الرئيسية / دراسات وتقارير / تحليل: غياب المحكمة الدستورية بتونس.. تداعيات سياسية واقتصادية

تحليل: غياب المحكمة الدستورية بتونس.. تداعيات سياسية واقتصادية

الشرق اليوم- منذ أن أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد، قراراته الاستثنائية، يتصاعد جدل حول دستوريتها، خاصة في ظل غياب المحكمة الدستورية، بسبب فشل مكونات المشهد السياسي في تشكيلها، بالرغم من محاولات عديدة.

وفي 25 يوليو/ تموز الماضي، أعلن سعيد إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، على أن يتولى هو السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة يعين رئيسها، وتجميد اختصاصات البرلمان لمدة 30 يوما، ورفع الحصانة عن النواب، وترؤسه النيابة العامة، ولاحقا أصدر أوامر رئاسية بإقالات وتعيينات.

وكان من المفترض تشكيل المحكمة الدستورية بعد عام واحد من الانتخابات التشريعية في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، ولو كانت موجودة لساعدت في حلحلة الوضع السياسي، الذي يشهد صراعا حادا بين مكوناته المختلفة، باعتبارها ستكون الفيصل في دستورية قرارات سعيد من عدمها.

والمحكمة الدستورية، هيئة قضائية صدر قانونها الأساسي عام 2015، وتضم 12 عضوا، 4 منهم ينتخبهم البرلمان، و4 يختارهم “المجلس الأعلى للقضاء” (مؤسسة دستورية مستقلة)، و4 يعيّنهم رئيس الجمهورية.

وتراقب المحكمة مشاريع تعديل الدستور، والمعاهدات ومشاريع القوانين، والقوانين، والنظام الداخلي للبرلمان، وتبت في استمرار حالات الطوارئ، والنزاعات المتعلقة باختصاصي الرئاسة والحكومة.

تعطيل تشكيل المحكمة

ونتيجة لعدم التوافق بين الكتل البرلمانية، تعطل تشكيل المحكمة الدستورية، بالرغم من محاولات عديدة لعقد جلسات تصويت في البرلمان، حيث عقد 8 جلسات عامة.

وصدّق البرلمان، في 25 مارس/ آذار الماضي، على تعديلات لقانون المحكمة الدستورية، ومن أبرزها تخفيض الأغلبية المطلوبة لانتخاب أعضائها الأربعة من 145 إلى 131 نائبا.

ولكن بالرغم من هذا التعديل، رفض سعيد القانون، في 4 أبريل/ نيسان الماضي. ولا يدخل أي قانون في تونس حيّز التنفيذ إلا بعد تصديق الرئيس، وفي حال تعذر ذلك، يتم العمل بالقانون قبل التعديل.

وأرجع سعيد رفضه إلى الفقرة الخامسة من الفصل 148 بالدستور، التي تنص على اختيار أعضاء المحكمة في أجل أقصاه سنة بعد انتخابات 2019، داعيا إلى “احترام كل أحكام الدستور فيما يتعلق بالآجال الدستورية لانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية”.

وأمام هذا الرفض، قرر البرلمان تعديل القانون للمرة الثانية، بداية مايو/ أيار الماضي.

وحافظ البرلمان على التعديلات نفسها، وهي تجيز للمجلس الأعلى للقضاء ورئاسة الجمهورية اختيار 8 من أعضاء المحكمة الدستورية، من دون انتظار استكمال البرلمان لانتخاب 3 أعضاء من أصل 4 ينتخبهم.

كما حافظ البرلمان على إمكانية أن ينتخب بقية أعضاء المحكمة بأغلبية 131 نائبا بدلا عن 145، لتسهيل عملية تشكيلها.

وفي 8 مايو الماضي، قدمت الكتلة الديمقراطية في البرلمان (38 نائبا من 217) طعنا في دستورية مشروع تعديل القانون إلى “الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين”، بعد إجازته من جانب البرلمان، ولكن تم رد الطعن لعدم توافر “الأغلبية المطلوبة” لاتخاذ قرار بشأنه.

وحسب رد الهيئة الوقتية، فإن “الأغلبية المطلوبة لم تكن متوافرة للفصل في مشروع تعديل القانون، إذ يلزم الحصول على أغلبية أعضاء الهيئة البالغ عددهم 6، ما استدعى الرد إلى الرئيس قيس سعيد وفقا لقانون الهيئة”.

وأعلنت حركة “النهضة”، صاحبة أكبر كتلة برلمانية بـ53 نائبا من أصل 217، عبر بيان في 17 يونيو/ حزيران الماضي، تمسكها بتصديق سعيد على قانون المحكمة الدستورية المعدل، المصدّق عليه من البرلمان بالأغلبية.

ودعت الحركة إلى “توفير كل شروط إرساء المحكمة الدستورية، لاستكمال أسس النظام السياسي والبناء الديمقراطي”.

 مسؤولية من؟

وفي الوضع السياسي الهش الذي تعيشه تونس حاليا، بدأ كل طرف سياسي يُحمّل الآخر مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، خاصة فيما يتعلق بتعطيل تشكيل المحكمة الدستورية، التي كانت ستكون قراراتها حاسمة في هذه الفترة.

فلو وجدت محكمة دستورية لتقدمت الأحزاب والأطراف الرافضة لقرارات سعيد بطعون لديها، وسيكون قرارها الفيصل.

ويقول سعيد: إن ما حدث “ليس انقلابا”، وإنه اتخذ قراراته الاستثنائية استنادا إلى الفصل 80 من الدستور، وبهدف “إنقاذ الدولة التونسية”.

واتخذ هذه القرارات في يوم شهدت فيه محافظات عديدة احتجاجات شعبية طالبت بإسقاط المنظومة الحاكمة بكاملها واتهمت المعارضة بالفشل، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية (جائحة كورونا).

لكن غالبية الأحزاب رفضت تلك القرارات، واعتبرها البعض “انقلابا على الدستور”، بينما أيدتها أخرى رأت فيها “تصحيحا للمسار”.

ويعتبر محللون أن سعيد كان سببا في تعطيل تشكيل المحكمة، برفضه التصديق على المشروع الذي تقدم به البرلمان، مستندا في ذلك إلى تجاوز الآجال الدستورية، بينما هي لا تسقط الحق في تأسيسها، على حد تقديرهم.

بينما تُحمل أطراف أخرى حركة “النهضة” والائتلاف الحاكم مسؤولية هذا التعطيل، باعتبار أنه كان من المفروض تشكيل المحكمة منذ فترة، ولكن الخلافات داخل البرلمان والاختلاف حول الشخصيات المقترحة للانتخاب حالت دون ذلك.

تداعيات اقتصادية

وغياب المحكمة الدستورية ليس له تداعيات على الشأن السياسي فقط، بل أيضا على الوضع الاقتصادي، خاصة علاقات تونس المالية الخارجية وعلاقاتها مع مؤسسات الترقيم السيادي (الائتماني).

واعتبرت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني أن “غياب محكمة دستورية سيساهم في تمديد الأزمة التي تمر بها تونس حاليا، مما قد يؤدي إلى تباطؤ نسق تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، وبالتالي المفاوضات مع صندوق النقد الدولي”.

ومعلقة على قرارات سعيد الاستثنائية، قالت الوكالة إن “امتداد الأزمة السياسية من شأنه أن يزيد في إرباك المفاوضات مع صندوق النقد الدولي حول برنامج التمويل الجديد متعدد السنوات، والتي توقفت بالفعل بسبب الخلافات القائمة مع الحكومة”.

كما رأت وكالة “فيتش” أن قرارات سعيد قد تقلل من استعداد الشركاء الغربيين لدعم تونس، وتضيف مزيدا من التأخير في برنامج صندوق النقد الدولي.

وتابعت أن “التحالف الهش في البرلمان، والتوترات بين القادة السياسيين الرئيسيين، والمعارضة الاجتماعية، بما في ذلك معارضة الحركة النقابية العمالية، لتدابير الضبط المالي الكبيرة، أدت إلى تعقيد الجهود المبذولة لتأمين ضبط أوضاع المالية العامة ودعم صندوق النقد الدولي”.

المصدر: الأناضول

شاهد أيضاً

“يديعوت أحرونوت”: توازن رعب جديد بين إيران وإسرائيل

بقلم: يوسي يهوشواع الشرق اليوم- إنه لسنوات عديدة لم تهاجم إيران إسرائيل بشكل مباشر، ومنذ …