الرئيسية / مقالات رأي / لماذا أُلغيت «الاحتفالات» باعتذار الحريري؟

لماذا أُلغيت «الاحتفالات» باعتذار الحريري؟

بقلم: جورج شاهين – صحيفة “الجمهورية”

الشرق اليوم – في موازاة المفاجأة التي أحدثها إعلان الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري اعتذاره عن مهمّة تأليف الحكومة من منبر بعبدا على وجوه الإعلاميين للحظات، ساد صمت مطبق في أكثر من صالون سياسي وحزبي، إما تهيّباً لمرحلة ما بعد الخطوة، أو استعداداً لمواجهة صعبة. لكن ما يجدر التوقف عنده، يكمن في إلغاء الاحتفالات التي كانت مقرّرة للتهليل للانتصار الذي تحقق بإزاحة الحريري عن آخر حكومات العهد. فلماذا وكيف؟

لا يجرؤ المراقبون على رسم خريطة طريق واضحة إلى ما يمكن أن يلي هذه المحطة الجديدة التي تأسست على قاعدة اعتذار الحريري وطي صفحة تكليفه يوم الخميس الماضي. وإن كانت الخطوات السياسية لا تحتاج إلى من يرصدها، ذلك انّ التجاذبات واضحة، وما أفرزته المواقف التي سبقت الإعتذار رسمت المواقع المتقابلة مبدئياً، مع الإشارة إلى أنّها بقيت بين أهل البيت الواحد ومن ضمن أركان النظام. لكن ما يدفع إلى الظن بصعوبة ترقّب المحطات المقبلة يكمن في عدم تقدير الموعد الجديد المتوقع للاستشارات النيابية الملزمة.

وإن بقي الرهان معقوداً على إصرار رئيس الجمهورية على ضرورة التفاهم على الشخصية السنّية الذي سيُكلّف المهمة، منعاً لأي صعوبات يمكن أن تقود إليها هذه الاستشارات، إن لم يتحقق الإجماع المطلوب لعبور الاستحقاق في أفضل الظروف، وإلى الصعوبة التي يواجهها رئيس الجمهورية في تحديد هذا الموعد في وقت قريب، فإنّ اعتكاف الحريري وإصراره على عدم مقاربة هذه المرحلة سيزيدان من صعوبة المهمّة، إلى درجة اعترف فيها مرجع معني بالاتصالات، إنّ الحاجة ماسة إلى منجّم ليقدّر الموعد المرتقب، وخصوصاً أنّ الأيام المقبلة ستعبر في ظل عطلة عيد الأضحى التي ستمتد لثلاثة أيام قبل دخول عطلة نهاية الأسبوع المقبل.

قبل أن يعتذر الحريري بأيام، كانت الاتصالات قد بوشرت على أكثر من صعيد، فإلى تلك التي أطلقها رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل في وقت مبكر، ومعه وسطاء اعتادوا القيام بمثل هذه الأدوار في الكواليس السياسية، فقد تسرّب أنّها شملت عدداً من الشخصيات السنّية، بالإضافة إلى الاتصال الشهير الذي حُكي عنه مع الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي. وهي شملت بالإضافة إلى النائب فيصل كرامي منذ فترة طويلة، شخصيات أخرى من بينها نواب آخرون سابقون وحاليون، وأكثر من شخصية أكاديمية واقتصادية.

وإن لم تفضِ هذه الاتصالات إلى قرار نهائي بفعل الملاحظات والفيتوات المتبادلة بين أكثر من طرف، ولا سيما منها الفيتو الذي وضعه «حزب الله» على ميقاتي وشخصيات أخرى، فقد كشف عن مشاورات أجراها بعض من شملتهم هذه الاتصالات من قِبل أركان العهد بالحريري وأعضاء من نادي رؤساء الحكومات، من أجل استشراف الحظوظ وإمكان نيل ثقة الحريري. وإن بقي البعض منها طي الكتمان، فلم يظهر منها إلى العلن سوى الاتصالات التي أجراها ميقاتي بالحريري وزملائه في نادي رؤساء الحكومات السابقين، وانتهت إلى عدم وجود أي نية بتجاوز السقوف التي رافقت مهمة الحريري.

وقبل أن يتبلغ ميقاتي فيتو «حزب الله» وشخصيات أخرى من الأكثرية، تردّد أمس في أوساط النواب السنّة، عن اتصال أجراه النائب فيصل كرامي قبل أيام بالحريري ولم ينتهِ إلى ما أراده. ورغم اعتقاد البعض انّ مثل هذا الاتصال لم يكن ضرورياً، فموقف «بيت الوسط» حاسم في هذا الإتجاه، ولن يكون مثمراً مهما كانت الظروف التي سترافق مثل هذه الخطوة. لكن كرامي ردّ عليها أنّ مثل هذه الخطوات كان لا بدّ أن تشمل الحريري، بعدما تداول في ما طرح عليه مع شخصيات عدة. فهو اجرى جولة واسعة بدأها مع رئيس الجمهورية، وزار البطريرك الماروني لهذه الغاية، بالإضافة إلى عدد من الشخصيات الديبلوماسية والحزبية والنيابية.

وبعيداً من هذا الإطار، فقد بات واضحاً أنّ اعتذار الحريري كان مفاجئاً لبعض أركان الحكم، فقد كانوا يعتقدون أنّ حديثه عن الإعتذار سيطول من أجل إنهاك العهد وزرع مزيد من المصاعب في السنة الاخيرة منه، وخصوصاً أنّ الانتخابات النيابية المقبلة المقرّرة مبدئياً في بداية الربيع المقبل، ستستهلك البقية منه لينتهي من دون أي انجاز ما زال يمنن النفس واللبنانيين به. ونُقل عن إحدى الشخصيات القريبة من العهد قوله جازماً، أنّ تموز وآب سيعبران تحت مظلة التهديد والتهويل بالاعتذار الذي لن يكون نهائياً ومحسوماً قبل نهاية أيلول، لفرض الحديث عن حكومة انتخابات كأمر واقع، على أن يواكبها الحديث عن مواصفات رئيسها واعضائها بأن يكونوا من غير المرشحين للنيابة، لضمان الرضى الدولي عليها وتغيير الصورة السلبية التي رُسمت في الخارج عن إداء أهل الحكم المعرّضين لكل أشكال العقوبات، سواء الأوروبية منها أو تلك الأميركية التي اقترب موعد الاعلان عن دفعة منها.

ورغم اعتقاد أهل الحكم أنّ الحديث عن حكومة خالية من المرشحين هو مجرد أضغاث أحلام، فهم مستعدون لإبراز قدراتهم الخارقة على تعطيل مثل هذه الشروط، كما عطّلوا المبادرة الفرنسية التي تفكّكت على مراحل وسقطت مقوماتها واحدة بعد أخرى بسلاسة، إلى أن بات الحديث عنها وكأنّها من الماضي البعيد، ولا سيما بعد اعتذار الحريري وسقوط التجربة الأقرب إلى ما قالت به مبادرة ماكرون، كما تلك التي أطلقها الرئيس نبيه بري، قبل أن يتبين أنّها لم تكن سوى مجرد أفكار متفرقة لا تجمعها صيغة واضحة، واريد لها أن تكون مناسبة لتقطيع الوقت والتلهّي بخطوات واهية، أُريد منها أن تنتهي باعتذار الحريري.

على كل حال، وبعيداً من تناول مختلف ردات الفعل الدولية التي تلاحقت منذ لحظة الاعتذار، فلم يظهر أنّ أهل الحكم يتهيبون لما هو متوقع. فهم وفي الوقت الذي يلهثون بحثاً عن خليفة الحريري، لا يتطلعون بجدّية إلى الانهيار المحتمل لتجاوز الدولار الأميركي أرقاماً قياسية، وامكان استجرار الهمّ الأمني. فهم مرتاحون إلى انشغال اللبنانيين بالبحث عن صفيحة بنزين وعلبة دواء مقطوع وملاحقة الأسعار التي ترتفع جنونياً، استباقاً لأي سعر جديد للعملة الأجنبية، في سباق محموم مع اختفاء كثير مما يريد اللبنانيون اقتناءه.

وتأسيساً على ما تقدّم، لاحظ المراقبون أنّ من كانت لديهم النية للاحتفال باعتذار الحريري، احتفظوا بنسبة عالية من الصمت، مخافة أن يزيدوا من حال الاحتقان الذي يمكن أن ينقلب على أصحاب هذه النية. فالحملة الدولية التي انهالت عليهم بمزيد من الانتقادات والاتهامات بجرّ البلد إلى الانهيار الكامل، لم تغيّر في استراتيجيتهم الثابتة. وهو ما يوحي أنّ البلاد دخلت مرحلة غامضة لا يمكن التكهن بأبعد مما ستحمله الساعات المقبلة، في انتظار حدث ما يترقبه كثيرون، من دون القدرة على تقدير حجمه وشكله ونوعه وما يمكن أن يكون.

شاهد أيضاً

روسيا التي لا تساند أحداً… علاقة غير عادلة مع إيران

بقلم: يوسف بدر – النهار العربي الشرق اليوم– في مقالته في صحيفة “وول ستريت جورنال” …