الرئيسية / مقالات رأي / لا غنى عن علاقات وطيدة بين ألمانيا وبريطانيا بعد بريكست

لا غنى عن علاقات وطيدة بين ألمانيا وبريطانيا بعد بريكست

بقلم: شون أوغرايدي   -اندبندنت عربية

الشرق اليوم- لا شك في أن هذا النوع من الأمور سري للغاية، ولكن عندما التقت أنجيلا ميركل بالملكة إليزابيث، من المحتمل جداً أنهما تبادلتا نظرة مثقلة بالمعاني حين وردت كلمتا “بوريس جونسون” في الحديث. تتمتع سيدتا الدولتين بكثير من الجَلَد، ولدى الواحدة منهما خبرة طويلة [باعهما طويل] في التعامل مع الشخصيات الغريبة (ومعظمها من الرجال) التي تصل في أغلب الأحيان إلى موقع رئاسة الوزراء، ولا شك في أن جونسون يُعد من بين أغربها. وهو رئيس الوزراء الرابع عشر الذي يمر على الملكة، لكن المستشارة الألمانية موجودة منذ فترة طويلة، الأمر الذي سمح لها بمعاصرة خمسة رؤساء وزراء بريطانيين إلى الآن.

 وبغض النظر عن الشرف الكبير في لقاء المستشارة ميركل بالملكة خلال زيارتها الوداعية قبل مغادرتها منصبها، فاللقاء الأهم من الناحية السياسية هو لقاؤها بجونسون. ولا شك في أنها توشك على المغادرة، وبحلول نهاية العام الجاري، قد تصبح خليفتها زعيمة “حزب الخضر”، أنالينا بيربوك، قياساً بالنسبة إلى موقع الحزب القوي في استطلاعات الآراء. وبعبارات أخرى، مهما كانت آراء ميركل وسياساتها الآن، لا شك في أنها ستصبح أقل أهمية في السنوات المقبلة. وسوف تعني بريكست كذلك علاقة جديدة ومتغيرة بين هاتين القوتين المتنافستين تاريخياً.

سوف تبقى العلاقات الألمانية-البريطانية ذات أهمية حيوية بغض النظر عمن استلم السلطة. وسوف تضع ألمانيا دائماً وحدة الاتحاد الأوروبي وسوقه الموحدة في المقام الأول، وقبل أي اعتبار آخر، لكن هناك مجالات كثيرة أخرى تشكل أهمية هامشية بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، وهذه هي المجالات التي يمكن فيها تعميق وتكثيف التعاون بين بريطانيا وألمانيا، وكذلك فرنسا إن سمح الرئيس الفرنسي ماكرون بذلك، بغض النظر عن التوترات والأحقاد المستمرة المتعلقة ببريكست. وعلى سبيل المثل، يجب أن تشكل السياسة الخارجية وسياسة الدفاع، اهتماماً مشتركاً. 

وباعتبارها القوى الاقتصادية والعسكرية البارزة في القارة، تعمل مجموعة الدول الأوروبية الثلاث أو E3، كما أصبحت هذه الترويكا البدائية تُعرف سوياً بالفعل، وتجمع على مجموعة من القضايا الدولية، مثل الاتفاق النووي الإيراني، في مجموعة الدول السبع (G7) ومجموعة الدول العشرين (G20)، وتغير المناخ، وعملية السلام في الشرق الأوسط، ومقاومة انتهاك الصين لحقوق الإنسان سواء في حال الإيغور أم مواطني هونغ كونغ. وهي تتفق إلى حد ما بشأن روسيا فلاديمير بوتين، مع أن البريطانيين أكثر حزماً بكثير في هذا الموضوع من الألمان والفرنسيين والاتحاد الأوروبي بشكل عام.

كشفت سلسلة متتابعة من الأزمات الدولية مدى البطء والصعوبة التي يواجهها الاتحاد الأوروبي وضع سياسة مشتركة سريعة حول فرض عقوبات على دولة  منبوذة مثل بيلاروس.  وفي المقابل، لا شك في أن البريطانيين يدركون أن القوة الاقتصادية الألمانية تُعد متفوقة على القدرة البريطانية هذه الأيام، وإن استطاعت المملكة المتحدة ضم ألمانيا، وفي أفضل الأحوال فرنسا والاتحاد الأوروبي كذلك، إلى قضاياها، فهذا ما سيزيد من فعالية مكانتها الدبلوماسية.

حتى من خارج الاتحاد الأوروبي، قد تشكل بريطانيا تأثيراً مفيداً لألمانيا في محاولاتها توجيه سياسة الاتحاد الأوروبي، وضبط أكثر الاتجاهات نحو المركزية في الاتحاد، والعادات المالية المتفلتة لدول أخرى. حين كانت المملكة المتحدة عضواً، كان بإمكانها، بمشاركة الاسكندنافيين و الهولنديين والألمان، منع إقرار بعض اقتراحات المفوضية، ومحاولة الحفاظ على بعض المنطق المالي. ومع زوال المملكة المتحدة من الاتحاد، ومعها حقها بالتصويت، أُضعف “حق النقض” هذا. وقد يشكل الضغط الدبلوماسي الذي تمارسه لندن، ولو أتى من خارج  الاتحاد الأوروبي، بديلاً نوعاً ما. وربما توفر المملكة المتحدة الجسر التقليدي بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهو ما قد يناسب ألمانيا، كما قد يناسب بريطانيا كذلك ألا تتعرض للتهميش على يد إدارة بايدن التي لديها خلافاتها مع لندن بشأن إيرلندا.

ربما لا تعود الأمور إلى سابق عهدها أبداً بعد بريكست، وسوف تؤدي الخلافات حول إيرلندا والسمك والخدمات المالية وحرية تنقل فرقة آيرون مايدن بين قاعات الحفلات الموسيقية إلى تسميم العلاقات بشكل دوري. لكن سوف تظهر كذلك قضايا حيوية تتلاقى فيها المصالح وحيث تكون المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي أقوى متحدين مما هما مفترقين. لم تغير بريكست هذه الحقيقة.

شاهد أيضاً

الأمل المستحيل لإسرائيل

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عندما يطرح مركز بحوث أمريكي مؤيد دائماً …