الرئيسية / مقالات رأي / Project Syndicate: ثوار بايدن لمكافحة الاحتكار

Project Syndicate: ثوار بايدن لمكافحة الاحتكار

الشرق اليوم- كان مصدر القلق الرئيس في القرن التاسع عشر بشأن الاحتكارات هو أنها مارست الكثير من السلطة السياسية، وإذا أعطيتها قيمة على قدر حجمها، فربما لن تفعل ذلك، مما يسمح للديموقراطية بالازدهار، وإن قانون مكافحة الاحتكار هو الأداة الوحيدة الموجودة في قانون الولايات المتحدة لتحويل شركة كبرى لديها الكثير من القوة إلى مجموعة من الشركات الصغرى التي تفتقر إليها.

مع تعيين المناصرة البارزة لمكافحة الاحتكار، لينا خان، في منصب الرئيس الجديد للجنة التجارة الفدرالية، حان الوقت للنظر في التأثير الذي ستحدثه حركة من يطلق عليهم اسم، “البرانديزيون الجدد”، على قانون الولايات المتحدة الأميركية لمكافحة الاحتكار، وخان هي شخصية بارزة في تلك الحركة. ويشغل تيم وو، داعم بارز آخر للحركة، منصب عضو في المجلس الاقتصادي الوطني للرئيس جو بايدن، وبحجة أن قانون مكافحة الاحتكار وإنفاذ القانون ضعيفان جداً ويفتقران للفعالية، فإن أعضاء حركة “البرانديزيون الجدد”، الذين سُموا باسم قاضي المحكمة العليا الأميركية لويس برانديز، أكثر انفتاحا على تفكيك الاحتكارات من خبراء مكافحة الاحتكار التقليديين.

وحتى قبل أن يحقق أتباع برانديز الجدد مكانة بارزة، كان هناك إجماع متزايد على أن المحاكم الأمريكية والهيئات التنظيمية لا تطبق قانون مكافحة الاحتكار بقوة كما ينبغي، وقد أدت فترة طويلة من التراخي في التطبيق إلى زيادة تركيز الأسواق، وارتفاع أسعار المستهلكين وأرباح الشركات، ويتمثل الحل الجزئي في منح المنظمين مزيدا من الموارد، وتعزيز المعايير التي يستخدمها المنظمون للموافقة على عمليات اندماج الشركات الكبرى، ويقترح مشروع قانون برعاية السيناتور، آمي كلوبوشار، من مينيسوتا، القيام بذلك بالضبط.

ولكن بغض النظر عن دعم هذه الإجراءات البسيطة، فإن الإجماع بين خبراء مكافحة الاحتكار يتلاشى، إذ يتخذ الجدل بينهم شكل نقاش بين التكنوقراطيين من الوسط أو يسار الوسط الذين يكتفون بتخصيص المزيد من موارد الإنفاذ ورفع معايير الاندماج، وبين البرانديزيين الجدد الذين يسعون إلى المزيد. (يبدو أن اليمين يجلس على الهامش، ولا يفعل سوى التذمر من أن شركات التكنولوجيا الكبرى تميز ضد الجمهوريين).

ومن جانبهم، يلتزم التكنوقراطيون بالتحليل التقليدي لمكافحة الاحتكار، الذي يوازن بين مزايا المنافسة في السوق ومزايا الحجم، وهم يعتقدون أنه ينبغي السماح للشركات بالنمو من خلال تقديم منتجات وخدمات فائقة الجودة، حتى لو انتهى بها الأمر بالسيطرة على الأسواق، ويجب السماح بعمليات الاندماج طالما أنها تولد وفورات الحجم التي تفوق التأثيرات المانعة للمنافسة.

ويستمد “البرانديزون الجدد” إلهامهم من التحريض المناهض للاحتكار في العصر الزائف، إذ لم يكن الشعبويون في أواخر القرن التاسع عشر والتقدميون في القرن العشرين مثل “برانديز” مهتمين في المقام الأول بالكفاءة، ولم يميزوا بعناية بين آثار الاحتكار على الأسعار والأجور، والمنافسة، والمتغيرات الاقتصادية الأخرى، وكانت حجتهم هي أن (البارونات اللصوص)- مثل إمبراطور النفط جون دي روكفلر، وإمبراطور الصلب أندرو كارنيغي- وشركاتهم كانت ببساطة قوية جداً، وكانت قوتهم السياسية والاقتصادية تتعارض مع الحكم الذاتي الديموقراطي، وكانت هذه المشكلة من المفترض أن يحلها قانون مكافحة الاحتكار.

وتعتبر شركات التكنولوجيا الكبرى مركز الاهتمام في الجدل الجديد حول مكافحة الاحتكار، وعندما ينظر التكنوقراطيون إلى هذا القطاع، فإنهم يرون شركات تقدم منتجات وخدمات فائقة الجودة بأسعار منخفضة، أو حتى بدون أي سعر على الإطلاق، ويمكن التعامل مع الممارسات التجارية التي تثير مخاوف بشأن مكافحة الاحتكار بموجب المعايير السائدة، ويجب عدم إدانتها إلا بعد إثبات أنها ترفع الأسعار على الرغم من المظاهر، ولكن البرانديزيين الجدد يرون تكرار احتكار العصر الزائف، ويصرون على أنه رغم أن الأضرار لا يتم ملاحظها من خلال تحليل مكافحة الاحتكار التقليدي، فإنها مثل أضرار ذلك العصر.

إن أحد هذه الأضرار هو التدخل السياسي، إذ لم تعد الاحتكارات تقدم الرشا للمشرعين كما فعلت في القرن التاسع عشر، ولكن من الواضح أن شركات التكنولوجيا الكبرى تمارس تأثيرا كبيرا على السياسة الأميركية،

ولا يزال الديموقراطيون غاضبين من أن الروس استخدموا فيسبوك لنشر معلومات مضللة قبل انتخابات عام 2016، في حين يشتكي الجمهوريون من أن “فيسبوك” و”تويتر” طردا دونالد ترامب من منصتيهما، وحسب نظرتك للأمور، فمنصة يوتيوب إما تنشر نظريات المؤامرة أو تفرض الرقابة على المعارضة السياسية المشروعة.

وهناك مصدر قلق آخر والذي يتمثل في الظلم المتصوَر، إذ توفر “غوغل” نتائج البحث التي تتضمن قوائم بالمنتجات والخدمات المملوكة لشركة غوغل، ويبيع متجر تطبيقات أبل التي تتنافس مع تطبيقات الطرف الثالث، ويجادل النقاد بأن هذه الشركات وغيرها تستفيد من المعلومات التي تحصل عليها من المنافسين الذين يستخدمون منصاتها لمنح منتجاتهم وخدماتهم ميزة تنافسية.

وهناك مشكلة أخرى تتمثل في فقدان استقلالية المستهلك، والتي تنبع من حقيقة أن شركات التكنولوجيا الكبرى تعرف كل شيء عنا، بما في ذلك عادات التسوق لدينا، وسجلات البحوثات السابقة، وسجلاتنا الطبية، واتصالاتنا الشخصية، ولم يسبق أن عُرف الكثير عن هذا العدد الكبير من الناس، وفي البلدان الاستبدادية، تتقاسم الشركات هذه المعلومات مع الحكومة، ولا يحدث هذا كثيرا في الولايات المتحدة؛ لكن الشركات هناك تتقاسم المعلومات مع شركات أخرى، وغالبا ما تقع في أيدي المتسللين وغيرهم من الجهات الفاعلة السيئة، والأسوأ من ذلك، أن بعض شركات التكنولوجيا استخدمت براعتها الهندسية ومعرفتها النفسية لإدمان المستخدمين والتلاعب بهم.

وأخيرا، يُنظر إلى شركات التكنولوجيا الكبرى على أنها تهديد لاقتصاد الإنترنت المتنوع والمركب، وكثير من الناس يأسفون على فقدان العروض الفريدة على الإنترنت، والتي حلت محلها الثقافات الأحادية المملة لـ”فيسبوك”، و”غوغل”، و”آبل”، وتساعد مفاجأة هذا التغيير في تفسير سبب انزعاج الناس في وقت سابق عندما انتقلت شركة “وول مارت” ودمرت العديد من مناطق التسوق المركزية في البلدات الصغيرة، ورغم انخفاض الأسعار، اختفى نظام بيئي تجاري محلي فريد من نوعه، ويحظى بالقبول في الكثير من الأحيان، والآن، تستثمر العديد من البلدات أموال دافعي الضرائب في جهود تنشيط وسط المدينة، باستخدام الأموال العامة لإعادة خلق وسائل الراحة التي يقدرها عامة الناس والتي دمرها السوق.

وعلى هذا الأساس، يجادل خبراء الاقتصاد التقليديون بأن مكافحة الاحتكار- وهي مجال تقني في القانون يهتم بالكفاءة الاقتصادية- ليس هو الحل، ويتم التعامل بصورة أفضل مع التهديدات التي تتعرض لها المدن الصغرى أو القيم الديموقراطية والاقتصادية الأكبر من خلال قوانين تمويل الحملات، وقوانين تقسيم المناطق، وأنظمة الصحة والسلامة، وما إلى ذلك، وهناك الكثير من الحس السليم لهذا الرأي، فإذا استبدلنا قانون مكافحة الاحتكار بحكم شامل بشأن الأمور الجيدة والسيئة التي قد تفعلها أي شركة كبرى، فستتعثر الهيئات التنظيمية والمحاكم، وستتدخل الاعتبارات السياسية، وسيكون من الأفضل معالجة مشاكل سوق التكنولوجيا بإصلاح تشريعي واضح المعالم.

ولكن “البرانديزيين الجدد” قد يردون بالإشارة إلى أن الشركات الكبرى يمكنها استخدام قوتها السياسية لعرقلة تلك الإصلاحات ذاتها، فعلى أي حال، عارض عمالقة التكنولوجيا بالفعل حماية الخصوصية والبيانات، ولن يكون لقوانين خطاب الشركات أي تأثير طالما أن هذا الأخير بحماية سوابق المحكمة العليا الحالية. تذكر أن مصدر القلق الرئيس في القرن التاسع عشر بشأن الاحتكارات هو أنها مارست الكثير من السلطة السياسية، وإذا أعطيتها قيمة على قدر حجمها، فربما لن تفعل ذلك، مما يسمح للديموقراطية بالازدهار، وإن قانون مكافحة الاحتكار هو الأداة الوحيدة الموجودة في قانون الولايات المتحدة لتحويل شركة كبرى لديها الكثير من القوة إلى مجموعة من الشركات الصغرى التي تفتقر إليها.

شاهد أيضاً

إنصاف «الأونروا»

بقلم: وليد عثمان – صحيفة الخليج الشرق اليوم- لم تكن براءة وكالة الأمم المتحدة لغوث …