الرئيسية / مقالات رأي / في الإمارات.. صنّاع النجاح يستحقون الثناء

في الإمارات.. صنّاع النجاح يستحقون الثناء

بقلم: عمار الجندي – العرب اللندنية

الشرق اليوم- يأتي إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة قبل أيام عن تعديل قانون الشركات التجارية بما يسمح للمستثمر الأجنبي أن يؤسس شركة ويتملّكها بالكامل، من دون الحاجة إلى شريك محلي، ليذكّر من جديد بنهجها المألوف في الانفتاح على العالم والتعاطي بسخاء مع ضيوفها القادمين من أطراف الدنيا أيّاً كانوا. فهي تفتح كل يوم بابا جديدا للإبداع والعمل أمام الوافد الكفء، وتأخذ بيده على طريق الازدهار، فتقربه منها أكثر فأكثر، وتحتضنه بالمزيد من الدفء حين يثبت أنه من صنّاع النجاح الذين يستحقون الثناء.

صحيح أن المكافأة تأتي على “قدر أهل العزم”، فكلما ارتقى المرء سلّم النجاح إلى مستويات أرفع، كلما كانت أبهى. لكن صحيح أيضا أن لكل مجتهد جزاء في الإمارات. فهي تبادل كرم الوافد الجديد بالمزيد من الكرم وتقابل اجتهاده بأحسن منه، وتعتبره واحدا من أبنائها، بصرف النظر عن لسانه، ولون بشرته، وخلفيته الدينية، وغيرها.

أوائل العام الحالي قررت الإمارات أن تمنح الجنسية للمميزين من رجال الأعمال والمستثمرين وأصحاب المواهب العلمية المختلفة والثقافية والفنية، ممن تتوفر فيهم شروط معيّنة

هكذا كان موعدنا مع الخطوة الجديدة التي تشجع الوافد المثابر على بناء شركته والوقوف على قدميه ليواجه بمفرده تحدي العطاء. مؤخرا تابعنا الحفاوة التي كانت من نصيب يوسف علي، الملياردير الهندي الأصل مؤسس شركة “اللولو” ورئيس مجلس إدارتها، حين خلعت الإمارات أبهى أوسمتها على هذا الوافد الذي آمن بأن السماء هي حدود نجاحه في دولة الإمارات. فقد كرّمه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في أوائل أبريل الماضي بـ”جائزة أبوظبي” في نسختها العاشرة إلى جانب 11 شخصية أخرى، تسعة منهم مواطنون ومواطنات، وفرنسي وبريطاني إلى جانب الهندي علي.

وقال الشيخ محمد بن زايد في هذه المناسبة إن المكرمين “شخصيات تركت بصمتها المتميزة في مجتمعنا بجهودها النبيلة ومواقفها الخيرة” كما جعلت من قيم العطاء والإنسانية والرحمة التي غرسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في شعب الإمارات “نهجا لها في مسيرتها للقيام بالأعمال الخيرة والنبيلة التي تعزز قوة المجتمع وتلاحمه”.

والحق أن الفوز بأرفع جائزة إماراتية بسبب “إسهاماته التي شملت مجالات مثل الرياضة والثقافة والمبادرات الخيرية والمجتمعية” يأتي بمنزلة الذروة التي وصلها علي بعد مسيرة شاقة لم تكن معبدة بالورود حين جاء الخليج العربي من مسقط رأسه في ولاية كيرلا بحثا عن اللقمة، وقاسى ما قاساه من شظف العيش أول الأمر في الإمارات التي حلّ بها في العام 1973. بيد أنه جدّ فوجد في غضون سنتين، إذ استطاع إطلاق مجموعة اللولو في 1975، التي باتت اليوم من أكبر شركات البيع بالتجزئة في دول الخليج العربية. وبينما تستحوذ اللولو على 32 في المئة من سوق المحلات الضخمة للبيع بالتجزئة، الهايبر ماركت، فهي تُصنف بين أكبر عشر شركات من هذا النوع في العالم، أما صاحبها فيعتبر أغنى هندي في الشرق الأوسط حسبما أظهرت قائمة تصنيفات فوربس الأخيرة هذا العام.

يوسف علي، وغيره من القادمين من أنحاء الدنيا ينعمون بالاستقرار والأمان في المجتمع الإماراتي المسالم والمنفتح على الآخر. لكن بطبيعة الحال، الحياة لا تبتسم دوما للمهاجر، ولاسيما إذا كان هنديا يصنف عموما بين الأدنى، من حيث الراتب والرتبة والتسهيلات الممنوحة له، وهو تعامل لا يحكمه المنطق بقدر ما يمليه مدى ضخامة عدد أبناء جنسية، أو صورهم النمطية وغيرهما من العوامل المماثلة. ولا شك أن وضع العامل الهندي وغيره في بلد غريب ازداد تعقيدا في السنوات الأخيرة، مع تنامي موجة الشعبوية “الترامبية” وتردي الأوضاع الاقتصادية.

بيد أن هذه الحقيقة تضفي معانيَ جديدة على تكريم صاحب مجموعة اللولو، الذي دللت الإمارات من خلاله أنها مختلفة، تسير على نهج الشيخ زايد في التعامل مع الناس جميعا على أساس متكافئ، استنادا إلى مهارات الشخص واستقامته واجتهاده قبل أيّ اعتبار آخر.

في هذا السياق، قررت الإمارات أوائل العام الحالي أن تمنح الجنسية للمميزين من رجال الأعمال والمستثمرين وأصحاب المواهب العلمية المختلفة والثقافية والفنية، ممن تتوفر فيهم شروط معيّنة. وكانت ثمة خطوة أخرى في الاتجاه نفسه، سبقت هذه القفزة النوعية في تشجيع المؤهلين للاندماج في المجتمع الإماراتي، بحوالي سنتين. فقد بدأت الإمارات في 2019 بإصدار “إقامات ذهبية” للأكفاء والبارزين في ميادين تخصصاتهم العلمية والفنية والاقتصادية، تخولهم العيش والعمل فيها لعشر أو خمس سنوات، إذا استوفوا مجموعة من الشروط المحددة.

وفي الحالتين استجاب الكثيرون لهذه الدعوة التي يمكن فهم دلالاتها على مستويات. فهي في حد ذاتها تجسد الريادة التي تصبو إليها الإمارات لأنها غير مسبوقة في المنطقة لجهة تشجيع الموهوبين في المجالات كافة للانتماء إلى البلاد والمشاركة في إعلاء بنائها بدلا من الاكتفاء بضيافتها. وهي ليست مكافأة للوافد فحسب، بل كذلك أيضا لدولة الإمارات التي تعرف كي تزيد ثروتها من العقول والموهوبين القادرين على المساهمة في المضي بها إلى حيث تطمح من مواقع التميز ومحطات الريادة.

الإمارات تبادل كرم الوافد الجديد بالمزيد من الكرم وتقابل اجتهاده بأحسن منه، وتعتبره واحدا من أبنائها، بصرف النظر عن لسانه، ولون بشرته، وخلفيته الدينية، وغيرها

من الواضح أن توقيت هاتين المبادرتين في حد ذاته يجعل قيمتهما أكبر بكثير مما يظن المرء لأول وهلة. فهذا زمان صارت فيه الهجرة أشبه بالمعصية، وبات اللاجئ إلى دول أخرى كالمجرم الذي لا يستحق الرحمة سواء أتاها هربا من حرب أو بحثا عن اللقمة، وكم من هؤلاء الفقراء يجدون أنفسهم مرميين عند أسوار البلد الذي يحاولون اللجوء إليه، هذا إن لم يلتهمهم البحر في الطريق إليه أو يموتون اختناقا في بطن الشاحنة الخاصة التي حاولوا أن يتسللوا على متنها إلى دول الغرب.

هكذا تدلل الإمارات مرة أخرى أنها مختلفة وأبعد نظرا من دول كثيرة. فانطلاقا من حرصها على مستقبلها، ومستقبل العالم، تثمّن الإنسان وتتعامل معه على أساس جوهره فحسب، فلا تخشاه ولا تقصيه لأسباب لا علاقة له بصناعتها، لأنها تعرف حق المعرفة، أنه هو من يصنع الازدهار والأمان والمستقبل الأفضل. فهل تتعلم دول أخرى من نهج الإمارات أن التطور والنجاح يبدآن بالإنسان وينتهيان عنده، لأنه الغاية والوسيلة في آن؟

شاهد أيضاً

عند الأفق المسدود في غزة

بقلم: عبدالله السناوي – صحيفة الخليج الشرق اليوم- استغلقت حرب غزة على أي أفق سياسي …