الرئيسية / مقالات رأي / Project Syndicate: هل يدوم التعافي؟

Project Syndicate: هل يدوم التعافي؟

الشرق اليوم – يتمثل أحد العوامل المهمة في تشكيل مسار التعافي بطبيعة الحال في أجزاء من العالم التي لا تزال فيها جائحة (كوفيد-19) مستعرة، حيث لا يزال عدد كبير من الاقتصادات النامية خاضعا لضغوط كبيرة.

منذ الربيع الماضي، كان من الواضح في تصوري أن تعافيا سريعاً كبيراً سيأتي في أعقاب الركود الذي أحدثته جائحة «كوفيد-19»، بفضل استجابات الحكومات الغربية المالية والنقدية الضخمة فضلا عن ارتفاع احتمالات قدوم اللقاحات الـفَـعَّـالة، ومع استمرار تراكم الأدلة العلمية لمصلحة لقاحات جديدة معتمدة (وخاصة في وقت مبكر من هذا العام)، ارتفعت أيضا احتمالية قدوم التعافي القوي.

كما أشرت سابقا، كانت كل المؤشرات الدورية العالية التردد الأكثر جدارة بالثقة تُـظـهِـر أن الانتعاش كان جاريا بالفعل، فقد بدأ في الصين ثم أصبح مرئيا في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وبعد ذلك في معظم بلدان أوروبا القارية، وتعزز هذا الاتجاه أحدث بيانات التجارة في كوريا الجنوبية، مما يشير إلى نمو هائل على أساس سنوي بلغ 40%، وهو المكسب الأقوى من هذا القبيل طوال عشر سنوات على الأقل، ورغم أن القاعدة الضعيفة في أبريل 2020، تجعل هذا الرقم السنوي يبدو ضخما، فإنه يؤكد أن التجارة العالمية تتعافى بقوة.

على الرغم من المؤشرات الأكثر تثبيطا المسجلة هذا الشهر في الولايات المتحدة- حيث جاءت بيانات جداول الرواتب واستطلاع مديري المشتريات في أبريل أقل كثيرا من التوقعات- لا يزال العديد من محللي جانب البيع يعدلون تقديراتهم للناتج المحلي الإجمالي لعام 2021 صعودا، لكن ماذا قد يأتي لاحقا؟

يتمثل أحد العوامل المهمة في تشكيل مسار التعافي بطبيعة الحال في الأجزاء من العالم حيث لا تزال جائحة (كوفيد-19) مستعرة، فلا يزال عدد كبير من الاقتصادات النامية خاضعا لضغوط كبيرة، وتُـلَـخِّـص الحال في الهند الآن هذه المشكلة، وإن لم تكن الهند وحدها بكل تأكيد، ولابد أن يكون من الواضح للجميع الآن أنه حتى البلدان التي تتصدر طرح اللقاحات- مثل بلدي المملكة المتحدة- لن تكون خالية من الفيروس قبل أن يتم تطعيم سكان العالم بأسره، وكما رأينا في أستراليا ونيوزيلندا، ربما تتمكن أي دولة من السيطرة على الفيروس، ولكن إذا كانت فقط على استعداد لعزل ذاتها عن بقية العالم تماما، وهي استراتيجية لا يمكن الإبقاء عليها إلى أجل غير مسمى.

من ناحية أخرى، في المملكة المتحدة، كان وصول الفيروس المتحور المقلق الذي يُـعتقَد أنه نشأ في الهند (B.1.617.2) يعني أن الأسابيع القليلة المقبلة ستزودنا بدليل حاسم حول استمرار فعالية لقاحي أسترازينيكا وفايزر ضد سلالات جديدة من الفيروس، ومن المرجح أن نشهد في الأشهر، وربما السنوات، المقبلة المزيد من هذه الاختبارات ضد المزيد من تحورات الفيروس.

في ظل هذه الظروف، لا أحد يستطيع أن يزعم أن التعافي يقوم على أساس قوي، لكني

ما زلت متفائلا، استنادا إلى الأدلة الأولية التي تشير إلى أن اللقاحات ستظل على فعاليتها، علاوة على ذلك يبدو أن توزيع اللقاحات على الأجزاء الأدنى دخلا من العالم مهيأ الآن للتسارع بشكل كبير في النصف الثاني من هذا العام.

بالإضافة إلى الفيروس المتحور على نحو مستمر، يتمثل خطر متنام آخر في تشديد الأوضاع المالية، وعلى نحو يكاد يكون متوقعا تماما، اكتسب القول الاستثماري المأثور “عجل بالبيع في مايو، ثم ارحل” مكانة بارزة هذا الشهر، نظرا للمخاوف بشأن التضخم؛ الجانب الآخر للتعافي الدوري القوي، وفي الولايات المتحدة، سجلت أسعار المستهلك في أبريل ارتفاعا بنسبة 4.2% على أساس سنوي، مما أدى إلى حالة من التوتر الشديد في الأسواق المالية.

في انسجام تام، وصف مسؤولو مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي ارتفاع الأسعار على أنه مجرد حالة مؤقتة، وهذا يشير إلى أنهم يخططون لتوخي الحذر بشأن السماح بأي تغيير في السياسة النقدية، لكن العديد من المشاركين في السوق غير مقتنعين بأن الاحتياطي الفدرالي قادر على التنبؤ بالتضخم بقدر أكبر من الدقة مقارنة بأي شخص آخر، أو أنه سيستمر في التمسك بموقفه الحالي.

هل هذه المخاوف مبررة؟ ربما تكمن الإجابة في مؤشر آخر راقبته طوال قسم كبير من حياتي المهنية: استطلاع توقعات التضخم لخمس سنوات الذي تجريه جامعة ميشيغان، فكثيرا ما يستشهد مسؤولو الاحتياطي الفدرالي أنفسهم بهذا المؤشر، لأنه يميل إلى كونه أكثر استقرارا من مؤشرات أخرى. والجدير بالذكر أنه ارتفع مؤخرا، وبالتالي يجب مراقبته بعناية، وإذا تماسك عند مستوى أعلى من 3% أو تسارع بشكل أكبر، فأظن أن الاحتياطي الفدرالي قد يبدأ بتغيير رأيه.

بالإضافة إلى هذين العاملين المؤثرين في الأمد القريب، هناك أيضا قوى بنيوية كبيرة قد تؤثر في جودة هذا التعافي، وخصوصاً إذا أفضت اختيارات سياسية بعينها إلى تفاقم خطر التضخم، وفي العديد من البلدان الغربية، ينتشر على نطاق واسع تصور- مبرر بالأدلة في أغلبه- مفاده أن فجوة التفاوت في الدخل والثروة أصبحت شديدة الاتساع، وعلى هذا فسيخضع صانعو السياسات المنتخبون لضغوط قوية لحملهم على ملاحقة سياسات إعادة التوزيع.

في حين أن مثل هذه السياسات مبررة، فإنها في احتياج إلى تصميم جيد للمساهمة في، أو التزامن مع، إنتاجية أعلى في العديد من البلدان، وإذا لم يحدث هذا، فستتسبب في إثارة المزيد من المخاوف في الأسواق المالية، حيث تشتد المخاوف بالفعل بشأن مستويات الإنفاق الحكومي الحالية.

نظرا للارتفاع الهائل الذي شهدته أسواق السندات والأسهم منذ ربيع عام 2020، فإن التقلبات اليوم ليست مفاجئة. أما عن أولئك الذين طبقوا نصيحة البيع في مايو، فسينتظرون الآن سباق سانت ليجير للخيول في سبتمبر، ففي ذلك الشهر، كما يزعم القول المأثور، يعود الهدوء.

ترجمة: الجريدة

شاهد أيضاً

“وستڤاليا” معاهدة أنهت الحروب الدينيّة، ولكن..

بقلم: حسن إسميك- النهار العربيالشرق اليوم– بدأتُ هذه السلسلة تحت عنوان عريض هو “هل تجاوزت …