الرئيسية / مقالات رأي / الجريمة والعنصرية في أمريكا

الجريمة والعنصرية في أمريكا

بقلم: د. منار الشوربجي – المصري اليوم

الشرق اليوم- ليست مصادفة أن يزداد الحديث عن ارتفاع معدلات الجريمة في الولايات المتحدة بالتزامن مع ارتفاع الأصوات المطالبة بتنظيم حق امتلاك السلاح. وليست مصادفة أيضًا أن تسلط الأضواء على تلك القضية في الأجواء الراهنة بأمريكا، من صعود جماعات تفوق البيض وتزايد المطالب بمواجهة تلك العنصرية.

فلا يوجد فعليًا تزايد في معدلات الجريمة بالمقارنة بالعام الأخير لحكم ترامب، ومع ذلك لم يشهد عهد ترامب ذلك التواتر المنظم في طرح القضية. ومعدلات الجريمة لا تقتصر، بالمناسبة، على الارتفاع الحقيقي في جرائم القتل الجماعي التي ناقشها مقال كاتبة السطور الأسبوع الماضي، وإنما تشمل الجرائم بأنواعها من سرقة وقتل واعتداء على الممتلكات وخلافه.

واستطلاعات الرأي العام التي سبقت ذلك الإصرار المنظم على طرح القضية تثبت أن قضية «الجريمة» ليست من القضايا التي قال أغلبية الأمريكيين إنها تحتل الأولوية لديهم. فهي مجرد واحدة من «قضايا مهمة» أخرى. لكن نتائج تلك الاستطلاعات ستختلف، بالضرورة، بعدما يحولها الإعلام إلى قضية «كبرى رئيسية».

وهي ليست مصادفة أن يتم التركيز على قضية الجريمة في هذا التوقيت بالذات لأن السوابق التاريخية تكشف عن الأسباب والأهداف. ففي أوج حركة الحقوق المدنية في الستينيات، كان قياديو الحركة، بمن فيهم مارتن لوثر كينج نفسه، بالنسبة لقطاع من النخب البيضاء بمثابة «خارجين على القانون ينبغي عقابهم». ومن هنا، ابتدع نيكسون تعبير «القانون والنظام العام»، في حملته الانتخابية للرئاسة عام 1972، وهو تعبير شفري فهمه البيض إذ حمل دلالات عنصرية مسكوتًا عنها.

والتراجع عن مكتسبات حركة الحقوق المدنية، الذي بدأ فور تحقيق أهم إنجازاتها التشريعية، أواخر الستينيات، وصل للذروة بوصول ريجان للحكم في الثمانينيات. لكن فترة حكم ريجان ثم بوش الأب حملت أيضًا بعدًا انتخابيًا كان هدفه اتهام الديمقراطيين بأنهم «يتهاونون مع الجريمة»، وهو اتهام استخدمه بوش الأب بخطاب عنصري في حملته للرئاسة عام 1988، وفاز على أساسه. ومن هنا، تعهد بيل كلينتون، الديمقراطي، عام 1992 في حملته ضد بوش بمكافحة الجريمة. وقتها لم تكن القضية على أولويات الأمريكيين إلى أن صنعتها الحملة الانتخابية والإعلام. ثم صدر في عهد كلينتون واحد من أسوأ قوانين «مكافحة الجريمة»، حيث أسهم بقوة في تكريس ظلم النظام الجنائي القضائي للسود على وجه التحديد.

واليوم، يُعاد إنتاج التاريخ نفسه! فالدلالات العنصرية لا تخطئها العين، مثلما كان الحال في الستينيات وهدفها اليوم هو حركة السود ضد عنصرية الشرطة وعدم عدالة النظام الجنائي القضائي. وأهداف الجمهوريين الحزبية هي ذاتها التي كانت عليها في الثمانينيات. أضف لذلك أن ارتفاع معدلات القتل العشوائي، التي تتطلب تنظيمًا لحق اقتناء السلاح، استنفرت القوى ذاتها من أجل وقف أي محاولات لمثل ذلك التنظيم. بعبارة أخرى، فالهدف اليوم هو خلق جو عام يُعادي محاولات تنظيم اقتناء السلاح، وإصلاح النظام الجنائي القضائي.

فقد كان أول من طرح حكاية «ارتفاع معدلات الجريمة»، دوائر يمينية ومرتبطة بالحزب الجمهوري، ثم رددها الإعلام لاحقًا بما فيها الصحف الكبرى. وتوجد دلائل تؤكد صحة ذلك التحليل. فالقوى التي تتحدث عن ارتفاع معدلات الجريمة اليوم هي نفسها التي تقول صراحة أو ضمنًا إن استخدام السلاح والعنف يوم اقتحام الكونجرس لم يكن يمثل جريمة تستحق محاكمة مرتكبيها! وزعيم تلك القوى، أي دونالد ترامب، كان أول رئيس منذ عهد نيكسون يستخدم علنًا تعبير «القانون والنظام العام» بما له من دلالات عنصرية في السياق الأمريكي.

شاهد أيضاً

إسرائيل تختار الصفقة بدلاً من الرد الاستعراضي

بقلم: علي حمادة – صحيفة النهار العربي الشرق اليوم– تجنبت ايران رداً إسرائيلياً استعراضياً يفرغ …