الرئيسية / مقالات رأي / قراءة بإشكالات الهوية الوطنية في تشاد

قراءة بإشكالات الهوية الوطنية في تشاد

بقلم: منصور الحاج – موقع الحرة

الشرق اليوم- ذكرت في مقالي السابق أن هناك جهات تعمل من خلف الكواليس على الترويج لهوية مصطنعة لتشاد، توافق أهواءهم وانتماءاتهم، في وقت نحن في أمس الحاجة فيه إلى مناقشة هذه القضية الحساسة بصورة علنية، والاتفاق في نهاية المطاف على هوية توافقية تعكس تعدد الأعراق والمعتقدات والثقافات والأقاليم في تشاد.

وتستمد قضية الهوية أهميتها من أنها عنصر أساسي في الخطط الإستراتيجية للدول التي تسعى للحفاظ على وحدتها الوطنية ولحماية أمنها القومي، كما تعلمنا تجارب الأمم وأحداث التاريخ.

إن التركيبة القبلية للشعب التشادي، وتعدد الديانات والأعراق واللغات والاختلافات الجغرافية بين الأقاليم فيه، كلها عوامل توفر أرضية خصبة للنزاعات بين المكونات المختلفة، تمنح الأعداء فرصة للتدخل واستغلال الأزمات لزعزعة الاستقرار بتشجيع المظلومين على التمرد أو تقديم الدعم للحركات المسلحة أو إذكاء نار الفتنة بين القبائل المتنازعة، أو تحريض أبناء الأقاليم المهمشة على المطالبة بتقرير المصير، كما حدث في الجارة السودان.

ومن أجل تفادي حدوث هذه السيناريوهات المرعبة، ولقطع الطريق أمام كل الخصوم والأعداء، فإن من الضروري مناقشة موضوع الهوية في العلن، وإتاحة الفرصة لكل الشرائح للمشاركة والتفاعل من أجل تحديد هوية جامعة تدخل فيها جميع مكونات المجتمع وتعكس التعددية الثقافية والدينية والعرقية للشعب التشادي.

ويلاحظ المتابع للتغيرات الديمغرافية التي حدثت خلال العقود التي تلت وصول ديبي إلى السلطة، وما أحدثه من حالة استقرار نسبية، عودة العديد من المهاجرين من ليبيا والسعودية والسودان ونقلهم لعادات وثقافات لم تكن متداولة كثيرا في المجتمع التشادي.

فمن ضمن التغييرات الدخيلة مثلا عادة إحياء مناسبات الزواج بحفلات غنائية على الطريقة السودانية، وتزيين العروسين بأزياء من التراث السوداني، بعد أن كانت العادة الرائجة إقامة هذه المناسبات بحسب العادات والتقاليد القبلية.

كما يلاحظ أيضا تمدد التيارات السلفية المعروفة بالوهابية في البلاد مع تزايد أعداد القادمين، طوعا أو كرها، من دول الخليج وخاصة السعودية وانتشار المساجد والمؤسسات التي تروج لتلك المعتقدات وتوفر الدعم للقائمين على أمر “الدعوة”، الأمر الذي تسبب في العديد من الصدامات بين تيار “أنصار السنة” وأتباع المدرسة التجانية الصوفية التي كانت حتى وقت قريب المذهب السائد في أوساط المسلمين بتشاد.

كما نقل الطلاب الذين تلقوا تعليمهم في دول كالسودان والعراق وسوريا وليبيا الأفكار والأيدولوجيات السائدة هناك كالقومية العربية وفكر تنظيم الإخوان المسلمين نسبة لتأثرهم بالأنظمة السياسية التي كانت قائمة هناك، وانخراط الكثير منهم في التنظيمات الحركية عبر الأنشطة الطلابية في الجامعات.

أدرك تماما أن من الطبيعي أن يتأثر المرء بما حوله من أفكار، فالإنسان ابن البيئة التي يعيش فيها، وأؤمن بأن التعددية الفكرية والثقافية في مجتمع ما أمر صحي يتيح المجال لنشر الوعي وتلاقح الأفكار عبر الحوار، ويعزز مفهوم التسامح ويدفع المجتمعات نحو المزيد من الانفتاح وتقبل الآراء المتخلفة.

وبعيدا عن تلك التفاصيل التي قد نختلف وقد نتفق عليها، فإن الجميع في تشاد، سواء من هم في السلطة، ومن في المعارضة بشقيها المدني والمسلح، بل وحتى عامة الشعب، يدركون اليوم أن البلاد تمر بمرحلة حرجة بعد مقتل الرئيس إدريس ديبي وتكوين مجلس انتقالي عسكري بقيادة نجله محمد ديبي، تتطلب تضافر كل الجهود من أجل الخروج من هذا المأزق والوصول إلى بر الأمان والاستقرار، وهو أمر يصعب تصوره إن تجاهل القائمون على الأمر مطالب الشعب في الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية.

وبالعودة إلى موضوع الهوية الوطنية يجدر القول بأن من أبسط حقوق المواطنة أن يشعر المواطن بأن تراثه وتقاليده ولغته هي جزء من هوية الوطن الذي ينتمي إليه، وأن انتماءه العرقي أو العقائدي أو القبلي أو الثقافي أو المناطقي لن يكون عقبة في طريقه من أجل تحقيق أحلامه في العيش بحرية وبكرامة، وفي أن يتساوى مع غيره في الحقوق والواجبات وفي تمثيل وطنه على أعلى المستويات.

إن قرار محمد ديبي تخصيص وزارة للحوار الوطني قرار حكيم يعكس مدى إدراكه لخطورة المرحلة التي تمر بها البلاد، إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في كيفية إدارة القائمين على هذه الوزارة للحوار، والأهم من ذلك مدى حرصهم على تحقيق مطالب الشعب، وجديتهم في إحداث تغيير حقيقي ينقل البلاد من مصاف الدول الأكثر تخلفا في العالم، ويضعها على المسار الصحيح نحو التقدم والازدهار. 

شاهد أيضاً

“وستڤاليا” معاهدة أنهت الحروب الدينيّة، ولكن..

بقلم: حسن إسميك- النهار العربيالشرق اليوم– بدأتُ هذه السلسلة تحت عنوان عريض هو “هل تجاوزت …