الرئيسية / مقالات رأي / زيارة واشنطن

زيارة واشنطن

بقلم: فارس الحباشنة – صحيفة “الدستور” الأردنية

الشرق اليوم – هناك الكثير مما يمكن قوله وكتابته، ويمكن أن يقع تحت عنوان “الأردن وأمريكا”. في زيارة الملك الأخيرة لواشنطن تابعت بالأول ما نشرته وسائل الإعلام الأمريكية والصحف والتلفزة الأمريكية، وماذا قال محللون وخبراء السياسة والعلاقات الدولية، وأخرها كانت مقابلة الملك مع محطة «سي إن إن» الإخبارية، وهي أشبه بخارطة طريق للعلاقة الأردنية – الأمريكية، والأردن والإقليم والعالم، والإصلاح السياسي وأزمة كورونا، ومستقبل الأردن، وملفات وقضايا أردنية طارئة، وقد قال بها الملك كلاما فاصلا وحاسما.

هذه الزيارة الملكية لواشنطن جاءت مختلفة بكل المعايير السياسية والدبلوماسية. والرئيس الأمريكي عبّر عن أهمية الزيارة في بيت للشاعر الإيرلندي ويليام بتلر ييتس، ويقول: «كل شيء تغير، تغير تماما. لقد ولد جمال رهيب». ويتحدث بيت الشعر عن وفاة الثوار الإيرلنديين الذين ثاروا ضد بريطانيا وترمز إلى ولادة نهضة جديدة وازدهار بعد الدمار.

وليقول بايدين للعالم من خلال لقائه بالملك.. إن أمريكا قد عادت. نعم، أمريكا ما بعد ترامب. والعالم يدرك أن المهمة جسيمة تاريخيا وترتبط بأحداث وتوقعات لا تقل أهمية عن تحولت لإنجازات ارتبطت في مكانة جورج مارشال، صاحب مشروع انعاش أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، وولادة الناتو والقوى الدافعة وراء إقامة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

ودائما تأخذ زيارات الملك إلى واشنطن أهمية سياسية ودبلوماسية قصوى. الملك يلتقي أركان الإدارة الأمريكية والكونغرس، وتتوج الزيارة في البيت الأبيض بلقاء الرئيس. والمهم هنا قوله إن العلاقة الأردنية – الأمريكية مرتبة ومنسقة، ولها تاريخ سياسي مربوط بمصالح مشتركة واحترام وتقدير دبلوماسي متبادل يطفو على تفاصيل العلاقة بين البلدين في كل الصعد والمستويات.

في عهد الرئيس ترامب لامست العلاقة الأردنية – الأمريكية حد الهبوط والبرودة، ووجدت مطبات وتعثرات، ورغم ذلك بقي الأردن محافظا على صلابة موقفه من صفقة القرن والسلام العربي الجديد، ولم يقدم تنازلا واحدا عن الثوابت السياسية الأردنية إزاء القضية الفلسطينية والقضايا العربية الآخرى.

الأردن وأمريكا صديقان، والأردن حليف لأمريكا. والملك عبدالله الثاني صنع بذكاء سياسي فارق حدود وروح العلاقة بين البلدين. وصنع العلاقة بذكاء سياسي واقعي وعقلاني وبرغماتي بعيد عن المغالاة والانجرار، وحروب الكلام، إنما بشجاعة ورسوخ ووضوح. فالأردن، من عهد الملك الراحل الحسين في علاقته مع واشنطن، أكثر بلد عربي وإقليمي قال..لا، ولا نقدر واعتذر، ولا نستطيع، وفي قضايا إقليمية شائكة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، قال الملك: لا للتوطين والوطن البديل، والأردن هو الأردن، ولا لضم القدس، ولا للاستيطان.

بماذا تختلف زيارات الملك إلى واشنطن؟ عندما يزور الملك واشنطن في ذهنه الكثير الكثير من الأفكار والرؤى والتصورات العربية المعتدلة والواقعية عن قضايا المنطقة. ويحارب الملك في دبلوماسية ذكية ومرنة قوى الضغط واللوبيات في مراكز القرار والمجتمع السياسي الأمريكي لإحداث فارق في السياسة الأمريكية الخارجية، وليقول ماذا تحتاج المنطقة لكي يتحقق السلام والاستقرار، والأمان، والتنمية والتقدم الاقتصادي، وكيف نتخلص من الحروب والنزاعات والفتن، والفوضى.

زيارة الملك لواشطن صنعت الثبات في العلاقة الأردنية – الأمريكية. وهذا هو السر في نجاح الزيارة سياسيا واستراتجيا، والسر الأكبر في وصف الزيارة بأنها غير عادية وتاريخية، ولنقل أيضا إنها نقطة سياسية جديدة في إقليم ملتهب بالأزمات والحروب والصراعات، وتوابع وتداعيات وباء كورونا.

شاهد أيضاً

أحلام مقتدى الصّدر وأوهام مناصريه

بقلم: فاروق يوسف- النهار العربيالشرق اليوم– عندما يُشفى العراقيون من عقدة اسمها مقتدى الصدر يكون …