الرئيسية / مقالات رأي / الأيام الأخيرة والمروّعة لترامب في البيت الأبيض

الأيام الأخيرة والمروّعة لترامب في البيت الأبيض

بقلم: هشام ملحم – النهار العربي

الشرق اليوم – كتب الكثير عن الرئيس السابق دونالد ترامب خلال وجوده في البيت الأبيض. مؤرخون وصحافيون ومسؤولون عملوا معه ثم استقالوا أو اقالهم، كتبوا بالتفصيل عن تطرفه وأهوائه ووثقوا ما رأوه، وبرز بينهم شبه إجماع على أن ترامب غير مؤهل ذهنيا لقيادة البلاد بسبب جهله بآليات الحوكمة ومتطلباتها، أو بسبب شخصيته النرجسية والمتهورة، ورفضه أي مشورة أو نصائح تتعارض مع نزواته، أو بسبب أحقاده العنصرية.
كما كتبت آلاف المقالات عن تخبط ترامب الخطير في تعامله مع جائحة كورونا ورفضه النصائح الطبية والعلمية وتضليله الرأي العام حول أخطار الجائحة، وكذلك كتبت آلاف المقالات والتعليقات حول احتمال لجوء ترامب إلى أساليب غير دستورية لقلب نتائج انتخابات الرئاسة إذا فاز منافسه الديموقراطي جوزيف بايدن، وتركزت مخاوف العديد من المعلقين على ما يمكن أن يفعله ترامب بين يوم الانتخابات في الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، وظهر العشرين من كانون الثاني (يناير) 2021 حين تنتهي ولايته رسميا بعد تنصيب بايدن.
وفي الأيام الأخيرة، نشرت بعض الصحف والمواقع الإلكترونية مقتطفات من ثلاثة كتب وضعها صحافيون عن السنة الأخيرة لترامب في البيت الأبيض، وتحديدا الفترة الممتدة من الأسابيع التي سبقت الانتخابات إلى اليوم الأخير لترامب في البيت الأبيض. ما يمكن قوله من قراءة هذه المقتطفات، ومن المقابلات التي أجريت مع هؤلاء الصحافيين الذين وثّقوا ما كتبوه استنادا إلى مئات المقابلات التي أجروها مع مسؤولين سابقين ومحليين، وفي حالة الكاتب مايكل وولف، مقابلات أجراها مع ترامب، هو أنها ترسم صورة مرّوعة لرئيس محاصر وغاضب يفكر بإعلان حالة الطوارئ ونشر القوات المسلحة في الشوارع، ويطالب مساعديه بإلغاء نتائج الانتخابات في بعض الولايات، ويطالب بإعدام المسؤولين الذين سربوا للصحافيين أنه لجأ إلى ملجأ في البيت الأبيض خلال تظاهرات غاضبة وعنيفة حول البيت الأبيض، وبالتفكير بتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران بطريقة يمكن أن تؤدي إلى نزاع أوسع. وتلتقي هذه الكتب على تحميل ترامب مسؤولية اجتياح مبنى الكابيتول في السادس من كانون الثاني الماضي، وإعجابه الكبير بحماسة أنصاره الذين اجتاحوا الكابيتول وهم يحملون راياته وصوره، وكيف راقبهم على شاشات التلفزيون في البيت الأبيض رافضا نصائح ومناشدات مساعديه، ومن بينهم ابنته إيفانكا مطالبة الرعاع بالتوقف عن ارتكاب أعمال العنف والانسحاب من الكابيتول، إلا بعد الخراب الكبير.
في كتاب الصحافيين فيليب راكر وكارول لينينغ اللذين غطيا البيت الأبيض لصحيفة “واشنطن بوست” وركزا فيه على “السنة الكارثية الاخيرة” لترامب، يقارن الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان العسكرية المشتركة أساليب ترامب وتصريحاته بأساليب هتلر ومواقفه خلال صعوده السياسي في ألمانيا. وينسب المؤلفان إلى ميلي قوله لمقربين منه بعد أن رفض ترامب قبول نتائج الانتخابات، وبعد انتشار المخاوف في أوساط كبار العسكريين من أن ترامب قد يلجأ إلى أساليب غير دستورية، بما فيها أساليب ترقى إلى محاولة انقلاب “هذه لحظة مماثلة للحظة الرايخستاغ .. هذا أنجيل الفيوهرر”. وكان الجنرال ميلي بذلك يشير إلى حرق مبنى البرلمان الألماني في ليلة السابع والعشرين من شباط ( فبراير) 1933 والتي يعتقد أن النازيين تسببوا بالحريق لإعطاء الفيوهرر (الزعيم) هتلر الذريعة لتأليب الرأي العام ضد خصومه واعطائه صلاحيات استثنائية لحكم البلاد.
ووفقا للكتاب بدأ الجنرال ميلي في هذه الأيام العصيبة التنسيق مع كبار الضباط حول كيفية رفض أي أوامر غير دستورية يمكن أن يصدرها لهم ترامب. بعد اجتياح الكابيتول اتصلت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي بالجنرال ميلي لطلب ضمانات بأنه لن يسمح لترامب “الخطير والمجنون” على حد قولها، بالتلويح باستخدام السلاح النووي أو التسبب بحرب، وكيف طمأنها بان مخاوفها لن تتحقق.
وخلال اجتماع للقادة العسكريين وقادة اجهزة الاستخبارات للتحضير لحفل تنصيب جوزف بايدن قال الجنرال ميلي: “جميعنا في هذه القاعة من أمنيين وجنود، سوف نوقف هؤلاء (المتطرفين) وأن نضمن عملية الانتقال السلمي للسلطة. وسوف نقيم حاجزا من الصلب حول المدينة، ولن نسمح للنازيين بالدخول إليها”. ترامب أصدر بيانا نفى فيه ما نسب إلى الجنرال ميلي واعتبره “سخيفا” وقال إن ميلي هو آخر عسكري يمكن أن يفكر بالتعاون معه في محاولة انقلابية.
ويكشف مراسل صحيفة “وول ستريت جورنال” مايكل بيندر في كتابه، مخاوف المسؤولين المحيطين بترامب من الذين تحدث معهم إلى أي مدى كانوا يدركون “خطورته على البلاد”.
ويرسم الصحافي مايكل وولف في كتابه عن الأيام الأخيرة لترامب في البيت الأبيض صورة فوضوية للبيت الأبيض حين توقف ترامب بعد خسارته للانتخابات عن القيام حتى بأبسط واجباته الرئاسية، وتوقف عن استلام تقارير أجهزة الاستخبارات حتى تلك المتعلقة بالمسائل الحساسة، وكيف أخفقت كل محاولات مساعديه إعادة تركيز اهتمامه على مكافحة الجائحة، أو عمليات التلقيح، وكيف أصبح ترامب مهووسا فقط بما اعتبره “سرقة” الانتخابات منه.
وقبل أيام نشرت الصحافية سوزان غلاسر مقالا في مجلة “نيويوركر” كشفت فيه أنه في الفترة الانتقالية بين الانتخابات وتنصيب الرئيس الجديد بايدن، كان الجنرال ميلي يتخوف من قيام ترامب باستفزاز حرب مع إيران لتبرير بقائه في السلطة. وخلال هذه الفترة كانت مسألة ضرب إيران تثار في اجتماعات البيت الأبيض، حيث كان ميلي يدحض الطروحات الداعية لضرب إيران. وتضيف غلاسر: “كان ميلي يتخوف من قيام ترامب بخلق سلسلة من التطورات تؤدي إلى نزاع واسع (مع إيران) غير مبرر. وكان ترامب محاطا بحلقة من المساعدين الصقور ضد إيران، وكان مقربا من رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، الذي كان يحض الإدارة على التحرك ضد إيران بعد أن أصبح من الواضح أن ترامب قد خسر الانتخابات”.
اللافت أن كل هذه الإشارات إلى مواقف الجنرال ميلي، الذي لا يزال في منصبه، والتي يعتقد أنها مبنية على حوارات مع مساعديه، وربما معه شخصيا، لم تؤد إلى أي نفي من مكتبه، الذي صدر عن ناطق باسمه أنه لن يعلق على ما ينسب إلى الجنرال ميلي.
كل هذه الكتابات تبين أن الوضع خلال الأسابيع والأيام الأخيرة لترامب في البيت الأبيض كان أخطر بكثير مما كان يعتقد حتى أكثر المراقبين المتشائمين. وما يمكن قوله بثقة أن هذه الصورة المروّعة لترامب في أيامه الأخيرة لن تؤثر سلبا في قاعدته الشعبية التي لا تزال متمسكة به. ولكن ما هو لافت، ومثير للاستياء هو أن معظم المصادر التي استند إليها جميع الصحافيين، بمن فيهم المسؤولون الذين بقوا مع ترامب إلى نهاية ولايته، أو الذين استقالوا أو تمت إقالتهم، فضلوا الانتظار إلى ما بعد انتهاء ولايته لكي يتحدثوا بصراحة أكثر عن خطورته على البلاد ومستقبلها. ولو كشف بعض هؤلاء عن مواقف وانتهاكات ترامب، وبخاصة بعد اجتياح مبنى الكابيتول، لكانوا ربما عززوا كثيرا من حجج الديموقراطيين، الذين حاولوا وأخفقوا في محاكمته للمرة الثانية في الكونغرس. بعض هؤلاء، ومن بينهم مستشار الأمن القومي الأسبق جون بولتون، كان يملك معلومات كان يمكن أن تضر كثيرا بترامب قبل محاكمته الأولى، ولكنه رفض الإفصاح عنها لنحو سنة، لكي ينشرها في مذكراته بداعي الربح المالي.
أخيرا، طبيعة استيعاب واستهلاك المعلومات في الولايات المتحدة، في عصر أجهزة التواصل الاجتماعي، ومع بروز وسائل إعلام يمينية تخدم المحافظين والمتطرفين وتروج للمواقف العنصرية لترامب وأنصاره، وتنشر نظريات المؤامرة، مقابل وسائل إعلام ليبرالية-تقدمية مناوئة لها والتي يقف ورائها جمهوران أميركيان يعيشان في كوكبين متوازيين، يعني أن هذه المعلومات سوف تبقى قيد التداول في كوكب واحد، وسرعان ما تختفي بعد دورة إعلامية لا تتعدى بضعة أسابيع على الأكثر.

شاهد أيضاً

إسرائيل تختار الصفقة بدلاً من الرد الاستعراضي

بقلم: علي حمادة – صحيفة النهار العربي الشرق اليوم– تجنبت ايران رداً إسرائيلياً استعراضياً يفرغ …