الرئيسية / مقالات رأي / المغرب وإسبانيا.. عندما يرتد السلاح إلى الخلف!

المغرب وإسبانيا.. عندما يرتد السلاح إلى الخلف!

بقلم: عبد الرحيم التوراني – أصوات مغاربية

الشرق اليوم- فجأة، انتشرت الأخبار مصحوبة بسيل من الصور والفيديوهات على الإنترنت، آلاف من “المهاجرين غير الشرعيين” وصلوا فجر يوم 17 ماي الجاري إلى مدينة سبتة المحتلة بالشمال المغربي، قدروا في البداية ب 1500، ثم زاد العدد حسب الإعلام الاسباني ليصل إلى 8000. 

صور لشباب خاطروا بحياتهم سباحة في البحر ليبلغوا شاطئ سبتة، في مشهد جد مثير. أغلبهم قاصرون، ومن الشباب العاطل واليائس، ممن يحلمون بحياة أفضل في الضفة الأخرى من المتوسط. كثيرون ممن عضوا على أصابع أيديهم، وتحسروا ندما عن تضييع الفرصة السانحة، فهبوا إلى محطة النقل الكبرى”أولاد زيان” بالدار البيضاء، ومعهم آخرين من المهاجرين المنحدرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، عازمين (رغم عدم توفرهم على رخصة التنقل الاستثنائية المفروضة بسبب جائحة كورونا) على الالتحاق بنقطة الانطلاق: مدينة “الفنيدق” ومنها إلى “باب سبتة” الذي أصبح مشرعا بعد أن تم تخفيف الحراسة به من الجانب المغربي، أو بات من دون حراسة. 


نهاية دور الدركي

بدا أن السلطات المغربية هي من سمحت بهذه الهجرة غير المسبوقة من حيث العدد في زمن مضبوط ومحدد. وأن المغرب قرر التوقف عن “لعب دور الدركي” لصالح  بلد ينازعه في وحدته الترابية. بل إن اسبانيا لم تتوان في خرق القوانين القضائية، واستقبلت على أرضها مطلوبا لعدالتها ب”تهم ترقى لجرائم ضد الإنسانية”. يتعلق الأمر برئيس الجبهة الانفصالية في الصحراء الغربية ابراهيم غالي، الذي تسلل إلى البلد الإيبيري بهوية مزورة. هكذا اندلعت الأزمة بين الرباط ومدريد، لتصب مزيدا من الزيت على الفتيل المشتعل أصلا منذ زمن بسبب ملفات سياسية واقتصادية وتاريخية مختلفة.
ردا على الأسئلة التي تناسلت بسرعة حول مصدر هذه “الهجرة غير الشرعية المنظمة”، أتت الإجابة سريعا على لسان وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان مصطفى الرميد (حزب العدالة والتنمية)، الذي نشر تدوينة فيبسبوكية، جاء فيها: “من حق المغرب أن يمد رجله، لتعرف اسبانيا حجم معاناة المغرب من أجل حسن الجوار، وثمن ذلك، وتعرف أيضا أن ثمن الاستهانة بالمغرب غال جدا، فتراجع نفسها وسياستها وعلاقاتها، وتحسب لجارها المغرب ما ينبغي أن يحسب له، وتحترم حقوقه عليها، كما يرعى حقوقها عليه”.

وهو ما اعتبره بعض المدونين المغاربة “سقطة سياسية وأخلاقية وحقوقية وإهانة للمغاربة وللمغرب وللكرامة الانسانية”. وتلقفه آخرون بسخرية سوداء: “كل التخوف من أن يخبر الوزير الرميد الاسبان أن المغرب هو من يصدر إليهم مخدرات الحشيش”. 


مصيدة فئران 

لكن الجدل الأكبر هو الذي شهدته اسبانيا، في عملية لجعل السلاح يرتد إلى صاحبه، إذ كانت مفاجأة غير مسبوقة تركت تداعيات خطيرة داخل إسبانيا، سواء على المستوى الحكومي أو على مستوى الأحزاب بمختلف مشاربها الإيديولوجية والسياسية، حيث أن التذمر والاستياء والقلق وَحَّدَها، لدرجة أن رئيس الحكومة، “بيدرو سانشيس”، وزعيم حزب “فوكس” اليميني المتطرف، “سانتياغو آباسكال”، زارا على الفور مدينة سبتة لكي يقوم كل واحد بأسلوبه الخاص بطمأنة المستوطنين الإسبان، على أنهما لن يدخرا جهدا في الدفاع عنهم و ضمان أمنهم وحماية المدينة ممن وصفهم “آباسكل”، المعادي للمغرب و للمهاجرين العرب، ب “الغزاة المغاربة”.

أما زعيم حزب “ماس باييس”، “إينيغو إريخون”، فاتهم المغرب باستعمال آلاف البشر كسلاح ضد إسبانيا “بسبب منحها مساعدة طبية لصحراوي مريض”. وبهذا المعنى، فإن الأمر يتطلب من إسبانيا و أوروبا الرد بحزم، مشددا على أنه، “لا ابتزاز بعد اليوم، و يجب الامتثال لقرارات الأمم المتحدة بشأن الصحراء، و يجب مطالبة المغرب بإجراء انتخابات ديمقراطية، ومن الأفضل أن تتخذ أوروبا إجراءات فيما يتعلق بالحسابات المصرفية المحتملة للملك محمد السادس في أوروبا”. 
ثم توحدت في البرلمان الإسباني نغمة العداء للمغرب، في خطابات كل الفرق البرلمانية، اليمينية واليسارية، ومعظمها انتقد بقوة حكومة “بيدرو سانشيس” على مهادنة المغرب، وطالبها بالرد القوي والفوري، وبمعاقبته على السماح بعبور مغاربة إلى داخل سبتة.

ولم تتورع بعض التعليقات الاسبانية عن وصف ما حدث ب”الغزو”، كما جاء في مقال للكاتب خوليو مارتين ألاركون بعنوان: “الغزو المنسي”، مذكرا بحدث “المسيرة الخضراء” عام 1975، وبأن “المغرب هاجم إسبانيا بالفعل قبل المسيرة الخضراء وانتصر”. منتقدا تخلي اسبانيا عن مستعمرتها السابقة في الصحراء لصالح الملك العلوي الحسن الثاني، الذي حسب رأي الكاتب، استغل مرض رئيس الدولة الماريشال فرنكو، بل إن الكاتب وصف الأراضي الصحراوية الواقعة في أيدي اسبانيا ب”مصيدة فئران حقيقية”، ليتم التخلي عن الصحراء مقابل الاحتفاظ بالسيطرة على الجيوب الموجودة على الساحل فقط”. 


إثارة وابتزاز 

 السفير المغربي السابق بدولة الشيلي، الكاتب عبد القادر الشاوي، صرح لنا أن “الأسوأ من كل ذلك هو المتعلق بالموقف الإعلامي والمدني الإسباني، الذي عبر صراحة عن مظاهر الاحتقار والعنصرية ضد المغرب بدون أدنى تمييز. وأخطرها مواقف إعلامية لصحفيين مرموقين وصموا المغرب بالدولة الديكتاتورية ومنهم من حرض المغاربة على الثورة ضد حكامهم… إلخ. وفي هذا كله اتفق جميع من تكلم أو أشار إلى الموضوع، على أن تلك الهجرة الجماعية مدبرة من طرف الدولة المغربية، وأن وراءها حملة للانتقام من إسبانيا بسبب إيواء غالي (لأسباب إنسانية والعلاج) بهوية مزورة رغم علم الحكومة الإسبانية بأنه متابع أمام عدالتها”.

وأوضح الشاوي: “إذا ظهر الفاعل المحرض، إن كان هناك فاعل محرض، على هذه الهجرة الجماعية الوقتية التي لا سابق لها لأي هدف كان (والأسوأ أن يكون بسبب إيواء غالي) سيكون من المنطقي تماما أن ننعت ما حدث صراحة بالإثارة والابتزاز الذي لا يمكن أن يُقبل على أي وجه مهما كانت مبرراته الوطنية والسياسية. ويضاف إلى أنه أساء إساءة بالغة إلى صورة المغرب وحالة شعبه (نساء ورجالا وأطفالا…) حين أظهر تلك الهجرة الجماعية على أنها هروب من الفقر والبطالة (رغم وجودهما) ورغبة مؤكدة، مهما كانت وهمية، للبحث عن مستقبل خارج الحدود يكفل الحياة الكريمة”.

إن تبريرات التوزيع العالمي غير العادل للثروة بين أغنياء الشمال و فقراء الجنوب، لا تصمد أمام هذا الحدث المتمثل في هجرة جماعية، وتدافع غريب لم يسبق أن حدث من قبل، وتسبب بكل تأكيد في أوضاع استثنائية تضرر منها المغرب بسبب ردود الفعل الفورية التي نتجت عنه على الصعيد المركزي (الإسباني) والأوروبي معه- يؤكد الشاوي ويضيف: “أما التأويلات المختلفة المحملة بكثير من معاني الاحتقار والاستصغار والهشاشة والعنصرية المقيتة كذلك فكانت بطبيعة الحال (مأدبة) مختلف القوى السياسية في إسبانيا… بصوت واحد مسموع يؤكد على الوحدة الترابية وعلى إدانة التحدي والغزو والاستعداد المدني والعسكري التام لرد العدوان، يضاف إلى ذلك زيارة قام بها رئيس الحكومة وأخرى لأشرس يميني معتوه (يعتبر القوة الثالثة في إسبانيا) لا ينطق إلا عن الهوى العنصري”.

مقياس المكيالين

إن الأمر كما هو واضح وجلي، له صلة وطيدة بالنزاع حول الصحراء الغربية، وباستضافة مدريد لزعيم الانفصاليين ابراهيم غالي للاستشفاء، وبعدم اقتناع الحكومة المغربية ب”الاعتبارات الإنسانية” التي ساقتها الحكومة الإسبانية وعلى أساسها استقبلت زعيم البوليساريو، وهي التي تعي جيدا مدى حساسية قضية الصحراء المغربية بالنسبة للمغاربة شعبا وحكومة. لذلك ظلت الرباط تطالب بتفسير مفصل لما جرى بالضبط، لأن ثمة إخلال بقواعد الدبلوماسية التي بمقتضاها كان يجب، على الأقل، استشارة الحكومة المغربية في الأمر، غير أن خطأ حكومة “بيدرو سانشيس” القاتل ناجم عن خلل في دبلوماسيتها التي يطبعها منطق المكيالين.

في هذا الصدد يعلق مصطفى روض (المتخصص في العلاقات المغربية – الإسبانية واللاتينية)، أنه “من دون شك أن ما وقع يرتبط ارتباطا وثيقا بقضية الصحراء المغربية، وأساسا بزعيم حركة البوليساريو التي تجرأت حكومة “بيدرو سانشيس” الاشتراكية على استضافته ومنحه خدمات للرعاية الصحية بعد إصابته بفيروس كورونا، بطريقة مهينة للدبلوماسية الإسبانية ولحسن الجوار مع المغرب، خصوصا بعد السماح له بدخول الأراضي الإسبانية بزواج سفر واسم مزورين، وهو ما لا يمكن تفسيره إلا على أساس التمويه على القضاء الإسباني حتى لا يضع يده على غالي. الذي كانت موجهة ضده دعاوى قضائية قبل أن تطأ قدماه إسبانيا، غير أن الرياح جرت بما لا تشتهي سفن “الزعيم” وراعيته الجزائر الذي ما أن فضحه الإعلام الدولي والإسباني حتى وجد نفسه محاصرا قضائيا وقانونيا بسبب ما ارتكبه من جرائم قتل واغتصاب و تعذيب”.

عدم اقتناص الخلل

هذا الخلل في الدبلوماسية الإسبانية قدم خدمة لقضية الصحراء المغربية و للشعب المغربي جراء التشكيك الصادر عن الأحزاب والمنظمات المناصرة للأطروحة الانفصالية لحركة البوليساريو، وزاد في منسوبه عجز الحكومة الإسبانية عن إعطاء جواب مقنع زيادة على التلكؤ والنأي بما جرى في ظل تدخل القضاء لمحاكمة الزعيم على جرائمه.

غير أنه، وبأسف يستدرك مصطفى روض: “أن المغرب لم يستثمر خلل دبلوماسية إسبانيا ولا انهيار “شعبية” زعيم البوليساريو في الداخل الإسباني، بسلوك دبلوماسية عقلانية هادئة في أفق يضمن له ربح معركته الدبلوماسية وتحصين قضية الصحراء المغربية من هجومات البوليساريو داخل الساحة الإسبانية، و خصوصا في الأقاليم التي تهيمن فيها أطياف من الأحزاب و التيارات الانفصالية، فضلا على أن فصول محاكمة الزعيم غالي ستجعل حركته الانفصالية معرضة أكثر لضربات وانهيار “شعبيتها” عند المحيط المتعاطف معها والمسكون بوهم أنها حركة تحررية، في وقت يعلم العقلاء أنها مجرد ورقة سياسية في يد الحكومة الجزائرية”.

ولذلك ما كان يجب السماح لتلك الهجرة المكثفة لأنها أعطت للحكومة الإسبانية ومعها الاتحاد الأوروبي سلاحا قد يقوض جهود الدبلوماسية المغربية ويعيد للبوليساريو ما فقده من تعاطف إسباني بدا واحدا من مؤشراته الفورية والخطية، ردا على واقعة الهجرة، أن أعلنت أكثر من 120 منظمة التحضير للقيام بمسيرات تضامنية مع “الشعب الصحراوي”، خدمة للأطروحة الانفصالية.  

إضعاف للمصداقية 

يستفاد من هذه الهجرة الجماعية في جميع الأحوال أنها أضعفت مصداقية المغرب في الالتزام بالاتفاقيات المعقودة حول الهجرة منذ 1992، وأفلحت إسبانيا بالمقابل، من خلال التأكيد على أن (التحدي) المغربي موجه أساسا ضد أوروبا وليس ضد إسبانيا حصرا، في حشد الدعم الأوروبي المتشدد تمهيدا إذا اقتضى الأمر لتسويغ مختلف أشكال العقاب أو الردع التي يمكن أن تنجم عن فعله.

هو الرأي ذاته الذي عبر عنه، بصيغة أعمق في سياق حديث خصنا به، المفكر عبد الرحمان النوضة (معتقل يساري سابق)، ونستنتج من خلاصته، أنه “منذ أكثر من خمسين عاما، وعشرات الألاف من الشبان المغاربة، مُـكَوُّنِين وغير مُـكَوَّنِين، يَهْجُرُون في كلّ عام بلدهم المغرب، ويذهبون إلى أي بلد أوروبي يقبلهم. وعندما تُصبح نسبة هامّة من الشبّان، لا تجد مِن إمكانية للعيش سوى عبر تَرْك بلدهم، والهجرة إلى أوروبا أو أمريكا، فهذا يعني أن الدولة أصبحت “أَطْلَالًا” خاوية. ولا تعمل في هذه الدولة بشكل فعّال سوى الأجهزة القمعية. والدولة خُلِقَت في الأصل لتلبية حاجيّات الشعب. وعندما لا تخدم الدولة حاجيّات الشعب، يصبح جزء هام من الشبّان مضطرّين إلى الهجرة”.

شاهد أيضاً

إيران وإسرائيل… الحرب والحديث المرجّم

بقلم عبد الله العتيبي – صحيفة الشرق الأوسط الشرق اليوم- ضعف أميركا – سياسياً لا …