الرئيسية / مقالات رأي / العراق.. لا سبيل إلا بالعودة عن فتوى الجهاد

العراق.. لا سبيل إلا بالعودة عن فتوى الجهاد

بقلم: حازم الأمين – الحرة

الشرق اليوم- القَتَلة في العراق شفافون. يريدوننا أن نعرف هوياتهم. لا يكترثون لما تخلفه وجوههم المكشوفة بأهل الضحايا من طلبٍ مباشر للعدالة وللاقتصاص، ذاك أن الأخيرة أُمنية مستحيلة في ظل “جمهورية الحشد الشعبي”. 

والدة المختطف سجاد العراقي قالت إن ابنها خُطف من بين أصدقائه، وهؤلاء يعرفون الخاطفون، وأعطوا أسماءهم للأجهزة الأمنية، ومنذ أكثر ثمانية أشهر والأم المكلومة لا تعرف أين ابنها. أهل إيهاب الوزني يعرفون أيضاً من قتل ابنهم وأمه تستغيث وتستغيث وتقول هؤلاء من قتل ابني، وناشطو البصرة نشروا بالأسماء والصور هويات قتلة الناشطين هناك. تحقيقات صحفية حددت تفاصيل الجرائم ورسمت وجوه منفذيها واستقت معلوماتها من الأجهزة الأمنية، والأخيرة صار بحوزتها وثائق كافية لتحدد وتعلن عن الجهات والفصائل التي تقف خلفها!  

اذاً لا جدال حول هوية القَتَلة في العراق، الجدال هو على سياق الجريمة. فالفصائل المسلحة والمشرع سلاحها بقانون صادر عن مجلس النواب، والمحصنة بفتوى “الجهاد” الصادرة عن المرجع علي السيستاني، هي سياق الجريمة. 

والمهمة “الأهلية” لهذا السلاح تندرج ضمن منظومة الوعي الميليشيوي الممتد من لبنان إلى اليمن، مروراً بدمشق وبغداد. والمعارك كلها تخاض على ضفاف هذا الشقاق الناجم عن “المعجزة المشرقية” المتمثلة بتعطيل السلاح العدالة، وحؤوله دون قيام الدولة. الحرس الثوري في إيران ابتلع الجيش هناك وصار المؤسسة صاحبة الأمر والنهي في كل شيء. في السياسة الخارجية وفي الاقتصاد وفي نفوذ طهران الإقليمي وفي البر والبحر. هذا ما صار عليه حال لبنان مع حزب الله، وهو أيضاً طريق العراق نحو دولة ولاية الفقيه!

والحال أن لكل دولة شروطها المختلفة في هضمها ظاهرة السلاح، والعراق قد يمثل ذروة شفافية وظيفة السلاح. فخطاب الحشد انتقل من “محاربة الإرهاب” إلى “سلاح المقاومة”، وهنا علق العراق في فخ “المقاومة”! من هي المقاومة، وما هي مهمتها؟ مقاومة من، ومقاومة ماذا؟ ومن يستطيع أن يقول إن سلاح العصائب ليس سلاحاً مقاوماً، وأن سلاح حزب الله العراقي هو سلاح مقاوم؟ هذه دوامة لا نهاية لها، ولا وظيفة سوى الإبقاء على العراق ساحة مفتوحة للحروب، وحديقة خلفية لدولة ولاية الفقيه. وفي العراق تفصيل آخر هو أن الفصائل المسلحة تمولها الحكومة، أي أن الضحية تدفع ثمن الرصاص الذي تقتل به.

لكن المآسي التي يخلفها السلاح بيد “فصائل المقاومة” لا تقف عند حدود التسليم بقضاء الله وقدره عند كل جريمة، ذاك أن القتل اليومي سيحول العراق إلى بلد الأمهات الثكالى، وصاحب الفتوى سيجد نفسه أمام أصواتهن الصادحة بوجه فتواه. وإذا كانت بعض فصائل العتبات الحشدية قد أعلنت عن حل نفسها واندماجها بالجيش العراقي، فإن هذا مدخلاً لنقاش الفتوى، ذاك أن خطوة هذه الفصائل تؤشر إلى قناعة لدى المرجعية باستنفاد فتوى الجهاد مهمتها بعد هزيمة “داعش”، لكن ثمة شيء يؤخر قرار العودة عن تلك الفتوى، والأرجح أن ما يؤخره ليس سوى ضغط من طهران. وإلا كيف لنا أن نفهم خطوة الفصائل التابعة للعتبات بحل نفسها.

عمليات القتل والخطف الممتدة من البصرة إلى بغداد هي مشهد العراق اليوم، وأي محاولة للمحاسبة ستواجه بانتشار مسلح للفصائل الولائية في قلب بغداد، وتحت أنظار العالم، وفي محيط السفارات الغربية. هذا ليس تفصيلاً، وليس رد فعل غير مخطط له. طهران تريد أن تقول إن سلاح الحشد مقدساً، مثلما قالت إن سلاح حزب الله في لبنان مقدساً. السياسة بالنسبة إليها هي صنو السلاح. والعراق إذا ما أبكر في مقاومة هذا الميل يمتلك فرصة سبق أن بددها لبنان حين تحول السلاح فيه إلى حقيقة ثابتة. الفرصة تتمثل في أن تعود المرجعية عن فتواها وبعدها يمكن تأمين نصاب برلماني للعودة عن قانون الحشد، وبعدها يتم دمج ما يمكن دمجه من الفصائل في الأجهزة الأمنية والعسكرية. 

لا سبيل لنجاة العراق إلا بصدمة يحدثها قرار بالعودة عن فتوى الحشد. الحكومة محاصرة بالفتوى وبقانون الحشد الصادر عن البرلمان، والصدام بين الجيش والفصائل لن يكون محمود النتائج، والخطوات الميدانية التي اتخذها رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي غير كافية لردع القتلة ولمحاسبتهم طالما أنهم محميين في قواعد الحشد وفي جزره الممتدة على مساحة الجغرافيا العراقية وصولاً إلى العمق الإقليمي في سوريا وايران.

وفي هذا الوقت ما على أمهات الضحايا إلا مواصلة الصراخ، علهن يوصلن الصوت إلى النجف فتلتفت إلى حجم الجريمة.      

شاهد أيضاً

إنصاف «الأونروا»

بقلم: وليد عثمان – صحيفة الخليج الشرق اليوم- لم تكن براءة وكالة الأمم المتحدة لغوث …