الرئيسية / مقالات رأي / حجب فيسبوك لترامب.. نقاش أكثر تكاملا

حجب فيسبوك لترامب.. نقاش أكثر تكاملا

بقلم: السفير محمد بدر الدين زايد – المصري اليوم

الشرق اليوم– لا أظن أن من تابع كتاباتي هنا، وفي مواضع أخرى بشأن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب منذ فوزه بالانتخابات نهاية عام 2016، وحتى مغادرته للبيت البيض، يناير الماضي، بشكل درامي مسيء لبلاده، لا يخالجه أدنى شك بشأن تحفظاتي العديدة تجاه هذا الرجل وما يمثله من دلالات وقيم جزء من المجتمع الأمريكي، يمثل معاني العنصرية والعنف والأنانية، كما أنني لا أجد في قرار فيسبوك، بحجبه سنتين لأنه ينشر رسائل تحض على الكراهية والعنف، أن القرار في ذاته خطأ، لكن ما هو خطأ أكبر من هذا بكثير، هو أن فيسبوك تمتلك هذا القرار حصريا، وقامت مؤخرا بحجب رسائل فلسطينية وغير فلسطينية متعاطفة مع الحق الفلسطيني، وكأنها نصبت نفسها حكومة فوق الحكومات أو حكومة عالمية تقرر ما هو خطأ وما هو صواب، وما هي أسس ذلك، وما هي المعايير، ومن سيفوض العالم لإدارة هذه المنظومة الهائلة، ولماذا تمتلك الشركة هذا الحق، وهي بالنهاية شركة، خاصة أن خلفها دولة نعرفها- وبمؤسساتها- وليس واضحا حجم علاقتها بهذه الشركة في إدارة تفاعلاتها المختلفة.

وربما كان يجب أن أبدأ من قيام فيسبوك وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي بحجب رسائل فلسطينية أو كاشفة للانتهاكات الإسرائيلية والدلالات التي يمثلها هذا، ويقال إنها قرابة مائتي رسالة، ولست في الحقيقة على معرفة بمضمون هذه الرسائل التي حجبت وأي لغة استخدمت، وهل كانت تتضمن تجاوزات من أي نوع، فهذه أسئلة ضرورية للمعالجة الموضوعية لهذه المسالة برمتها، ولكن الوقائع تتحدث عن نفسها، فمسلسل الحرب الأخيرة معروف، ومن السهل تتبعه ومعرفة تفاصيله والتجاوزات الإسرائيلية التي بدأت في حي الشيخ جراح والتي تواصلت بعد الهدنة بدرجات مختلفة يمكن، بل يجب، رصدها أيضا كتعبير عن رسالة الكراهية والعنصرية والعنف الإسرائيلية التي تجاهلتها فيسبوك، ربما مؤكد أنها تفوق رسائل ترامب، كما أنها تصدر من نفس المنظومة الفكرية لترامب، ومن ثم أصدق فيسبوك أكثر إذا وجدنا أنها تتبنى في هذه القضية نفس ما طبقته بالنسبة لترامب، هل سمحت بالرسائل الهادئة الكاشفة أم لم يحدث هذا، وبالمناسبة وفقا لما هو معلن فإن قواعد فيسبوك تشمل أي سياسات تحض على الكراهية والأخبار الكاذبة، وصحب هذا الحجب أمر لا يقل خطورة، وهو إعلان الشركة عن إنشاء مركز فلسطيني- إسرائيلي لمراقبة المسائل، ويتردد أيضا أن نائب رئيس الشركة، وهو وزير وسياسي بريطاني سابق ومعروف، يتولى حاليا استراتيجية لتحسين الصورة الذهنية بشأن رئيس الشركة ومؤسسها روزنبرج، وأنهم قلقون من تزايد الانتقادات للشركة قبل المسألة الفلسطينية وبشكل خاص بعدها.

وهنا أنتقل إلى مسألة جوهرية، وهو أنه يفترض أن التنظيم الدولي المحيط بالأمم المتحدة ومؤسساتها هو بمثابة الفكرة العالمية التي لم تتحقق، كما نعلم جميعا، وأن ما حققته من مظاهر نجاح في كثير من الملفات يقابله الكثير من الإخفاق، وحتى فيما يتعلق بأهم مهامها، وهي حفظ السلم والأمن الدوليين، فقد نجحت في كثير من هذه المهام وأخفقت في عدد أكبر، وفي ظل نظام التحولات الدولية والسيولة الراهنة تعانى حاليا من إخفاق شبه كامل في هذا الملف الأكثر أهمية للعالم، وفى المرافق الدولية العديدة، كالتغير المناخي أو الصحة وغيرهما، تسير بشكل متعرج من إخفاق ونجاحات نسبية. والآن نحن أمام مرفق دولي بالغ الأهمية، وهو وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح أخطر وأكثر الأدوات انتشارا في كل العالم، ونحن هنا لا نجادل في أن أفرادا أذكياء، وربما حتى عباقرة أسسوا هذا المرفق الخطير، وأنشأوا منظومة عبقرية جعلتهم على قمة الثروة في العالم ولا توجد منافسة تذكر لهم إلا من الصين، يصبح السؤال إذن: فلنسلم لهم بالثروة ولكن كيف وبعد أن أصبحوا حكومة فوق الحكومات- ما عدا الأمريكية طبعا- أن نسلم لهم بهذه السلطة التي لم يتمتع بها أحد في تاريخ البشرية سابقا، ولا التنظيم الدولي في أي مرحلة، كيف يمكن الاستمرار في هذه المنظومة الخطيرة دون نقاش عالمي جاد وموضوعي، والمشهد كاشف بإنشاء لجان وحتى لو عينت أفضل العقول وأنزهها لهذه المهمة الخطيرة، ما الذى يمكن أن يحدث لو تسلم هذه المهمة أشخاص ذوو توجهات خاصة حتى بعد عقود من الآن، هذا بفرض أن من يجلس الآن ويسيطر هو النزيه والموضوعي، وهى مسألة مشكوك فيها في ضوء المسألة الفلسطينية.

في جميع الأحوال أتصور أن المسألة تستحق مبادرة خاصة من الدبلوماسية المصرية، بالتعاون مع جيش الخبراء لدينا فى مجال الاتصالات ومجال القانون الدولي، لطرح رؤى وأفكار لحوار عالمي خلاق حول تشكيل مجالس الرقابة ومبادئها وآلياتها وكيفية التحسب لمستقبل شديد التعقيد، وأن نقود هذه الفكرة بدرجة عالية من الانفتاح وبعد النظر لاستشراف عالم لايزال يتشكل وإن كان هذا بسرعة غير مسبوقة في التاريخ.

شاهد أيضاً

روسيا التي لا تساند أحداً… علاقة غير عادلة مع إيران

بقلم: يوسف بدر – النهار العربي الشرق اليوم– في مقالته في صحيفة “وول ستريت جورنال” …