مقالات رأي / لبنان والمجتمع الدولي واللعب بالنار

لبنان والمجتمع الدولي واللعب بالنار

بقلم: سناء الجاك – سكاي نيوز

الشرق اليوم- “كل يوم يمر بلا تشكيل حكومة تتمتع بقدرة على تنفيذ الإصلاحات ينزلق فيه الوضع إلى كارثة إنسانية”، تقول السفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا من قصر رئاسة الجمهورية في بعبدا، بعد زيارتها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي.

وتضيف إن دولتها “رحبت بالعقوبات التي أقرها الاتحاد الأوروبي.. وسنواصل العمل مع شركائنا لتعزيز المساءلة والإصلاح في لبنان وسنواصل التنسيق مع شركائنا بشأن التدابير اللازمة.. والإصلاح لا يحصل من دون حكومة”.

بالطبع، تعرف سعادة السفيرة أن لبنان يلعب بالنار، بالمعنى الحرفي للكلمة كما بالمعنى المجازي.. يحترق ويحرق أولاده فيتفحمون.. كأنه مكتوب عليه أن ينتحر بعدما فشل في البقاء دولة.. أو بدقة أكثر بعدما فرض من يلعب بمصيره بأنه لن يكون بعد اليوم دولة.

وتعرف سعادتها أن قمة الإجرام يعكسه إمعان هذه المنظومة المتسلطة على رقاب اللبنانيين ومن يديرها في إحراق ما تبقى من حياة أو أمل بالحياة قدر ما تتطلب مصالحها الخاصة وصولا إلى خط النار، ومن ثم التوقف للتراجع عندما تتأمن هذه المصالح.

لكن المفارقة يعكسها تقاطع تصريح سعادة السفيرة مع كلام الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله، أمس الأحد، الذي اعتبر أن “حادثة عكار تشكل عاملاً حاسماً في الضغط على المعنيين من أجل تشكيل الحكومة خلال أيام، لأن البلد ما عاد يحتمل. فأي تأخير له صلة بالعناد والحصص والمصالح الشخصية أو الحزبية”.

ليحذّر: “نقول اليوم كفى، شكلوا حكومة بأي ثمن، لأن ماء وجه الجميع مرتبط بتشكيل حكومة وعلى الجميع التضحية..”

فهذا المفارقة في تقاطع التصريحات بين “المجتمع الدولي” و”المحور الإيراني” بشأن ضرورة تشكيل حكومة، يريح المنظومة التي تلعب بالنار مطمئنة، وكأنها تقرأ في كتاب الحرائق المتنقلة من أفغانستان إلى إيران إلى اليمن والعراق، مرورا بسوريا ووصولا إلى هذه المآسي اللبنانية التي تستجر الحرب وتحضر أدواتها.

فالمجتمع الدولي لا يصعب عليه اكتشاف أن كل ما يجري يؤكد أن الظروف مماثلة لما كان يجري خلال الحرب في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، وإن غابت المعارك والجولات والقصف والقنص. ألا أن العدة ومسلتزماتها حاضرة. يسيطر عليها ويفتعلها ويروج لها ويستفيد منها أصحاب الحظوة من ميليشيات الأمر الواقع الذين لا يزالون ممسكين بزمام السلطة بعدما حصدوا خيرات مرحلة التقاتل الأهلي، ومن ثم خيرات مرحلة الاستقرار بعد اتفاق الوفاق الوطني في الطائف، وانضم إليهم أثرياء الفساد، الذين لم يجدوا لهم دورا وحيزا في المراحل السابقة، فسارعوا إلى الالتحاق بركب الزمن الميليشيوي الحالي بعد انهيار الدولة بإداراتها ومؤسساتها ليعيدوا التاريخ إلى الوراء وينتقموا من الشعب فيحرقوه لعجزهم عن الانتقام ممن استثنائهم في الماضي من غنيمة الحرب في زمن السلم.

والفظاعة التي لا يحاسب عليها المجتمع الدولي تكمن في أن ارتكابات المنظومة بكل من فيها ومن يديرها أكثر من مفضوحة. لا لزوم لانتظار كفاية الأدلة. الأدلة متراكمة.

لكن أركان المنظومة لا يكترثون. ما يحصل ليس مهماً الا بقدر ما يمكن أن يطالهم، مهما صالوا وجالوا وعبثوا بساحات جرائمهم المتواصلة.

هم ينفذون السياسة في إطار الـ”Business” والأفضل أن تبقى الأمور وفق معادلة “Business Is Business”.

وهم مطمئنون إلى أن بقاءهم هو بقبول من هذا المجتمع الدولي، الحاضر ليؤنبهم ويلوِّح لهم بعقوبات لا ينفذها، ويطالبهم بالإسراع في تشكيل حكومة.

ويباهى بأنه يقدم المساعدات إلى اللبنانيين. لذا لا لزوم ليسارع هؤلاء اللبنانيين إلى الغضب والثورة أو للاعتراض. ولا طائل من الاعتراض.

بكبسة زر يظهر وضوح تقاطع المصالح على حساب الناس الأبرياء وحقوقهم. ويرتاح أركان المنظومة إلى إدائهم المثمر مزيدا من السلطة والنفوذ والمغانم حتى تاريخه.

ولم لا يرتاحون؟ ما دامت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي يعتبرون أن “لبنان يحتاج إلى قادته لاتخاذ إجراءات إنقاذ عاجلة، وهذا لا يمكن أن يحدث دون حكومة ذات صلاحيات تركز على الإصلاح وتبدأ في تلبية احتياجات الشعب وتباشر العمل الجاد من أجل التعافي الاقتصادي”.

وكأن المجتمع الدولي أعمى أو مصاب بعسر فهم مزمن.. أو أنه هو من يريد لهؤلاء “القادة” الذين دمروا البلد ويوصلون اللعب بالنار أن يستمروا ليصلحوا ما أفسدوه.

وعلى الشعب المنكوب أن يصدق ويسلِّم بأن هؤلاء “القادة” يملكون عصا سحرية لمعالجة تداعيات كل هذه المآسي التي تطيح بمرافق الحياة في لبنان وترميه الى عتمة لا تكسرها الا النار.. أو عليه أن يفهم بأن “الله لا يغيِّر بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم”.. بالتالي، عليهم ومن خلال صناديق الاقتراع بعد أشهر أن يقنعوا المجتمع الدولي أن أركان المنظومة ليسوا قادتهم.. حينها لعل وعسى.

شاهد أيضاً

إيران وإسرائيل… الحرب والحديث المرجّم

بقلم عبد الله العتيبي – صحيفة الشرق الأوسط الشرق اليوم- ضعف أميركا – سياسياً لا …