الرئيسية / مقالات رأي / صراع تحت الجليد

صراع تحت الجليد

افتتاحية صحيفة “الخليج”


الشرق اليوم – بدا من تصريحات وزيري الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، والروسي سيرجي لافروف، عشية اجتماع «مجلس المنطقة القطبية الشمالي» في ريكيافيك (أيسلندا)، أن المنطقة القطبية الشمالية تتجه نحو صراع جديد، يضاف إلى الصراعات القائمة بين القطبين ومعهما الصين على امتداد الكرة الأرضية.
بلينكن دعا إلى تجنب عسكرة القطب الشمالي في إشارة إلى روسيا، وقال: «لدينا مخاوف حيال مسألة زيادة بعض الأنشطة العسكرية التي تقوض الهدف المشترك المتمثل في مستقبل سلمي ومستدام للمنطقة»، في حين شدد الوزير الروسي الذي يتوقع أن يلتقي مع نظيره الأمريكي على هامش الاجتماع، على أن القطب الشمالي هو منطقة نفوذ روسي، وقال «كان من الواضح للجميع منذ مدة طويلة أن هذه أرضنا».
هذا الكلام يكشف أن القطب الشمالي لم يعد كما كان «منطقة حرة»، أقرب إلى مشاع عالمي باعتباره منطقة جليدية تشكل جزءاً أساسياً من التوازن البيئي العالمي. لكن مع بدء ذوبان الطبقة الجليدية جراء الاحتباس الحراري، بدأ اللعاب يسيل على الثروات الطبيعية الهائلة الكامنة تحت الجليد، من جانب أكثر من دولة، وخصوصاً الدول المحاذية، مثل روسيا والنرويج وأقصى شمال كندا، وجزء من ألاسكا (الولايات المتحدة) وأيسلندا والسويد وفنلندا والدنمارك. ومع ارتفاع درجات الحرارة خلال العامين الماضيين إلى درجات قياسية، ازداد النهم العالمي على القطب الشمالي، وبدأت دول بعيدة تطالب بحق المشاركة في ثرواته مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية.
يذكر أن روسيا والولايات المتحدة كانتا قد أقامتا قواعد عسكرية منذ سنوات في المنطقة القطبية لتعزيز وجودهما وتأكيد سيطرتهما، رغم أنه وفق القانون الدولي لا يوجد بلد يملك القطب الشمالي أو منطقة المحيط المتجمد الشمالي المحيطة به، لكن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار أعطت الدول الخمس المحيطة به مباشرة (روسيا، كندا، النرويج، الدنمارك والولايات المتحدة) منطقة اقتصادية خالصة تمتد لمسافة 200 ميل بحري.
مع ذوبان الجليد، صار الصراع علنياً بشأن الثروات التي تحته، إذ تشير تقييمات المسح الأمريكي إلى وجود 30 في المئة من الغاز غير المكتشف في العالم، و13 في المئة من النفط، وعلى خمس مخزون الماء العذب على الكرة الأرضية، إلى جانب احتياطي كبير من الألماس والذهب والبلاتين والمنجنيز والنيكل والرصاص، وبحديث الأرقام هناك نحو 90 مليار برميل من النفط، ما يعني أن هناك صراعاً كونياً على ما تحت الجليد بدأ يتبلور. ويؤكد ذلك ما كان أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مؤخراً من أن بلاده تعتزم زيادة وجودها في القطب الشمالي، في إطار استراتيجية تطوير المنطقة التابعة لروسيا وضمان الأمن القومي حتى العام 2035.
والولايات المتحدة ليست بعيدة عن هذا الصراع، حيث يقع ثلث ولاية ألاسكا في المنطقة القطبية، التي كان الرئيس الأسبق باراك أوباما زارها، وأعلن من هناك حق بلاده في الاستثمار بالمنطقة، فيما بدأت الولايات المتحدة تعزز وجودها العسكري هناك، وأيضاً في شمال القارة الأوروبية، وخصوصاً في النرويج لتثبيت وجودها هناك… وهكذا ينتقل الصراع من فوق الأرض إلى تحت الجليد.

شاهد أيضاً

أميركا إذ تتنكّر لتاريخها كرمى لعينيّ نتنياهو

بقلم: راغب جابر- النهار العربيالشرق اليوم– فيما تحارب إسرائيل على أكثر من جبهة، تزداد يوماً …