الرئيسية / مقالات رأي / تأملات التحدي في خطاب الرئيس الصيني

تأملات التحدي في خطاب الرئيس الصيني

بقلم: محمد خليفة – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – رسم الخطاب الذي ألقاه الرئيس الصيني، شي جين بينغ، يوم 30 يونيو/حزيران الماضي، في الذكرى المئوية الأولى لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، معالم طريق الصين في المستقبل، وهو طريق يقوم على التحدي حتى النهاية، تحدي القوى الغربية التي لا تزال تحاول إعادة فرض السيطرة على الصين أو تحجيمها أو منعها من تحقيق ذاتها كقوة دولية إلى جانب القوى الدولية الأخرى.

وكانت لغة التحدي في خطاب الرئيس شي واضحة بقوله:«لقد ولى إلى غير رجعة الزمن الذي كان يُمكن فيه أن يُداس الشعب الصيني، وأن يعاني، وأن يُضطهد». وغاص في خطابه في أعماق التاريخ مذكراً بما شهدته الصين من حروب أفيون واستعمار غربي وغزو ياباني، ليشيد من ثم بما حققه الحزب الشيوعي الصيني من تحسين في مستويات الحياة واستعادة للفخر الوطني. ويأتي هذا الخطاب في وقت تتنامى فيه التحديات الأمريكية ضد الصين باعتبارها الخصم الدولي الأول للولايات المتحدة، وقد تجلى ذلك خلال جائحة فيروس كورونا التي استغلتها الولايات المتحدة، لتوجيه سهام النقد لها وتشويه سمعتها الدولية من خلال الادعاء، بأنها وراء تخليق ذلك الفيروس للإضرار بالشعوب. حتى أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أطلق عليه «الفيروس الصيني».

ومبدأ الخلاف بين الدولتين يقوم على فكرة الغالب والمغلوب. فالصين، تسعى إلى التحدي وإثبات وجودها كقوة دولية، مستغلة جوانب عديدة في ماضيها وحاضرها، فهي قد عانت من الاستعمار الغربي، بدءاً من حرب الأفيون التي أعلنتها بريطانيا عليها، ومن ثم تدخلت فرنسا والولايات المتحدة في وقت لاحق لإخضاع الشعب الصيني بشكل كامل، حتى لقد أصبح الإمبراطور ألعوبة بيد هذه الدول، ما أدى في النهاية إلى انهيار الامبراطورية التي ظلت تحكم الصين، وأعلن السياسي الصيني صن يات سن،عام 1912 قيام الجمهورية الصينية، لكن هذه الجمهورية ولدت ضعيفة، ولم تقوَ على الصمود. وكان قيام الاتحاد السوفييتي السابق إثر الثورة البلشفية الشيوعية، ملهماً للكثير من رجال الفكر في العالم، ليحذوا حذوه، ويقيموا مثله في بلادهم؛ ثم أسس المثقفان الصينيان تشن دوكسيو، ولي تا تشاو الحزب الشيوعي الصيني الذي نجح في الانتشار وسيطر على الجناح الأيسر لحزب الكومينتانغ، الذي أسسه صن يات سن، في وقت لاحق، وفق القواعد اللينينية، وعندما تُوفي قائد حزب الكومينتانغ، في مارس 1925، ورث منصبه السياسي اليميني شيانغ كاي شيك، الذي بادر بالتحرك لتهميش المكانة الخاصة بالشيوعيين. ما أدى إلى وقوع الحرب بين الطرفين، واستغلت اليابان الواقع، فاجتاحت الصين عام 1931، فاتحد الخصمان ضدها، وبدأ الصراع الياباني الصيني الذي استمر حتى هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، وتدخل الاتحاد السوفييتي السابق لصالح الشيوعيين الذين استولوا على كامل البر الصيني عام 1949. بينما لجأ المهزومون إلى تايوان وتحصنوا فيها. ولم يرق للولايات المتحدة أن ترى أن خصومها الشيوعيين قد سيطروا على الصين، فقررت حصارهم، وهكذا قبعت الصين تحت حصار غربي خانق استمر لسنوات إلى حين قيام الرئيس الأمريكي نيكسون بزيارة بكين، وأعلن عن ولادة فجر جديد في العلاقة بين البلدين. وقد قادت تلك الخطوة إلى الانفتاح على الصين، وتم سحب الاعتراف بتايوان كممثل للشعب الصيني، وتم تسليم مقعد الصين في مجلس الأمن إلى بكين. 

غير أن الصين الشعبية لم تخضع رغم تلك الخطوة الأمريكية، بل استمرت في مسيرة التحديث والتطوير والسعي لبناء علاقات تعاون مشترك مع مختلف دول العالم، ونجحت في خلق بنية تحتية صناعية حتى أن الصناعة الصينية دخلت إلى كل بيت على وجه المعمورة، وأصبحت الصين مصفاة للعملة الأمريكية ما جعلها تحوز عشرات التريليونات من الدولارات. وعندما استفاقت الولايات المتحدة على كبوتها الاقتصادية عام 2008، أدركت أن مسار السقوط لن يتوقف ما لم تنجح في تعطيل آلة الصناعة الصينية. ومن هنا أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، مبدأ التوجه نحو الشرق لمحاصرة الصين، وبدأت السياسة الأمريكية تحشد القوى الدولية الحليفة وغير الحليفة، لتشكيل جدار فولاذي حولها. وقد اتخذ ذلك الصراع شكل المحاور الدولية بعد أن وقفت روسيا إلى جانب الصين، فأصبح هناك محور شرقي في مقابلة التكتل الغربي. ما أدى إلى انقسام العالم وزادت مخاطر وقوع حرب دولية جديدة.

شاهد أيضاً

أحلام مقتدى الصّدر وأوهام مناصريه

بقلم: فاروق يوسف- النهار العربيالشرق اليوم– عندما يُشفى العراقيون من عقدة اسمها مقتدى الصدر يكون …