An Afghan National Army (ANA) soldier stands guard while sitting atop a Humvee vehicle at Bagram Air Base, after all US and NATO troops left, some 70 Km north of Kabul on July 2, 2021. (Photo by Zakeria HASHIMI / AFP)
الرئيسية / مقالات رأي / الدخول والخروج من أفغانستان

الدخول والخروج من أفغانستان

بقلم: عبد المنعم سعيد – المصري اليوم

الشرق اليوم- ربما لم تكن هناك صدفة تاريخية عند وفاة وزير الدفاع الأمريكي الأسبق «دونالد رامسفيلد» وقرب نهاية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، فقد كان توافق الحدثين معبرا بقوة عن دراما السياسة الخارجية الأمريكية بين التورط الشديد، والانسحاب المتعجل. لقد سبق لكثيرين وصف السياسة الأمريكية في عمومها بأنها أشبه بالبندول الذي يتأرجح بين اليمين واليسار، أو بين المحافظين (الجمهوريين الآن) والديمقراطيين، فما أن يصل أحدهما إلى أقصى التطرف فإنها تكون نفس اللحظة التي تعود فيها الساعة إلى الطرف الآخر من الحركة. ولكن هذه النظرية ليست صحيحة على إطلاقها، فإلى حد كبير فإن الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، ومن بعدها الحرب الكورية، نجحت في تكوين تحالف عالمي موضوعي مكون منها ومعها دول أوروبا الغربية الأساسية في حلف الأطلنطي، ومن بعدها في مجموعة من الاتفاقيات الدفاعية مع اليابان وأستراليا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية.

وفيما عدا ذلك فإن النجاح الأمريكي كان محدودا أو لم يحدث على الإطلاق، وظهر ذلك فى فيتنام ومنطقة «الهند الصينية» في عمومها، وفى «الشرق الأوسط» والتي تجسدها الانسحابات الأمريكية من أفغانستان والعراق، ومن قبلهما في لبنان. وليس معلوما لماذا تنجح الولايات المتحدة أحيانا، وتفشل في أحيان أخرى، وفى الدراسات الأمريكية فإن التعامل مع كلتا الحالتين بدأ من الطبيعة «العالمية» للمبادئ السياسية الأمريكية، فضلا عن القوة الكامنة في النظام الرأسمالي الأمريكي الذي يطبع القدرات الأمريكية بالمبادرة والإبداع الإنتاجي والثقافة والسوق الحرة.

والمرجح لدينا هو أن العامل الثقافي لعب دورا كبيرا في الحالتين، وكان إيجابيا في الحالة الأولى نظرا للجذور الأوروبية في الثقافة الأمريكية، وأن اليابان كانت في الواقع دولة من الدول الصناعية المتقدمة بغض النظر عن هزيمتها في الحرب العالمية. المسافة الثقافية بين الولايات المتحدة من ناحية وفيتنام والعراق وأفغانستان من ناحية أخرى، جعلت محاولتها لبناء «الدولة» مصابة بعوار كبير أدى في النهاية ليس فقط إلى الخروج الأمريكي، وإنما إلى استيلاء خصومها الرئيسيين (الشيوعيين في الحالة الأولى الفيتنامية، وأتباع إيران من الأصوليين الشيعة في الحالة الثانية، أما في الحالة الثالثة التي لم تكتمل بعد فإن طالبان الأصولية السنية وحلفاءها من الفصائل المختلفة تبدو في طريقها العائد إلى السلطة مرة أخرى). هذا العامل الثقافي، أو الأيديولوجية بشكل آخر، لعب دورا كبيرا في التوجهات الأمريكية للتعامل الخاطئ والتحليل المضطرب للواقع في الدول التي دخلتها الولايات المتحدة كما لو كانت ذاهبة إلى نزهة بحرية وبرية، وخرجت منها في هزيمة قاسية.

ولا أحد ربما مثل «دونالد رامسفيلد» يمكنه شرح هذه المسيرة الأمريكية المتأرجحة، فالرجل، الذي شهد في صباه السياسي الخروج الأمريكي من فيتنام، بينما كان يعمل في الحاضنة الجمهورية لإدارتي نيكسون وفورد، كان عليه أن يكون وزير الدفاع الذي شهد الاعتداء الإرهابي الإجرامي على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك. وساعتها فإنه ترك مقعده في قيادة المؤسسة الدفاعية الأكبر والأعظم في العالم لكي يكون أمام المصورين في منطقة انهيار البرجين. «رامسفيلد» صار بطلا، ولكن أفكاره قادت إلى أولا الغزو المتعجل لأفغانستان، وثانيا وقد ظهر أن الدولة التي دخلتها الولايات المتحدة تعاني من فقر شديد حتى لم يعد فيها ما يكفى الأهداف التي تحتاجها القوة الجوية الأمريكية، فإنه اتجه إلى العراق وجرى وضعها تحت الاحتلال الأمريكي.

كان وزير الدفاع في إدارة جورج بوش الابن الأولى جزءا من الجماعة السياسية لمن عرفوا بالمحافظين الجدد الذين يعتقدون أن الولايات المتحدة أمامها قدر تاريخي لهداية العالم نحو الأفكار المثالية الأمريكية في الديمقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان الذي أعطاها القوة والقدرة، وفى إمكانها أن تجعل الدول والأمم الأخرى مشابهة للدولة والأمة الأمريكية. هذه الجماعة وجدت أن الخروج من فيتنام كان نتيجة فشل ووهن النخبة السياسية الأمريكية التي لم تستطع لا كسب الحرب ولا كسب السلام. كان النصر الفيتنامي هو نتاج القوة الدافعة للشيوعية الدولية ومن ورائها الاتحاد السوفيتي والصين، ولكن طالما أن الاتحاد السوفيتي قد انهار ومعه الحرب الباردة، وتحولت الصين إلى الطريق الرأسمالي، فإن الطريق بات مفتوحا أمام الولايات المتحدة لكي تكون القوة القائدة في العالم.

هذه المرة مضى على وجود الولايات المتحدة في أفغانستان عشرون عاما، أما في العراق فقد استغرقت فيها سبع سنوات قبل اكتشاف الثمن الكبير التي دفعته الولايات المتحدة لكي تقيم دولة عراقية وفق التصميم الأمريكي للدول. كان جورج بوش الابن قد وجد أنه لا سبيل للنجاح فى العراق، واتخذ قرارا ببدء عملية الانسحاب. لكن الرئيس التالي باراك أوباما الذي نفذ القرار كان قد قاد حملته الانتخابية على قاعدة أن التواجد الأمريكي في العراق كان في المكان الخطأ، أما المكان الصحيح فهو في أفغانستان التي انطلق منها إرهابيون من تنظيم القاعدة لضرب الأهداف الأمريكية.

التجربة سواء كانت في أفغانستان أو العراق كانت مكلفة للغاية، وفاقت تريليونات من الدولارات، لأنها كانت لإقامة نظم سياسية واقتصادية وثقافية جرى إنتاجها في عقود وقرون كثيرة في الدول الأوروبية والولايات المتحدة. الحصاد كان في العراق مزريا لأن العمل الأمريكي في بغداد لم يكن مستوعبا للواقع العراقي، كما كان غير قادر على استيعاب التأثير الإيراني داخل الدولة الملاصقة- إيران- والتي كانت في حرب مع العراق لثماني سنوات قبلها. وفى أفغانستان لم يكن الاستيعاب كافيا، وكان التصور أن انتشار التعليم وبعض من تحرير المرأة سوف يكون القاعدة المناسبة للدولة الديمقراطية، والتعرف على مظاهر التقدم في الولايات المتحدة الأوروبية سوف يكون كافيا للدولة الأفغانية الجديدة.

وفى الحالتين العراقية والأفغانية كان الواقع أكثر تعقيدا بكثير مما جرى تصوره في واشنطن من قبل جماعة المحافظين الجدد الذين تمددوا في إدارة جورج بوش، وكان منهم ليس فقط وزير الدفاع، وإنما أيضا نائب الرئيس «ديك شيني»، ومعهم «بول ولفويتز» نائب وزير الدفاع، ومن المفكرين والمنظرين روبرت كيجان. وفى الممارسة فإن الولايات المتحدة أخطأت أكثر عندما فككت قواعد الدولة العراقية وأقامت نظاما سياسيا يزيدها تفكيكا لقيامه على الطائفية، وفى أفغانستان كان الخطأ مضاعفا لأن الولايات المتحدة في عهد الرئيس ترامب أخذت في التعامل المباشر مع جماعة طالبان الإرهابية المتطرفة، وهو ما أعطاها شرعية واسعة داخل الطائفة البشتونية دفعت أفغانستان ثمنه بعد ذلك.

الثابت في التجربتين العراقية والأفغانية أن الولايات المتحدة التي دخلت إلى البلدين باعتبارها تقوم بتحرير كليهما من قوى طاغية، وجدت نفسها في النهاية تعامل باعتبارها قوة احتلال. وللأسف فإن المعلومات التي اعتمدت عليها واشنطن في الدخول إلى البلدين أو غزوهما كانت في أغلبها خاطئة وغير مطابقة للواقع، وقادمة من جماعات المغتربين في الولايات المتحدة، التي قدمت صورة وردية للاستقبال المتوقع للقوات الأمريكية. الواقع كان مختلفا كثيرا، وبقدر ما تحملته الولايات المتحدة من تكلفة، فإن شعوب هذه الدول دفعت، ولاتزال، ما هو أكثر.

شاهد أيضاً

تركيز أميركي على إبعاد الصين وروسيا عن أفغانستان!

بقلم: هدى الحسيني- الشرق الأوسطالشرق اليوم– لا شك في أن كل الأنظار تتجه إلى التطورات …