الرئيسية / مقالات رأي / الصين في مواجهة الدول الأنجلوساكسونية

الصين في مواجهة الدول الأنجلوساكسونية

بقلم: الحسين الزاوي – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- ركزت معظم التحليلات في الآونة الأخيرة على تصاعد المواجهة بين واشنطن وبكين، انطلاقاً من التقارير التي تشير إلى سعي الصين للتحول إلى قوة سيبرانية كبرى في العالم. ومن الواضح أن التحدي الذي بات يشكله التقدم الصيني المطرد في مجال تكنولوجيا المعلومات والصناعات التحويلية، لا يقض فقط مضجع واشنطن ولكن كل حلفائها في سياق منظومة الدول الناطقة باللغة الإنجليزية التي تقيم تكتلاً أمنياً وثيقاً يُعرف بتحالف العيون الخمس، ويضم أمريكا وبريطانيا وأستراليا وكندا ونيوزيلندا.

وفي هذا السياق يؤكد توم ميلر أن قدرة بكين على استعمال قوتها الاقتصادية تقلق بشكل لافت، الدول الأنجلوساكسونية، لاسيما واشنطن وكانبيرا، خاصة بعد مطالبة وزير الصناعة وتكنولوجيات الإعلام الصيني في فبراير، بمراقبة تصدير المنتجات المرتبطة بالمعادن الأرضية النادرة التي تستخدم في العديد من التكنولوجيات الدقيقة وفي صناعة الطائرات المقاتلة، والصواريخ والهواتف المحمولة، ومعدات إنتاج الطاقة الهوائية التي تسيطر الصين على أغلب صادراتها بنسبة تصل إلى 70%، ويمكنها بذلك أن تحدث ضرراً كبيراً في اقتصاديات تحالف العيون الخمس.

وبناء على ذلك، فإن دول التحالف ترى أن مسألة تقليص تبعيتها للمنتجات الصينية يمثل رهاناً استراتيجياً بالنسبة لأمنها القومي، لاسيما بعد لجوء بكين في مناسبات عديدة، إلى تهديد شركائها بإمكانية اللجوء إلى استعمال عقوبات اقتصادية غير مؤلمة للحصول على تنازلات في بعض القضايا الخلافية، كما حدث على سبيل المثال مع أستراليا التي أثارت العقوبات الصينية ضدها العديد من ردود الفعل المندّدة على مستوى العالم، وخاصة ضمن فضاء تحالف العيون الخمس.

ومن شأن كل هذه التطورات أن تدفع الرئيس الأمريكي الجديد إلى تبني خيارات متشددة ضد بكين، من أجل إجبارها على تغيير سياساتها التجارية تجاه التحالف الذي يبدو أنه بدأ يُوسّع من صلاحياته لتمسّ كل المسائل الاستراتيجية التي من شأنها المحافظة على قوة المنظومة الأنجلوساكسونية بقيادة أمريكا.

ويمكن القول إن نقطة القوة الرئيسية بالنسبة للصين، تكمن في أنها تستطيع أن تواجه التقلبات التجارية بشكل أفضل من منافسيها؛ لأنها تمتلك بدائل تجارية متعددة، بينما يعتمد خصومها عليها في مجالات عديدة، باستثناء قطاع المعادن الذي تظل فيه بكين رهينة لبعض شركائها، خاصة في مجال الحديد الأسترالي الذي لا تستطيع أن تحصل على كميات كافية منه من مناطق أخرى من العالم. وفضلاً عن ذلك، فإن بكين حتى وإن كانت تتجنب استعمال العقوبات الاقتصادية المؤلمة ضد خصومها، لاعتمادها الكبير على قطاع التجارة الخارجية، فإنها تمتلك القدرة على الصمود في الحروب التجارية عندما تكون مقتنعة أن المكاسب الاستراتيجية تتجاوز الخسائر الناجمة عن القيود التي يمكن أن تفرضها بشأن تصدير السلع الأساسية بالنسبة للاقتصاديات المنافسة لها، لاسيما أن التحالف الذي تقوده واشنطن، بحاجة إلى عدة سنوات من أجل إيجاد بدائل للمعادن الأرضية النادرة القادمة من الصين، ليس لأنها نادرة، كما يشير اسمها، ولكن لكونها مُكلفة وتصعب معالجتها.

كما أن تقارير الخبراء تشير إلى أن هناك مستوى مرتفعاً من التبعية الاستراتيجية بالنسبة لتحالف العيون الخمس تجاه الصين في العديد من المنتجات التي تعتبر بكين المورِّد الرئيسي لها، بنسبة تتجاوز 30% من واردات دول التحالف، وذلك علاوة على أن الدول الأنجلوساكسونية تعتمد على الاستيراد في ما يتعلق بهذه المنتجات، بمعدل يصل إلى 50% من حاجياتها. وبالمجمل، فإن دول العيون الخمس تجد نفسها في تبعية للصين في 17 من بين 99 من الصناعات الكبرى، لاسيما أستراليا التي هي في أمسّ الحاجة إلى الصين، للحصول على المكوّنات الضرورية بالنسبة للصناعات المرتبطة بإنتاج المعادن، إضافة إلى نيوزيلندا التي توجّه القسم الأكبر من صادراتها الزراعية نحو الصين.

وخلاصة القول إنه إذا كانت دول مثل ألمانيا وفرنسا، لا تشعر بضيق كبير تجاه التطور الاقتصادي المطرد للصين، فإن دول تحالف العيون الخمس ترى أن استمرار هيمنتها الاقتصادية والسياسية وحتى الأمنية على العالم، سيكون مرتبطاً في المرحلة المقبلة، بمدى قدرتها على تجاوز تبعيتها للتجارة الصينية خلال السنوات المقبلة.

شاهد أيضاً

مسعى ميلوني الأخير في تونس

بقلم: أحمد نظيف- النهار العربيالشرق اليوم– قبل حضورها اجتماع المجلس الأوروبي الأربعاء المقبل في بروكسل، …