A direction sign is seen for a polling station ahead of local elections, London, Britain, May 4, 2021. REUTERS/Toby Melville
الرئيسية / مقالات رأي / بريطانيا: فخ الانتخابات الثانوية

بريطانيا: فخ الانتخابات الثانوية

بقلم: جمعة بوكليب – الشرق الأوسط

الشرق اليوم – الحكمة والتجارب التاريخية تحذّر من مغبة ترك مؤخرة جيش زاحف نحو أراضي العدو من دون حماية. ما ينطبق على المعارك الحربية والجيوش من الممكن، في أحوال مشابهة، انطباقه على المعارك الانتخابية بشكل عام، والبريطانية على وجه الخصوص. لكن السياسيين، على اختلافهم، في خضم انشغالهم بالمعارك، كثيراً ما يتناسون ذلك. والسبب هو أن الانتصارات الانتخابية التي يحققونها ضد خصومهم، يوماً بعد آخر، تستهويهم، بل وتغريهم بمواصلة الزحف، من دون إبداء اهتمام لقواعد الحذر والوقاية.
الأمر الذي يمنح الخصوم فرصة لهجوم مباغت من الخلف، وإحراز نصر غير متوقع يسبب إرباكاً للقيادة، وارتباكاً وهلعاً في الصفوف. أو هذا تحديداً ما حدث، خلال الأسبوع الماضي، في الانتخابات الثانوية التي جرت في دائرة «تشيشام وامرشام» الانتخابية الواقعة في شمال غربي لندن، بالجنوب الإنجليزي. وهي تاريخياً دائرة انتخابية آمنة لحزب المحافظين منذ إنشائها عام 1974. ولم يسبق لها التصويت لحزب آخر.
وتقع جغرافياً داخل نطاق سلسلة ما يطلق عليه الجدار الأزرق، في الجنوب الإنجليزي، قاعدة المحافظين، وحصنهم الحصين. وليس غريباً أن ما يحدث أحياناً في معارك الجيوش من مفاجآت يحدث أيضاً في المعارك الانتخابية. والمعركة الأخيرة في «تشيشام وامرشام» خير دليل. وما حدث أن تبنّي حزب المحافظين لاستراتيجية انتخابية جديدة للحزب، من تصميم زعيمه الحالي بوريس جونسون وجنرالاته، وتقوم على مبدأ اختراق الجدار العمالي الأحمر في مدن الشمال، أثبت مفعوله بنجاح، في انتخابات شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 2019، وحقق نجاحاً ثانياً في الانتخابات الثانوية، في دائرة هارتلبوول، حيث تمكن المحافظون من انتزاعها من قبضة حزب العمال. إلا أن الانتخابات الثانوية، في الأسبوع الماضي، كانت جغرافياً بعيدة على حدود الجدار الأحمر العمالي ومدنه الشمالية الفقيرة، وتقع جنوباً في المركز من الجدار الأزرق المحافظ والمرفّه. وربما لهذا السبب، يقول معلقون، أحسّ المحافظون بعدم الحاجة للدفاع عن مقعد برلماني آمن ومضمون. لذلك، لم يولوا الحملة الانتخابية ما تستحق من موارد مالية وبشرية واهتمام واجب. ولم ينتبهوا من غفوتهم إلا في وقت متأخر، وعلى بعد أيام قليلة من اليوم المقرر للتصويت، وبعد وصول العديد من التقارير إلى غرفة العمليات في الحزب بإمكانية وقوع الدائرة في أيدي الأحرار الديمقراطيين، إلا أن ذلك الاستنفار العاجل لم يمنع سقوط أو اختفاء جوهرة ثمينة من تاج المحافظين، ترك مرارة في حلوقهم.
الانتخابات الثانوية (By – elections) تجرى لدى استقالة أو موت نائب برلماني خلال دورة برلمانية، وتتنافس فيها جميع الأحزاب للفوز بالمقعد الشاغر. وخسارة حزب حاكم لمقعد في انتخابات ثانوية أمر معهود ومتوقع، وليس جديداً على الساحة البريطانية أو غيرها. وحين يحدث، يعزو السياسيون في الحزب الحاكم الخسارة إلى ردة فعل الناخبين على سير برنامج الحكومة، وبما يشبه رسالة تحذير، ومؤكدين أن الدائرة ستعود إلى أحضانهم في الانتخابات النيابية التالية. لكن خصومهم، من الحزب الفائز بالدائرة، كثيراً ما يعزون فوزهم بالمقعد إلى تغيير في اتجاه الرياح لصالحهم سياسياً، تسبب في ارتفاع أسهم شعبية الحزب. وما حدث مؤخراً في «تشيشام وامرشام» خرج عن نطاق ذلك الطوق التقليدي من التفسيرات. وحمل في طياته إشارات عديدة غير مريحة، تتضمن تهديداً للعديد من النواب المحافظين في نطاق الجدار الأزرق الجنوبي. التقارير الإعلامية أشارت إلى ما صدر عن مراكز الرصد والبحث السياسي من دراسات تؤكد أغلبها على احتمال سقوط 23 دائرة انتخابية، معظمها داخل الجدار الأزرق، في أيدي حزب الأحرار الديمقراطيين. ومن ضمنها دوائر انتخابية يشغل مقاعدها وزراء كبار في الحكومة الحالية، منهم وزير الخارجية دومينيك راب. والأسباب عديدة، ومن ضمنها أن الحُمّى التي اعترت مؤخراً قيادة حزب المحافظين لاختراق مدن الجدار الأحمر العمالي الشمالية، جاءت على حساب تجاهل أنصارهم في الجنوب، وعدم الإنصات إلى آرائهم وشكواهم، الأمر الذي أثار استياءهم. وأن توجهات حكومة السيد جونسون الشعبوية أفقدت الحزب تضامن أنصاره التقليديين. مضافاً إلى ذلك غياب الحذر لدى الحكومة فيما يتعلق بالإنفاق المالي، وبشكل يتعارض مع تاريخ الحزب وسمعته في هذا الخصوص.
نفس التقارير أوضحت أن أكثر من 50 نائباً محافظاً شكلوا تحالفاً فيما بينهم بغرض الضغط على حكومة السيد جونسون لإحداث تغييرات في برنامجها الإسكاني في مناطق الجنوب الإنجليزي، ومهددين بالتصويت ضد الحكومة في حالة عدم قيامها بذلك.
لكن الحكومة، حتى الآن، لا يبدو أنها في مزاج يقبل بتقديم تنازلات على مشروع إسكاني ضخم، يقع في المركز من برنامجها الانتخابي الذي وعدت به الناخبين.

شاهد أيضاً

أحلام مقتدى الصّدر وأوهام مناصريه

بقلم: فاروق يوسف- النهار العربيالشرق اليوم– عندما يُشفى العراقيون من عقدة اسمها مقتدى الصدر يكون …