الرئيسية / مقالات رأي / هل اقتربت ساعة الحقيقة في فيينا؟

هل اقتربت ساعة الحقيقة في فيينا؟

بقلم: علي حمادة النهار العربي

الشرق اليوم- من المتوقع أن تعقد هذا الأسبوع الجولة السابعة من مفاوضات فيينا حول الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة دول “4+1” والولايات المتحدة، بعد أن تكون الوفود عادت من بلدانها إثر قضائها بضعة أيام في التشاور مع مرجعياتها حول النقاط التي لا تزال عالقة، لا سيما في طهران وواشنطن. وتتمحور المسائل العالقة حول موضوع رفع العقوبات ومدى شموليته، لا سيما أن إيران تصرّ بقوة على أن ترفع كل العقوبات الأميركية التي أصدرتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب ضد شخصيات وهيئات وكيانات وأجهزة إيرانية، ويبلغ عددها أكثر من 16000 عقوبة، تتجاوز الإطار المتصل بالاتفاق النووي، الى مسائل الإرهاب وحقوق الإنسان وغيرها من القضايا.

في المقابل تعتبر إدارة الرئيس جو بايدن أن بإمكانها إلغاء كل العقوبات المتصلة بالاتفاق النووي، وصولاً الى عدد من العقوبات المهمة المرتبطة بالاقتصاد الإيراني مثل قطاعات النفط والمصارف والنقل التي تعتبر من أعمدة الاقتصاد. لكن الموقف الإيراني يطالب بشطب كل العقوبات التي صدرت عن إدارة ترامب، إضافة الى بعض العقوبات التي لها رمزية كبيرة بالنسبة الى النظام، كتلك التي تصيب المرشد الأعلى علي خامنئي، والرئيس الجديد إبراهيم رئيسي، وهي عقوبات لا تتصل مباشرة بالاتفاق النووي، وإنما بقضايا حقوق الانسان.

من هنا الإشكالية، فالمراقبون المتابعون لمواقف الإدارة الأمريكية الجديدة يعتبرون أن بايدن مستعد للذهاب بعيداً من أجل إعادة إحياء الاتفاق النووي، وخفض منسوب التوتر مع إيران. وثمة الكثير من المعلومات المتداولة في واشنطن تشير الى ان فريق بايدن العامل على الملف الإيراني، لا سيما المبعوث الرئاسي الى إيران روبرت مالي، يريدون إحياء الاتفاق بأي ثمن، حتى لو تطلب ذلك تقديم تنازلات كبيرة تصب في “طاحونة” الدعاية الإيرانية.

ما يهم الفريق، حسبما يمكن الاستفادة من مواقف وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن حول تنامي القدرات النووية الإيرانية، أن التنازلات ضرورية، والتغاضي عن التحرشات الإيرانية عبر مليشياتها في العراق ضروري أيضاً، من أجل عدم إتاحة الفرصة للفريق الرافض للاتفاق في النظام الإيراني بأن يربح معركة الانسحاب الإيراني النهائي منها، لأن ذلك من شأنه أن يفتح المجال واسعاً أمام الإيرانيين كي يقدموا على القفزة الأخيرة لتحويل إيران من دولة “عتبة نووية” الى “دولة نووية” كاملة الأوصاف. حينها يصبح الاتفاق ساقطاً حكماً، ويمكن لإيران أن تتفاوض مع المجتمع الدولي على أسس مختلفة تماماً.

والحال أن وزير الخارجية الأمريكي كان يتحدث منذ توليه منصبه في شباط (فبراير) الفائت عن أن إيران تقلص كثيراً المدة التي تفصلها عن القدرة على انتاج قنبلة نووية. قالها قبل أربعة أشهر، ثم عاد ليكررها قبل ثلاثة أسابيع. وقبل أربعة أيام صرح خلال مؤتمر صحافي عقده مع نظيره الفرنسي جان ايف لودريان في باريس بأن “إيران بقنبلة نووية، او بإمكان انتاجها ستكون أخطر مما هي عليه الآن”. فهل أن هذا الموقف المتكرر من بلينكن يهدف الى تبرير إقدام إدارة بايدن على تقديم مزيد من التنازلات لإيران، من خلال رفع أكبر قدر من العقوبات غير المرتبطة بالاتفاق النووي، إضافة الى سحب موضوعي برنامج الصواريخ الباليستية، والتدخلات في الشرق الأوسط من التداول؟ ثمة شكوك كبيرة في أن إدارة جو بايدن تحذو حذو إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما في مقاربتها عملية التفاوض مع إيران وتغليب منحى خفض التوتر معها على حساب هواجس حلفاء أمريكا في المنطقة الذين لا يخفون أنهم يعيشون هذه الأيام إعادة لمرحلة أوباما الذي كان لا يرى سوى بعين إيران في المنطقة!

لكن، على صعيد آخر، لا يمكن التغاضي عن التحرشات الإيرانية غير المباشرة بالأمريكيين في العراق التي تبقى الردود الأمريكية عليها دون مستوى الردع الفعلي كما كان عليه الحال في عهد دونالد ترامب. صحيح أن الأمريكيين قاموا يوم الاثنين الماضي، وللمرة الثانية منذ بدء ولاية الرئيس جو بايدن باستهداف مواقع تابعة لميليشيات من “الحشد الشعبي” العراقي الموالية لـ”الحرس الثوري الإيراني”، ولكن الأمر يبقى دون مستوى الاصطدام الكبير الذي يمكن أن يجهض مفاوضات فيينا. وصحيح أن خطاب واشنطن وحلفائها ارتفعت نبرته تجاه إيران في ما يتعلق بموضوع عدم تجديدها الاتفاق الموقت مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” بشأن مواصلة مراقبة المنشآت النووية الإيرانية عبر كاميرات (تبقى الأشرطة بحوزة الإيرانيين لغاية التوصل الى اتفاق في فيينا وعندها تسلم)، وقيام مفتشي الوكالة بعمليات تفتيش للمنشآت مبرمجة (غير مباغتة)، لكن الحقيقة أن إدارة بايدن الأوروبيين معها يفعلون كل ما يمكن تجنباً لمنح إيران الأعذار لنسف المفاوضات، وكأن الخوف هو أن تكون حسابات النظام في طهران تغيرت لجهة الأولويات من فك أسر الأصول والأموال، ورفع الضغط عن الاقتصاد، الى “الصبر الاستراتيجي” على كل الصعد بغية حيازة السلاح النووي، وتغيير قواعد اللعبة بالكامل. لكن المناورات الحالية بين إيران والولايات المتحدة ربما تدل الى أن ساعة الحقيقة بالنسبة الى مفاوضات فيينا قد اقتربت.

شاهد أيضاً

إيران وإسرائيل… الحرب والحديث المرجّم

بقلم عبد الله العتيبي – صحيفة الشرق الأوسط الشرق اليوم- ضعف أميركا – سياسياً لا …