الرئيسية / مقالات رأي / انتخابات ليبيا وأوهام المجتمع الدولي

انتخابات ليبيا وأوهام المجتمع الدولي

بقلم: الحبيب الأسود – العرب اللندنية

الشرق اليوم- بعد الإعلان عن فشل لجنة التوافقات سيكون من الصعب تصور الانتهاء في الاجتماع القادم لملتقى الحوار السياسي الليبي من تحديد القاعدة الدستورية التي سيتم اعتمادها لتنظيم الانتخابات العامة في ليبيا في موعدها المحدد للرابع والعشرين من ديسمبر القادم. وقد يكون على بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أن تستعد للإعلان عن فشل جديد كالذي أعلنت عنه في الثالث من يوليو الماضي بعد اجتماعات جنيف.

لأشهر متتالية، كانت هناك وعود بأن يتزامن الأول من يوليو مع الانتهاء من تحديد القاعدة الدستورية وفسح المجال أمام المفوضية الوطنية العليا المستقلة للانتخابات للانطلاق في التنفيذ العملي لروزنامة الاستحقاق. ولكن حلّ الموعد ولم يتحقق الهدف، فتم ترحيل الموعد الجديد إلى الأول من أغسطس. وها هو الرهان يتحول إلى الأول من سبتمبر، وسيكون من الصعب التوصل إلى اتفاق داخل ملتقى الحوار الذي أصبح بدوره أداة عرقلة لأهداف الأمم المتحدة وتطلعات المجتمع الدولي، وقبل ذلك لطموحات الشعب الليبي الذي لا يزال ينتظر تحقيق معجزة على أيدي مجلس رئاسي وحكومة مسقطين من لجنة الحوار غير المنتخبة.

ما يلفت الانتباه، أن كل الأطراف الليبية قادرة على مسايرة المجتمع الدولي والبعثة الأممية بالوعود والتصريحات المنمقة، ولكن لا شيء يتحقق على أرض الواقع. ربما باستثناء منجزات اللجنة المشتركة 5+5 التي تنطلق بطبعها من روح الانضباط العسكري ومن حس وطني جعل من أعضائها فريقا واحدا يحمل نفس المبادئ والتوجهات والأهداف.

المشكلة الحقيقية التي تواجهها ليبيا، أن هناك صراع إرادات وحسابات ومصالح، وأن ميليشيات ليبيا لا تختلف عن ميليشيات العراق في رغبتها المطلقة في الاستحواذ على الدولة ومقدراتها وفي رفضها لكل ما قد يؤدي إلى عودة الدولة إلى قوتها وسيادتها ونفوذها وشرعيتها التي تجعل منها الجهة الوحيدة التي تحتكر الحق في العنف المادي والاحتكام إلى السلاح.

وميليشيات ليبيا، وإن تعددت مشاربها ومرجعياتها وأهدافها، فإنها تبقى في خدمة من يمنحها الغطاء السياسي ومن يعطيها مجالا للاستمرار في بسط نفوذها، ومن يوفر لها المال أو يفسح لها الطريق للحصول عليه. وحاليا وكما كان خلال السنوات الماضية، ليس هناك أفضل من السلطة المركزية بطرابلس الخاضعة لضغط اللوبيات والتيارات الأيديولوجية والجهوية والمناطقية وكذلك للعبة التوازنات الإقليمية والدولية، ولاسيما أن هناك عواصم عدة تعمل لإبقاء الوضع على ما هو عليه، لتتدخل في الوقت المناسب بعد أن تكون القوى المنافسة قد يئست من إيجاد الحل الملائم.

اليوم هناك رهان واضح على قطع الطريق أمام الانتخابات، وفرض استمرار السلطات الحالية إلى أجل غير مسمى. وهذا ما يطمح إليه الإسلام السياسي الذي يخشى الفشل الذريع في الاستحقاق الانتخابي، ويعلن صراحة أنه لا يقبل بترشح من يعتبرهم مناوئين لمشروعه سواء من قيادة وأنصار الجيش أو من رموز النظام السابق، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالمشير خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي، وهما منافسان جديان على الوصول إلى سدة الرئاسة في حال السماح لهما بالترشح لانتخابات نزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة.

ولذلك، فإن لا أمل في توصل ملتقى الحوار السياسي إلى قاعدة دستورية تسمح لحفتر بالترشح، باعتباره عسكريا مطالبا بالاستقالة أولا من قيادة الجيش، وكذلك باعتباره يحمل جنسية ثانية وهي الجنسية الأميركية، أو لسيف الإسلام القذافي كونه لا يزال ملاحقا من القضاء الدولي وتحديدا من قبل محكمة الجنايات الدولية ولم يحسم القضاء المحلي الموقف النهائي منه، وإن قام فعلا بإلغاء الأحكام السابقة الصادرة في حقه.

ورغم أن مجلس النواب، قرّر تشريع قانون لانتخاب الرئيس، إلا أنه سيصطدم باختلاف القراءات للإعلان الدستوري ولاتفاق الصخيرات الذي لا يطل برأسه، ولاتفاق تونس في نوفمبر القادم، وهو ما يدفع مجلس الدولة الاستشاري الذي فرضه المجتمع الدولي في ديسمبر 2015 بهدف إعادة تدوير الإخوان إلى عرقلة القانون، وإلى العمل من جديد على تقسيم البلاد ولاسيما في ظل عدم التوصل بعد إلى توحيد المؤسسة العسكرية.

علينا ألا أن ننسى أن رئيس مجلس الدولة خالد المشري كان قد هدّد بالعودة إلى الحرب وربما بتقسيم البلاد في حال فوز حفتر أو ابن القذافي، وهو يعبر بذلك عن وجهة نظر الإخوان والميليشيات والزعامات الجهوية والحليف التركي ومن يعتبر نفسه تيار ثورة 17 فبراير الذي لا يمكن بكل المعايير ترجيح فوزه في الانتخابات الرئاسية أو حتى في الانتخابات البرلمانية.

يبقى الوضع ممزقا بين جملة من الخيارات، الأول تنظيم انتخابات بشروط لا يقبلها الجيش ومناصروه في شرق البلاد وجنوبها، وهو ما يعني عودة الانقسام السياسي والحكومي بما قد يمهد لتقسيم البلاد. والثاني تنظيم الانتخابات دون شروط مجحفة، وفي حالة فوز القوى الوطنية وأنصار الجيش والنظام السابق، فإن الميليشيات في غرب البلاد ستدفع من جديد نحو الحرب للانقلاب على إرادة الناخبين. وفي حال عدم التوصل إلى تنظيم الانتخابات في موعدها، فإن الجيش أعلن صراحة أنه سيعود إلى ساحة المعارك ردّا منه على فشل المجتمع الدولي في تحقيق الوعود التي أطلقها بهدف التوصل إلى وقف إطلاق النار بعد حرب طرابلس.

ودون قفز على الواقع، يمكن القول إن فكرة تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية في ظل استمرار انقسام المؤسسة العسكرية وعدم حل الميليشيات والإبقاء على القوات الأجنبية والمرتزقة ومع تواصل الحاجز النفسي والرفض المتبادل وأوهام التمكين الأيديولوجي للإخوان وحلفائهم ونزعات المغالبة الجهوية والمناطقية والقبلية المؤدية إلى إقصاء الآخر، تبدو فكرة بائسة وفاشلة وتكشف عن عجز المجتمع الدولي وبخاصة العواصم الغربية عن فهم الواقع وطبيعة ما يدور على الأرض، بل وعلى عدم الاعتبار من التجارب السابقة، فلا انتخابات أفغانستان حلت الصراع وأنهت التطرف ولا انتخابات العراق قضت على تسلط الميليشيات وأخرجت البلاد من أزمتها المستفحلة.

وفي ذات الوقت، فإن كل تلك المعطيات على الساحة الليبية هي ذاتها التي ستدفع نحو تأجيل الانتخابات، حيث سيكون من الصعب التوصل إلى توافق حول قاعدة دستورية وقانونية ليكون الناخب أمام صندوق الاقتراع في الرابع والعشرين من ديسمبر القادم. فقد مر يوليو وأغسطس وسيمرّ سبتمبر، ويأتي بعده أكتوبر وأوراق البعثة الأممية منثورة على طاولة العابثين بالوقت والمتحايلين على المجتمع الدولي للإبقاء على مصالحهم.


شاهد أيضاً

الخطوط الخلفية في الحرب على غزة

بقلم: جمال الكشكي – صحيفة الشرق الأوسط الشرق اليوم– في تاريخ الحروب كثيراً ما تنشط …