الرئيسية / مقالات رأي / في إندونيسيا.. النمو الاقتصادي مرهون باللقاحات

في إندونيسيا.. النمو الاقتصادي مرهون باللقاحات

بقلم: عبد الله المدني – صحيفة “البيان”

الشرق اليوم – تصريح قصير أطلقه مسؤول إندونيسي مقرب من وزيرة المالية سري مولياني اندراواتي، أخيراً عبر الإنترنت، أطاح بكل آمال مواطنيه لجهة تعافي اقتصاد البلاد وعودته إلى مسار النمو سريعاً. ما قاله المسؤول لم يكن سوى عبارة «لا لقاحات، لا انتعاش اقتصادي». لكن أين تكمن المشكلة؟
الإجابة ببساطة تكمن في جائحة «كورونا» التي كانت إندونيسيا، وما زالت إحدى ضحاياها الكثر.
فإذا ما فصلنا نجد أنه بحلول مايو المنصرم كان نحو 15 مليون مواطن قد تلقوا الجرعة الأولى من اللقاحات المتوفرة ضد «كورونا»، ونحو عشرة ملايين آخرين قد تم تطعيمهم بالجرعتين، بينما تبدو خطط الحكومة لتطعيم ملايين أخرى من السكان البالغ تعدادهم 276.3 مليون نسمة خلال الأشهر الـ 12 المقبلة مشكوكة التنفيذ، بسبب تأخّر وصول شحنات اللقاح، علماً أن جاكرتا طوّرت نظام تطعيم ثنائي المسار تقدم بموجبه لقاحي «أسترازينيكا» و«سينوفاك» لكبار السن وموظفي الدولة والعاملين في القطاع الصحي مجاناً، وبمقابل للآخرين.
كما أنها أطلقت برنامجاً ممولاً ذاتياً من قبل الشركات لتلقيح موظفيها بلقاح «سينوفارم» الصيني الذي توفره الحكومة (شاركت 23 ألف شركة يعمل بها عشرة ملايين شخص في هذا البرنامج).
وعلى الرغم من أن أوضاع إندونيسيا الوبائية لم تصل إلى مستوى الحالة الهندية الخطيرة، إلا أن الإحصائيات الصحية الرسمية تقول إن معدل الإصابات اليومية يتراوح حالياً ما بين خمسة وستة آلاف (كان قبل أشهر قليلة ما بين 10000 و14000) مع متوسط 170 حالة وفاة يومياً، وأن البلاد سجلت 81 حالة وفاة لكل مليون، (أعلى نسبة في منطقة جنوب شرق آسيا بعد الفلبين).
أما البيانات الاقتصادية الرسمية فتشير إلى أن اقتصاد البلاد المنهك أصلاً، والذي يُعد الاستهلاك المحلي محرّكه الأساسي، تأثّر بالجائحة كثيراً العام الماضي، مع تحسّن طفيف هذا العام كنتيجة لزيادة الإنفاق الحكومي، وتحسّن أداء قطاع الصادرات نسبياً (خصوصاً صادرات زيت النخيل ولب الورق والسلع المعدنية إلى الصين والولايات المتحدة)، ناهيك عن سياسة الحكومة بعدم فرض الإغلاق الشامل، خشية حدوث اضطرابات اجتماعية ومعيشية.
وحينما نقارن الأرقام السابقة بأحوال شريكات إندونيسيا في منظومة آسيان، نجد أن إندونيسيا أفضل حالاً من الأخريات لجهة نسبة الانكماش الاقتصادي. فاقتصادها انكمش في ظل الجائحة بنسب %2.1، بينما انكمش الاقتصاد التايلاندي مثلاً بنسبة %6.1، والماليزي بنسبة %5.6، والفلبيني بنسبة %9.5، علماً أن الاقتصاد الفيتنامي وحده حقق نمواً نسبته 2.9%.
وعند البحث عن أكثر القطاعات الاقتصادية المتضررة في إندونيسيا جراء انتشار الوباء، نجد أنه قطاع السياحة وما يرتبط به من قطاعات كالنقل والترفيه والفنادق يليه قطاعات العقارات، والتصنيع، والتجزئة، فيما استفادت من «كورونا» قطاعات الاتصالات والطعام والترفيه المنزلي.
لكن إندونيسيا ليست أفضل حالاً من جاراتها لجهة اختبارات فيروس «كورونا». ففيها وصل الفحص إلى حوالي 40 فقط لكل ألف شخص، مقارنة بحوالي 115 في الفلبين، و375 في ماليزيا، وأكثر من 2000 في سنغافورة.
غير أن هناك من المراقبين من يقول إن الحالة الحقيقية للجائحة وتداعياتها في إندونيسيا غامضة ومقلقة خصوصاً مع ظهور السلالات المتحورة منها، زاعماً أن الأرقام الرسمية للمصابين والوفيات الخاصة بكورونا متضاربة ومشكوك فيها، وأنها أعلى بكثير بسبب اتساع رقعة البلاد وترهّل الخدمات الصحية وسوء وسائل الإبلاغ وإعداد قوائم الضحايا.
ومن جهة أخرى، يُعزي هؤلاء أسباب نقص اللقاحات وبطء عمليات التطعيم إلى تجاوزات، مشيرين في هذا السياق إلى تقديم رشاوى للحصول على التطعيم، والقبض على عدد من موظفي الخدمة المدنية في مايو المنصرم لقيامهم بسرقة لقاحات معدة للسجناء وبيعها للجمهور. هذا ناهيك عن أمر أدهى هو أن وزيراً سابقاً متهم بتلقي 17 مليار روبية مقابل لقاحات كانت مخصصة للفقراء.
وملخص القول إن هناك الكثير مما يتوجب على جاكرتا عمله للعودة إلى مسار الانتعاش الاقتصادي. وهذه العودة تعتمد بصورة رئيسة على وتيرة التطعيم والتوسع فيه والتي تعتمد بدورها على توفير لقاحات جيدة وفعّالة، بدلاً من التخبّط بين هذا اللقاح أو ذاك أو الإصرار على لقاح معين لدوافع سياسية أو اقتصادية.
وبالتزامن مع ذلك لا بد من التربّص بالفاسدين وإطلاق سياسات مالية ونقدية داعمة لتعويض المواطنين والشركات عن خسائرهم، وبما يطلق شهية الفئة الأولى في الإنفاق، وشهية الفئة الثانية في التوسّع.

شاهد أيضاً

سوريا وروسيا.. الفرص الناشئة

بقلم: عبدالحميد توفيق- العينالشرق اليوم– تدرك موسكو أن سوريا تشكل أحد التحديات الاستراتيجية المهمة التي …