الرئيسية / مقالات رأي / كانت قمة السبع عرضاً… أما “كوب 26” فيجب أن تكون مختلفة

كانت قمة السبع عرضاً… أما “كوب 26” فيجب أن تكون مختلفة

بقلم: سلمى شاه – اندبندنت عربية

الشرق اليوم– تواصلت الاستعدادات على امتداد أشهر عدة لعقد “قمة السبع” في خليج كاربيس في كورنوال (جنوب غربي إنجلترا)، وهي كانت أول اجتماع كبير لقادة العالم الديمقراطي في مرحلة ما بعد الإغلاقات التي فرضتها جائحة كورونا. لا بد من أن الاعتبارات المتعلقة بمقار إقامة الزعماء وبالطعام الذي سيتناولونه والمواضيع التي سيناقشونها كانت موضع درس وتمحيص بأدق التفاصيل، وهذه المناسبة كانت مهمة للغاية حتى في نظر الطقس البريطاني الجامح عادة، الذي بدا لائقاً يومها وغمر ساحل كورنوال بالضياء والدفء.

 لا شيء يضاهي مناظر الزيارات الرسمية ووقائعها للاستمتاع والترفيه عن النفس، ولقد تأملنا جميعاً ما كان يجري وانهمكنا بتقويم أثواب الزوجات، كما طاب لنا أن نتابع التعليقات الجانبية الخبيثة التي دارت وراء الأبواب المغلقة وسُربت لفرق الصحافيين المتعطشين لها، ممن ترصدوا الحضور وتسابقوا على اقتناص خبر لافت.

من ناحيتها، رأت جلالة الملكة أنه كان من المناسب أن تلوح أمام الحضور بسيف، ولو أنها قد استعانت به لقطع كعكة كبيرة، مما أثبت بشكل لا يدع مجالاً للشك أنها تقدّر المسرح جيداً، وتدرك أن نجاح عرض ما يتطلب إبقاء الجمهور سعيداً.

 وعلى الرغم من مواعيد التقاط الصور التذكارية والاهتمام العالمي بوقائع القمة، فإن سؤالاً بسيطاً يعلق في البال وهو، هل تخدم اجتماعات كهذه أغراضاً مفيدة وهل ترتجى منها فائدة؟ أم أن قمة السبع واجتماعات الزعماء المماثلة هي أقرب إلى المشهد الذي يُعرض أمام أنظارنا للفرجة وحسب منها إلى المناسبة الخاصة؟ كان ذلك سؤالاً طرحه علي الإعلامي أدريان تشيليس يوم الجمعة الماضي في سياق برنامجه الذي يبث بثاً حياً على “راديو5” التابع لـهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، وكان رد فعلي الفوري عبارة عن تأييد صاخب لهذه القمم، لكن لدى تأمل الأمر بعناية تبدو العملية التي تنطوي عليها تلك المناسبات عتيقة وباهتة.

كل ما يتخلل القمة من اتصالات ومباحثات دبلوماسية وجداول أعمال تكون قد أُقرت سلفاً على يد الأطراف المعنية، وجرى التدرب عليها سلفاً بدقة متناهية، أما البيانات الرسمية اللطيفة فهي الأخرى أُعدت لتكون عالية المستوى، عامة ومسالمة إلى حد بعيد. إذاً، كيف تتم المناقشات الحقيقية؟ وكيف تكون التعهدات الصادرة عن اجتماعات قمة كهذه قابلة للمساءلة، إذا لزم الأمر؟

أثارت قمة السبع اهتمام العالم قبل انعقادها بادئ الأمر بالإعلان عن اتفاق حول ضريبة عالمية تضمن وجود حد أدنى للضرائب التي تدفعها الشركات المتعددة الجنسية في الدول حيث تعمل، وإضافة إلى ذلك كانت هناك أنباء سارة حول إمدادات اللقاح العالمية، بيد أن البعض أعربوا عن اعتقادهم بأن التزام القمة بتوفير مليار جرعة للدول الأشد فقراً حول العالم لم يكن سخياً بما يكفي لسد حاجة تلك الدول.

لقد فشلت القمة في الارتقاء إلى مستوى وعدها المبكر أو إلى ما جاء في خطابها الذي تلا ذلك الوعد. لقد علمنا بأن كل واحد من المشاركين كان يعمل على أساس استراتيجية “التقليل من المخاطر” في أعقاب كوراث مستقبلية، والمدهش أن هذا العمل كان يتم بطريقة أكثر “أنثوية وحيادية على المستوى الجندري” [حيادية لا تميز بين أدوار الجنسين]، بيد أن المخرجات تُركت للتكهنات ولم يجر الحديث عن نتائج محددة وعن كيفية تحقيقها، لذا يحق لنا أن نتساءل كيف يمكننا أن نقيس بالضبط أنثوية تعافينا؟ وهل سيكون هناك رسم بياني في القمة المقبلة يوضح ذلك؟ ومن الممكن أن يخبرونا قريباً بأن ما نطوره سيكون أفضل بكثير؟ وقد نسمع أكثر من ذلك، فالكلام الذي لا طائل منه لا ينتهي أبداً.

ولا ننسى أيضاً عمليات حرف الأنظار التي تتم بطريقة دبلوماسية، مثل “حرب النقانق” التي سادت النقاش، مع أنها لم تكن مدرجة على جدول أعمال القمة. وأُفيد بأن الزعماء الأوروبين اشتكوا من اضطرارهم إلى صرف بعض الوقت في مناقشة قضايا سياسية مباشرة تتعلق باتفاق كانوا أبرموه سلفاً، بدلاً من تكريس وقتهم للتداول في شأن الأعمال الحسنة بعيدة الأمد التي كانوا يأملون بتحقيقها.

بطبيعة الحال، واجهت الدول السبع المشاركة، وهي الأكثر تقدماً من النواحي الاقتصادية في العالم، تحديات وجودية بسبب تفشي “كوفيد-19” الذي أدى أيضاً إلى توترات على مستوى العالم، واختبار مدى تحمل نُظمنا للضغوط إلى أقصى الحدود. ومما لاشك فيه، في مرحلة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وما بعد ترمب، أن يكون التعاون الدولي مع أكثر حلفائنا أهمية من أولوياتنا الرئيسة، لكن شرط أن يكون تعاوناً هادفاً ومجدياً، فالعالم يتطلع إلى الدول الأكثر ثراء كي توفر له حلولاً عملية وغايات ينبغي بلوغها، وليس لتأخذ بيده على طريق الأخلاق القويمة، فهناك مشكلات فورية يجب أن تعالج الآن.

لقد لمسنا وجود زخم حقيقي في قمة السبع الأخيرة بما يتعلق بحماية التنوع البيولوجي، إذ كانت هناك إجراءات وأهداف واضحة، لكن يتوجب بنا أن نعرف متى ستتحقق. علينا أن نتعلم الدروس من قمة السبع لضمان أن تتمتع قضايا البيئة في مؤتمر التغير المناخي “كوب 26 “، المقرر عقده في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، بأهداف محددة قابلة للقياس، ويجب أن تكون الإجراءات بهذا الخصوص حقيقية، ويجدر بنا أن نحمّل جميعاً القادة المشاركين في قمة السبع الأخيرة مسؤولية تنفيذ الوعود التي قطعوها على أنفسهم، ليس فقط حين تكون تلك التعهدات مناسبة لهم سياسياً، أو لأنهم أطلقوها في وقت كانوا يحتاجون فيه إلى كلمة إيجابية في نهاية المناسبة السعيدة.

الدبلوماسية الشخصية التي تتم وجهاً لوجه مهمة، ولئن صار الحدث في حد ذاته أقرب إلى نشاط يتطلب كثيراً من الجهد، فإن النيات التي تكمن وراءه حقيقية ولا تتعلق بالشكليات، ولا بد من أن آلاف الأشخاص انهمكوا وراء الكواليس في درس التفاصيل كلها، ومحاولة للوصول إلى نتائج وإحراز تقدم على طريق البحث عن الحلول اللازمة لمعالجة بعض أكثر التحديات التي يواجهها العالم تعقيداً. علينا فقط أن نضمن أن هذه التعهدات تبقى مُلزمة لمدة أطول من نهاية الأسبوع التي شهدت إطلاقها.

شاهد أيضاً

الأمل المستحيل لإسرائيل

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عندما يطرح مركز بحوث أمريكي مؤيد دائماً …