الرئيسية / مقالات رأي / المدلسون وعوامل سقوط الدول

المدلسون وعوامل سقوط الدول

بقلم: وليد فكري – سكاي نيوز

الشرق اليوم- كثيرا ما أجدني أضرب كفًا بكف عندما أطالع منهج المشتغلين بالتاريخ من الإخوان في استنانهم تلك السُنّة البغيضة أن يُفسر المسلمون أحداثًا تاريخية مؤسفة، كالفتن وسقوط بعض الدول في التاريخ الإسلامي، لأطراف خارجية يجعلون منها “شماعة” يعلقون عليها أسباب الفشل والسيئ من الأمور.

ففي فكر هؤلاء يوجد دائمًا ذلك “المتآمر” الذي نحمله وزر كل مصيبة من ألفها إلى يائها… وله مواصفات ثابتة فهو دائمًا “غير مسلم” أو هو “مسلم لكن على مذهب لا يرضى عنه رواة الواقعة”.. فالفتنة الكبرى التي رفع فيها الصحابة سيوفهم على بعضهم بعضًا سببها “يهودي مدعٍ للإسلام” هو عبد الله بن سبأ، وسقوط الخلافة العباسية في بغداد على أيدي المغول سببه خيانة وزير شيعي هو ابن العلقمي، ودخول المغول دمشق سببه “خيانة نصارى المدينة لأهلها” (هؤلاء القوم لا يستخدمون كلمة “مسيحي”)، وسقوط الدولة العثمانية سببه “مؤامرات يهود الدونمة”.. إلخ.. وليذهب التحليل العلمي التاريخي للوقائع إلى حيث ألقت!

إن تساءل القارئ العزيز عن غرضهم من ذلك أقول له: إن وراء هذا المنهج في قراءة التاريخ غرض شديد الخبث، فالإخوان يقدمون أنفسهم أنهم “الجماعة الربانية التي ستعيد منهج الصحابة وتبعث الخلافة وتعيد إحياء الحضارة الإسلامية من جديد” أي أنهم “امتداد لتجارب الصحابة والتجارب الحضارية الإسلامية القديمة.

ولأن تاريخ تلك الجماعة يمتلئ بالخيبات الثقيلة فلا بد لهم دائمًا من استحضار مبررات “خارجية عنهم” لتلك الخيبات… بالتالي فإن من الضروري قيامهم بـ”تأهيل العقول المستهدفة بالتجنيد والتطويع” لفكرة أن تلك الخيبات ما هي إلا نتيجة “تآمر الحاقدين على الإسلام والمسلمين” باعتبار أنهم وكلاء الإسلام في الأرض!!

بناء على ما تقدم -ما زلنا مع النمط الإخواني في تبرير السقوط والفشل- فإن تعرُض جماعتهم للمحاكمة وإعدام بعض قياداتها كالمتطرف سيد قطب لم يكن بسبب تآمر الجماعة على أمن مصر بل لأن “جمال عبد الناصر كان شيوعيًا عميلًا للسوفيات الكفرة فكان يحارب الإسلام”، وثورة المصريين ضدهم في 30 يونيو 2013 كان بسبب “تآمر السيسي عدو الله (راجع صفحة الإخواني محمد إلهامي) وتعاون التيارات العلمانية والصليبية معه”، وفشل تسلطهم على الحكم في تونس الشقيقة مؤخرًا هو “مؤامرة علمانية على الحكم الإسلامي”.. وهكذا… ولا بأس من إضافة بعض “مكسبات الطعم” من نوعية أن “أم هذا الرئيس أو ذاك يهودية” أو أن “الماسونية العالمية تدفع المليارات لمحاربة الدين” إلى آخر هذا الهراء!

وإنني أحيل القارئ إلى مقدمة كتاب العلّامة ابن خلدون “العِبَر وديوان المبتدأ والخبر” والمعروف بـ”مقدمة ابن خلدون” في سياق حديثه عن فضل علم التاريخ، فإن القامة والقيمة عبد الرحمن بن خلدون يقول في شأن ذلك ما معناه أن التاريخ هو علم نفيس الغرض منه تحليل الأحداث وفهمها للخروج بقوانين تجعلنا نفهم طبائع المجتمعات والدول وعوامل ولادتها ونضجها ثم ضعفها وأخيرًا سقوطها، لأجل أن نفهم حاضرنا وأن نستقرئ مستقبلنا.

ذلك التعريف الناضج من ابن خلدون لعلم التاريخ يجعلنا ندرك أن عوامل نهوض وسقوط الدول ونجاح وفشل التجارب هي أكبر من مجرد فكرة “نحن طيبون ولكننا تعرضنا للخيانة والتآمر من الأشرار” التي يحاول الإخوان نشرها وإفساد علم كامل ببثها في أذهان ضعاف التفكير لأجل إكساب جماعتهم “حصانة” من المسؤولية عن فشلها المستمر.

فالعلم والمنطق يقولان إننا عندما نقرأ تاريخ دولة، أية دولة، فإننا نقسم عوامل النهوض والسقوط إلى: عوامل داخلية سلبية وإيجابية تتعلق بهذه الدولة ونظامها وخططها وسياسات حكمها، وعوامل خارجية سلبية وإيجابية تتعلق بعلاقات تلك الدولة بمحيطها وبالعالم كله وكذلك آثار بعض المتغيرات العالمية عليها.. ومن هذا المنطلق يمكننا أن نفهم كيف قامت هذه الدولة أو تلك ثم نهضت وكيف ضعفت ثم سقطت.

ينطبق هذا على كل الدول عبر أي مرحلة تاريخية وأيًا كانت ثقافة أو دين أو عرق تلك الدولة.

أما ما يقوم به “تجار التاريخ” من الإخوان فهو إفساد علم التاريخ بأكمله فقط ليخدموا غرضًا خبيثًا لجماعتهم!

وقد يخطئ البعض فيحسب متسرعًا أني أنفي تمامًا فكرة وجود “الخائن” أو “المتآمر الداخلي على الدولة” من أسباب سقوط الدول والأنظمة وعوامل اشتعال الفتن الداخلية.. كلا أنا لا أنفي تمامًا احتمال وجوده في التجارب والحالات التاريخية المتنوعة، والمفارقة الطريفة هنا هي أن مجرد وجود جماعة الإخوان الإرهابية هو دليل على وجود هذا الخائن وذلك المتآمر فهي نفسها جماعة خائنة ومتآمرة، ولكنني أنفي اختصار عوامل سقوط بعض دول المسلمين أو اندلاع الفتن فيها في شخص ذلك الخائن، وأرفض إغفال كل العوامل الداخلية والخارجية لصالح تضخيم دوره بل وربما اختلاق وجوده من الأساس بما يخدم الغرض الإخواني سالف الذكر.

إن تجار التاريخ من الإخوان كثيرًا ما يستخدمون تهمة “التدليس” ضد من يقدمون قراءة مغايرة لقراءتهم للتاريخ، ولكنهم في حقيقة الأمر هم المدلسون الحقيقيون الذين لا يتورعون عن إفساد علم من أنفس علوم الحضارة الإنسانية فقط لخدمة جماعة عمرها من الزمن أقل من 100 عام من عمر الإنسان!

وللحديث بقية

شاهد أيضاً

أيهما أخطر؟

بقلم: محمد الرميحي – النهار العربي الشرق اليوم- جاء الزمن الصعب لنسأل أنفسنا: أيهما الأكثر …