A fence topped with razor wire surrounds the U.S. Capitol after police warned that a militia group might try to attack the Capitol complex in Washington, U.S. March 4, 2021. REUTERS/Jonathan Ernst
الرئيسية / مقالات رأي / نظريات المؤامرة.. وخطرها على الأمريكيين وديمقراطيتهم

نظريات المؤامرة.. وخطرها على الأمريكيين وديمقراطيتهم

بقلم: هشام ملحم – موقع الحرة

الشرق اليوم- تنتشر نظريات المؤامرة عادة في المجتمعات التي تعاني من أزمات حادة، سياسية كانت أم اقتصادية أم اجتماعية، لأن الذين ينجذبون إليها يريدون إجابات قاطعة وواضحة ومطمئنة بشأن قضايا معقدة ورمادية، وتنمو نظريات المؤامرة مثل الطحالب على المخاوف والقلق وانعدام اليقين والعجز.

قبل وسائل الاتصال الاجتماعي، كانت نظريات المؤامرة تنمو وتنتشر في ظلام المجتمعات المغلقة وغير الديمقراطية بسبب غياب المعلومات الموثوقة ووسائل الإعلام الحرة، وفي غياب حريات التعبير والتجمع، مما يرغم المواطن الذي يعيش في هذا الظلام على البحث عن اليقين في نظريات المؤامرة.

وتنتشر نظريات المؤامرة عادة في أوساط ذوي التعليم المحدود، وفي أوساط اليمين السياسي، لكنها قطعا ليست محصورة في هذه الفئات لأن ذوي التعليم المتوسط وحتى الجامعي، وفي أوساط اليسار، يؤمنون أيضا بنظريات المؤامرة، وإن بنسبة أقل، وفقا لاستطلاعات الرأي والدراسات في الولايات المتحدة، وإن كانت نظريات المؤامرة شائعة وراسخة في أوساط اليمين المتطرف، مثلها في أوساط اليسار المتطرف.

خلال السنوات الماضية شهدت الولايات المتحدة أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية أثرت سلبا على حياة الكثير من الأميركيين، من بينها خسارة الوظائف، وانتقالها إلى المجتمعات النامية في سياق العولمة الاقتصادية، واتساع الهوة في معدلات الدخل بين الطبقات الاجتماعية، والتقدم العلمي والتقني الذي ترك وراءه شريحة هامة من الأميركيين، وأزمة مالية-اقتصادية في 2008.

ويمكن أن نضيف إلى تلك القائمة: انتخاب الرئيس باراك أوباما الذي أثار رد فعل سلبيا عميقا لدى الناخبين اليمينيين، وانتخاب الرئيس دونالد ترامب في أجواء مشحونة بالتوتر السياسي والعنصري، وأخيرا الاستقطابات السياسية والثقافية والاجتماعية التي عمقها ترامب بسياساته ومواقف، والاضطرابات الاجتماعية والعنصرية التي شهدتها شوارع وساحات كبريات المدن الأميركية في أعقاب جريمة قتل جورج فلويد.

ما كان ينقص هذه العوامل من التحول إلى بيئة مثالية لنمو وانتشار نظريات المؤامرة، هو جائحة تحصد الملايين في العالم، فقبل أقل من 18 شهرا، جاءت جائحة فيروس كورونا لتقتل أكثر من 600 ألف أميركي، خاصة بعد أن حوّلها الرئيس ترامب وقياديون جمهوريون كثر داخل وخارج واشنطن إلى سلاح سياسي للتغطية على خطر الجائحة، وعلى “شعوذات” الرئيس ترامب الذي اقترح حلولا غير علمية ومؤذية للفيروس، ولإبعاد الأنظار والاهتمام عن إخفاق إدارته في مواجهة الجائحة بالوسائل العلمية.

لنظريات المؤامرة تاريخ طويل في الولايات المتحدة، حيث كانت الأزمات الاقتصادية والسياسية في الماضي أحيانا تفسر من قبل البعض في الأكثرية البروتستانية بتوجيه اللوم إلى الكاثوليك، أو اليهود، أو الحركة الماسونية، ولاحقا الشيوعية.

وحتى الان لا يزال حوالي 10 بالمئة من الأميركيين يرفضون حقيقة أن رائد الفضاء الأميركي نيل أرمستروغ مشى فوق سطح القمر في 1969. ويمكن القول إن نظرية المؤامرة الأكثر شيوعا وشعبية في أوساط الجمهوريين والديمقراطيين هي القائلة بأن لي هارفي أوزوولد لم يكن وحده مسؤولا عن اغتيال الرئيس جون ف. كينيدي في نوفمبر 1963، وإن عملية الاغتيال كانت جراء مؤامرة أوسع، على الرغم من الأدلة الضخمة التي تؤكد أن أوزوولد قتل كينيدي بمفرده.

وهناك أكثرية بسيطة من الأميركيين لا تزال تعتقد أن الحكومة الأميركية لا تزال تخفي معلومات مهمة عن هجمات سبتمبر الإرهابية في 2001.

حلال السنة الماضية انتشرت في المجتمع الأميركي نظريتا مؤامرة هما الأكثر خطرا في تاريخ الولايات المتحدة، جلبتا كوارث سياسية وإنسانية واجتماعية سوف تبقى آثارها مهيمنة على الأميركيين لوقت طويل.

الأولى نظرية المؤامرة، النابعة من “الكذبة الكبرى” التي خلقها وروجها الرئيس السابق ترامب وأنصاره، التي تدعي بأن الانتخابات الرئاسية كانت مزورة.

نظرية المؤامرة هذه، التي تؤمن بها أكثرية الناخبين الجمهوريين، (56 بالمئة، وفقا لآخر استطلاعات الرأي) لم تبطلها أكثر من 60 دعوى رفعها ترامب أو أنصاره، كلها انتهت بالفشل، وكذلك محاولات إعادة فرز الأصوات في بعض الولايات، أو تصديق عدد من المسؤولين الجمهوريين على الانتخابات في أكثر من ولاية.

نظرية المؤامرة هذه هي التي أدت إلى اجتياح مبنى الكابيتول في السادس من يناير الماضي، في أخطر هجوم تعرضت له الديمقراطية الأميركية منذ الحرب الأهلية في منتصف القرن التاسع عشر. والرئيس ترامب لا يزال يواصل بث نظرية المؤامرة السامة هذه، التي ستبدأ لجنة منتقاة من أعضاء مجلس النواب، الثلاثاء، أول تحقيق برلماني فيها.

نظرية المؤامرة هذه تنمو على نظرية مؤامرة أخرى، تنمو وكأنها دعوة دينية متطرفة وحركة سياسية تعرف باسم QAnon التي تدّعي بأن هناك جماعة سرية وشيطانية من مغتصبي الأطفال، وشخصيات ديمقراطية نافذة من بينهم هيلاري كلينتون يسيطرون على العالم، ويستخدمون قدرات “الدولة العميقة” في الولايات المتحدة لإحكام سيطرتهم على البلاد، وأن دونالد ترامب هو القائد الوحيد القادر على التصدي لها. آخر استطلاع للرأي أظهر أن 23 بالمئة من الجمهوريين يصدقون الطروحات الخطيرة لهذه البدعة.

نظرية المؤامرة الثانية، هي التي تشكك بخطر فيروس كورونا، ومصدره وكيفية معالجته، وهنا نتحدث عن نظريات مختلفة متفرعة عن النظرية الأصلية، التي خلقت نظريات وأساطير وأكاذيب لا تحصى، ولا تزال تتفاعل في الوقت الذي يزداد فيه عدد ضحايا الفيروس لأكثر من سبب، من بينها تقليل ترامب لخطر الفيروس، وتردده في مناشدة أنصاره بارتداء الأقنعة الواقية، والأهم من ذلك تلقي اللقاح الضروري للوقاية من الفيروس، وهو الذي تلقى اللقاح، ولكن بعيدا عن الأضواء، بعكس الرئيس بايدن والرؤساء السابقين.

نكران خطر جائحة كورونا، وتسييس التعامل معها ومعالجتها، تسببا في تحول نظرية المؤامرة هذه إلى حركة يمينية متطرفة معادية للعلم وتتجلى بالعداء أو الخوف من اللقاح الذي تلقاه أكثر من 160 مليون مواطن أميركي.

هذه المؤامرة، بأبشع تجلياتها، أي العداء للقاح، روّج، ولا يزال يروّج لها مشرعون وسياسيون جمهوريون بارزون (مثل حاكمي ولايتي تكساس وفلوريدا الكبيرتين)، وشخصيات إعلامية يمينية متطرفة وتحديدا في شبكة “فوكس” التلفزيونية، أدت إلى ارتفاع خطير في معدلات الإصابة بمتغير دلتا، الذي يعتبر الأخطر منذ بداية الجائحة.

هذه المواقف والسياسات المتهورة لترامب والسياسيين الجمهوريين أظهرت الآثار السلبية لتسييس مكافحة الفيروس على أرواح الأميركيين، خاصة في الولايات التي تميل تقليديا إلى الجمهوريين.، وأظهرت الإحصائيات أن 86 بالمئة من الناخبين الديمقراطيين تلقوا لقاحا واحدا على الاقل، مقابل 52 بالمئة من الناخبين الجمهوريين.

وتظهر الخريطة الجغرافية والسياسية لفيروس كورونا أن الولايات التي عاد الفيروس ليعيث الخراب فيها هي الولايات التي صوتـت لترامب في الانتخابات الأخيرة، ومعظمها في جنوب البلاد مثل تكساس ومسيسيبي وآلاباما ولويزيانا وفلوريدا. ويرفض عشرات النواب الجمهوريين الإجابة بوضوح عما إذا كانوا تلقوا اللقاح أم لا، حيث يعتقد أن أكثر من نصفهم لم يتلقوه.

وقبل أيام تلقى النائب ستيف سكاليس، وهو القيادي الجمهوري الثاني في مجلس النواب، جرعة اللقاح الأولى، في مؤشر على تحول في مواقف بعض قادة الحزب الجمهوري في الكونغرس من جدوى اللقاح، بعد ارتفاع عدد الإصابات الجديدة وعدد الوفيات في الولايات المؤيدة للجمهوريين.

رئيس الأقلية في مجلس الشيوخ، السناتور ميتش ماكونال، ناشد الأميركيين لتلقي اللقاح، ولكن هذا الاكتشاف الأخير للحقائق العلمية من قبل بعض القادة الجمهوريين قد يكون ضعيفا ومتأخرا، لانهم ساهموا مع ترامب في تعميق ونشر نظرية مؤامرة سممت عقول الملايين من الأميركيين، وأدت إلى ترهيب أي سياسي جمهوري يفكر بالتصدي لأكاذيب وأساطير ترامب ونظريات المؤامرة التي يواصل بثها.

المؤمنون بنظرية المؤامرة القائلة بأن اغتيال الرئيس كينيدي هو نتيجة مؤامرة ضمت أكثر من القاتل لي هارفي أوزوولد، أمضوا عقودا طويلة يروجون لهذه المؤامرة عبر المنشورات، والمؤتمرات، وأحيانا عبر الراديو، لترسيخ هذه المؤامرة في عقول الملايين من الأميركيين.

ولكن الانتشار السريع لنظريات المؤامرة بشأن الانتخابات الرئاسية وفيروس كورونا لم يكن ممكنا لولا شبكة الإنترنت،  ووسائل الاتصال الاجتماعي وتحديدا الفيسبوك.

وهذه هي المرة الأولى في تاريخ نظريات المؤامرة في العالم، وقطعا في الولايات المتحدة، التي يقوم بها رئيس سابق لا يزال يحظى بتأييد أكثر من 40 بالمئة من الأميركيين ببث سموم هذه المؤامرات عن قصد، لزعزعة ثقة الأميركيين بمؤسساتهم الديمقراطية، وبوسائل الإعلام المهنية وبالأجهزة العلمية. هذا التشويه الخطير والمقصود لمقومات ومفاهيم الديمقراطية الأميركية، عبر نشر نظريات المؤامرة حول شرعية الانتخابات، وخطر فيروس كورونا، سوف يبقى مخيما بظلاله الداكنة على المجتمع الأميركي لسنوات طويلة.

شاهد أيضاً

إيران وإسرائيل… الحرب والحديث المرجّم

بقلم عبد الله العتيبي – صحيفة الشرق الأوسط الشرق اليوم- ضعف أميركا – سياسياً لا …