الرئيسية / مقالات رأي / العلاقات الدولية وذاكرة الشعوب

العلاقات الدولية وذاكرة الشعوب

بقلم: منار الشوربجي – المصري اليوم

الشرق اليوم – رد الفعل الرسمي الأمريكي والأوروبي تجاه ما قامت به بيلاروسيا، مؤخرًا، يمثل مفارقة بالغة الدلالة تجسد حال العلاقات الدولية في عالم اليوم.
والحكاية أن طائرة مدنية كانت في طريقها من اليونان إلى ليتوانيا. وعند المرور بالمجال الجوي لبيلاروسيا تم إجبار الطائرة على الهبوط إذ أخطرتها سلطات المطار بأن هناك قنبلة على متنها. لكن الطائرة لم يكن على متنها قنبلة وإنما كان على متنها صحفي بيلاروسي معارض للنظام، تم اعتقاله فور هبوط الطائرة.
وقد أصدرت مجموعة السبع الكبار ومعها ممثل الاتحاد الأوروبي بيانًا مشتركًا أدان «بشدة» الواقعة «غير المسبوقة»، وأصدر البيت الأبيض بيانًا باسم الرئيس بايدن اعتبرها «عدوانًا مباشرًا على الأعراف الدولية المرعية»، وأعلن أن «كل الخيارات مفتوحة في اتخاذ موقف تجاه بيلاروسيا»، بينما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية عليها.
لكن ماذا لو أن ما جرى مع تلك الطائرة المدنية طال طائرة رئيس دولة من دول العالم؟ وماذا لو أن الدول نفسها التي أدانت بيلاروسيا كانت ضالعة فيما طال تلك الطائرة الرئاسية؟!
ففي عام 2013 كان رئيس بوليفيا، إيفو موراليس، يستقل طائرته الرئاسية عائدًا لبلاده بعد أن حضر مؤتمرًا في روسيا. وقتها تم إجبار الطائرة على الهبوط لمدة 13 ساعة في النمسا بل وتم تفتيشها! والطائرة لم يُسمح لها بالمرور في المجال الجوي لفرنسا والبرتغال وإيطاليا وإسبانيا وأُجبرت على تغيير طريقها للنمسا. وتبين لاحقًا أن الاتحاد الأوروبي كان قد حظر طيرانها عبر مجاله الجوي بطلب أمريكي، لأن الولايات المتحدة ظنت أن إدوارد سنودن، المطلوب أمريكيًا، على متن الطائرة، وهو ما لم يكن صحيحًا.
وإدوارد سنودن هو الأمريكي الخبير في مجال تكنولوجيا المعلومات الذي سرب للصحافة آلاف الوثائق التي تكشف عن تجسس هيئة الأمن القومي الأمريكية بشكل غير قانوني على الملايين من المواطنين الأمريكيين. وقد هرب سنودن لهونج كونج ومنها استقل الطائرة متجهًا للإكوادور ليطلب اللجوء السياسي إليها. لكن الطائرة حين هبطت في موسكو كانت أمريكا قد ألغت جواز سفره فظل بالمطار أيامًا رفضت خلالها 27 دولة طلبه اللجوء السياسي، فاستقر في روسيا.
وكان إيفو موراليس أثناء زيارته المذكورة لروسيا قد أشار إلى أن بلاده ستكون «على استعداد للنظر في الأمر إذا» ما طلب سنودن اللجوء السياسي إليها، فظن الأمريكيون أن مواريس اصطحب معه سنودن عائدًا لبلاده، فكانت النتيجة إجبار الطائرة الرئاسية على الهبوط وتفتيشها. وهو ما شكل اعتداء واضحًا على سيادة دولة بوليفيا.
ولم تأت الإدانة لاحقًا من دولة بوليفيا ومن رئيسها فقط وإنما جاءت بدرجة لا تقل قوة من دول أمريكا اللاتينية التي اعتبرت الواقعة إهانة لدول القارة لا لبوليفيا وحدها. وبينما اعتبرت بعض تلك الدول ما حدث «قرصنة جوية»، اعتبرته أخرى امتدادًا للممارسات «الاستعمارية». واتهمت دول القارة النمسا بخطف الرئيس البوليفي، وطلبت توضيحًا رسميًا من فرنسا وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا، واعتذارًا أوروبيًا.
وقتها أنكر الاتحاد الأوروبي أنه حظر مرور الطائرة في أجوائه. وبينما قال رئيس وزراء إسبانيا: «لقد قيل لنا إن سنودن على متن الطائرة»، رفضت الولايات المتحدة التعليق على دورها بالنفي أو الإيجاب. أما بخصوص الاعتذار فقد غيرت إسبانيا موقفها لتقول إن الأمر كان ببساطة أن الإذن بمرور الطائرة كانت قد انتهت مدته فهبطت ليتم تجديده، وبالتالي «فلا حاجة للاعتذار».
ولا أظن أن واقعة رئيس بوليفيا قد طواها النسيان، على الأقل بالنسبة لشعوب أمريكا اللاتينية.

شاهد أيضاً

طوكيو المثيرة للدَّهشة

بقلم: عبد الرحمن الراشد- العربيةالشرق اليوم– تردَّدت على زيارة اليابان منذ التسعينات، ولا تزال تثير …