الرئيسية / مقالات رأي / في القرن العشرين وما بعده

في القرن العشرين وما بعده

بقلم: محمد نورالدين – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – غالباً ما يُفصل بين مؤرخي الأحداث التاريخية وبين مفلسفيها. وعلى الرغم من حاجة كل مؤرخ إلى أن يكون فيلسوفاً بمعنى ما، فإن من اصطفوا أنفسهم ليكونوا فلاسفة تاريخ هم غير المؤرخين إجمالاً.
الطبري، وابن كثير، وابن مسعود، وابن الأثير، والجبرتي، كانوا مؤرخين كباراً، لكن أحداً منهم لم ينسب لنفسه أنه يفلسف التاريخ ويضع أطراً وقواعد لكتابته. وحده عبدالرحمن ابن خلدون يعتبر أب الفلسفة التاريخية التي لا تزال تدرّس في أرقى الجامعات في العالم، ومفلسفَ الأحداث، ومنظراً لها، وواضع قوانين لها، في وقت يؤخذ على ابن خلدون أنه مؤرخ فاشل، حيث لم تنطبق القواعد التي وضعها في تفسير التاريخ وكتابته على ما كان يكتبه، ويمكن تعليل ذلك بأنه وضع مقدمته الشهيرة على كِبر، وبعدما كان أنهى معظم كتاباته التاريخية للأحداث. لذا نجد المؤرخين كثراً، وفلاسفة التاريخ قلة.
وإذا ما نظرنا كتمرين ذهني وتطبيقي على الحقب التاريخية، فإن المؤرخ والباحث والمتابع لا تخونه ملاحظة أن الأحداث التاريخية متداخلة تتناسل من قرن إلى قرن، وما تحقيب الفترات التاريخية بنسبة كبيرة منها إلا من أجل تسهيل عمل الباحثين ومتابعة القراء للأحداث.
لا شك في أن العصور التاريخية شهدت عدداً هائلاً من الأحداث المفصلية التي تقفز فوراً في البال، وليس أولها نزول الرسالات السماوية التي غيّرت مجرى التاريخ.
لكن لا تفوت المتابع والمؤرخ أن القرن العشرين كان عصراً ازدحمت فيه، دون غيره من القرون، الأحداث الجسام. صحيح أن بعضها انتقل من القرن التاسع عشر، وبعضها الآخر مستمر في القرن الحادي والعشرين، ولكن المجمع عليه أنها حدثت جميعها في القرن العشرين.
أولى هذه الملاحظات، أن هذا القرن شهد المواجهات العسكرية الأكبر في التاريخ، في حربين عالميتين شاركت فيهما تقريباً معظم دول الكرة الأرضية. قد تتصف بعض الحروب في الماضي بكثرة المشاركين فيها، ولكنها كانت تقتصر مثلاً على القارة الأوروبية، أو إفريقيا، أو آسيا. وحدهما الحربان العالميتان، الأولى والثانية، شارك فيهما معظم دول وسكان الكرة. وهذا أمر غير مسبوق في التاريخ. واستطراداً لهذه النقطة فإن العدد الأكبر من القتلى وبعشرات الملايين وقع خلالهما.
وعرف القرن العشرين ظاهرة لم يعرفها أي قرن سابق، وهي انفجار «الثورات» الإيديولوجية الكبرى والمتنوعة والمتناقضة. وإذا كانت الأديان توفر مناسبة لمن يريد الاستغلال للحروب البينية الدينية، فإن الإيديولوجيا، (لا الاقتصاد فقط)، كانت المحرك للكثير من الأحداث في القرن العشرين.
وقد بدأ انفجار الإيديولوجيات مع الثورة البلشفية في عام 1917 في روسيا القيصرية، فكانت الشيوعية إيديولوجيا الثورة. ومن بعدها كان انفجار الإيديولوجيا النازية في ألمانيا وصعود هتلر المخيف. كما رافقتها الإيديولوجيا الفاشية مع موسوليني في إيطاليا، والفرانكوية مع فرانكو في إسبانيا.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بقليل، وفي عام 1948 انفجرت الحركة التوسعية على أرض فلسطين بعدما كانت تراكم نشاطها من نهاية القرن التاسع عشر.
وفي النصف الثاني من القرن العشرين كانت الإيديولوجيا وراء انفجار الثورة الإسلامية في إيران، والحركة الطالبانية في أفغانستان.
وعلى الرغم من انقضاء القرن العشرين، فإن بعضاً من هذه الانفجارات قد خفت، وخمدت، وفي رأسها الشيوعية والفاشية والنازية، لكن نتائج ومضاعفات البعض الآخر لم تغب عن سماء القرن الحادي والعشرين. وفي أبرز هذه الصراعات المستمرة الصراع بين الغرب والشرق، فإذا كان الاتحاد السوفييتي سقط واختفت معه الحرب الباردة، فإن الصراع بين الغرب، ممثلاً في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والشرق ممثلاً في روسيا والصين ومن معهما، مستمر وبقوة. كذلك فإن سيطرة العامل التكنولوجي على طبيعة الحروب القائمة حالياً من أبرز خصائص حروب وصراعات القرن العشرين والمستمرة في القرن الحادي والعشرين.

شاهد أيضاً

بأية حال تعود الانتخابات في أمريكا!

بقلم: سمير التقي – النهار العربي الشرق اليوم- كل ثلاثة او أربعة عقود، وفي سياق …