الرئيسية / مقالات رأي / الولايات المتحدة والصين و”الفخّ الإغريقي”… قوة الثانية هي موطن ضعفها

الولايات المتحدة والصين و”الفخّ الإغريقي”… قوة الثانية هي موطن ضعفها

بقلم: أنطوان الحاج – صحيفة الشرق الأوسط

الشرق اليوم- ثمة مشاهد كثيرة تطبع الساحة السياسية العالمية، تتفاوت في أحجامها وأهميتها، لكن أبرزها على الإطلاق هو مشهد العلاقات الأمريكية الصينية الذي يستهلك الكثير من التحليلات والدراسات والنظريات. وإذا كان من قاسم مشترك بين كل الآراء فهو أن هذا المشهد سيكون له الحيّز الأكبر في العقود المقبلة وربما طوال القرن الحادي والعشرين.

ثمة “جبهات” عدة تتواجه فيها واشنطن وبكين: تايوان ومصيرها، النفوذ في بحر الصين الجنوبي، التبادل التجاري، مشروع “الحزام والطريق” الصيني، وعموماً الاقتصاد العالمي ككل.

في هذا السياق، كان لافتاً الشهر الماضي إقرار مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون يقضي بتخصيص استثمارات بمليارات الدولارات للعلوم والتكنولوجيا، بهدف مواجهة السيطرة الصينية الكاسحة في هذا المجال، وهو تجسيد لرؤية الرئيس جو بايدن الذي أصدر في فبراير (شباط) الماضي أمراً تنفيذياً للوكالات الفدرالية لكي تضع تصوراً لطرق تعزيز الإنتاج المحلي لمجموعة من المكوّنات الصناعية، مثل الرقائق، وبالتالي تقليل الاعتماد على الموردين الأجانب، أي الصين عملياً.

المهمّ أن النظرية البديهية للعلاقات بين صاحبَي أكبر اقتصادين في العالم تنبئ بمواجهة حتمية بينهما. وهنا يستعيد الباحث البولندي ياسيك بارتوسياك ديناميكيات ما يُعرف بـ”فخ ثوقيديدس”، هذه القاعدة التي وضعها المؤرخ الإغريقي قبل نحو 24 قرناً، ومؤداها أن تراجع القوة المهيمنة وصعود قوة منافسة يجعلان الحرب بين الاثنتين أمراً لا مفر منه. وقد بُنيت هذه الفرضية على الحرب بين أثينا المستقرة والمسيطرة، وإسبرطة التي نهضت بقوة “عضلاتها” وحاولت بسط نفوذها على كل أنحاء العالم الإغريقي.

بمزيد من التفصيل، تقوم الفرضية على التوترات الهيكلية الناجمة عن التغيّر الحاد في ميزان القوى بين المتنافسَين. وهناك عاملان رئيسيان يساهمان في هذا التغيير: الحاجة المتزايدة للقوة الطموحة إلى الحصول على دور أكبر ومكانة استراتيجية في شبكة العلاقات الدولية، وخوف القوة الحالية من الآتي وتصميمها على الدفاع عن وضعها الراهن.

يرى بارتوسياك ومحللون وباحثون كثر غيره أن نظرية “فخ ثوقيديدس” تنطبق تماماً على العلاقات الأمريكية الصينية. فالولايات المتحدة تشعر بالقلق إزاء القوة الاقتصادية الهائلة والقدرات العسكرية المتنامية للصين، معتقدة أنها يمكن أن تتحدى تفوقها العسكري الحالي في غرب المحيط الهادئ وشرق آسيا على الأقل. وفي المقابل، تشعر الصين بالقلق من أن وجود الأميركيين في هذا الجزء من العالم سيحدّ من النمو “المشروع” للقوة والنفوذ الصينيين.

في منطقة بحر الصين الجنوبي تحديداً، قد تنقاد الولايات المتحدة إلى السقوط في “فخ ثوقيديدس”، انطلاقاً من اعتقادها أنها الطرف الأقوى عسكرياً بما يجعلها تجنح إلى شن هجوم مضاد رداً على حادث، مهما كان صغيراً، لتلقين الصين الأقل قوة درساً قاسياً.

لكن هل ستقع حرب بين القوتين النوويتين؟

في ميزان الحرب واللاحرب

عند البحث في احتمالات نشوب حرب بين الولايات المتحدة والصين لا يمكن التحدث عن حرب وسلم، فالحرب قائمة تجارياً بلا هوادة. لا يعني ذلك أن الحرب العسكرية هي خارج الحسابات بمجرد أن البلدين يملكان أسلحة نووية وبالتالي فإن الردع المتبادل يلغي احتمال الاشتباك. فالحرب العسكرية المقصودة ستكون إقليمية وتخاض بأسلحة متطورة إنما غير نووية، لأن الأمور لا يمكن أن تفلت من عقالها بين قوتين طاحنتين إلى هذا الحد.

يمكن كذلك أن تكون حرباً بالوكالة، تنشب مثلا بين الصين وإحدى الدول المشاطئة لبحر الصين الجنوبي، مع دعم أميركي مباشر للثانية. وهنا يرى محللون كثر أن احتمال حصول اشتباك إقليمي مباشر أو بالواسطة لن يجر إلى حرب عالمية، تحديداً لأن الصين لن تستطيع تشكيل محور معادٍ للولايات المتحدة. فروسيا بالذات لن تدخل في حرب مسرحها الشرق لأنها منشغلة بضمان أمنها من جهة أوروبا التي تكاد أن تصير كلها “غربية” بالمعنيين السياسي والعسكري، ومن جهة القوقاز حيث يتوسع الوجود الأمريكي شيئاً فشيئاً.

شاهد أيضاً

الأمل المستحيل لإسرائيل

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عندما يطرح مركز بحوث أمريكي مؤيد دائماً …