الرئيسية / مقالات رأي / جدل أوهام الحرب وحقائقها المضادة

جدل أوهام الحرب وحقائقها المضادة

بقلم: جمال الطاهات صحيفة الدستور الأردنية

الشرق اليوم- الحرب من حيث هي صدام مقاتلين على الأرض، مختبر للتمييز بين الحقائق والأوهام. الإرادة المولدة للحرب، ميدانها “التمييز بين الأوهام والحقائق”. وأكبر الخاسرين في الحروب هم الذين يتعلقون بالأوهام التي انتجتها، ويغفلون الحقائق التي تنتج عن الحرب.

وأول ما تطاله الحرب هو تغيير أطرافها. الحقيقة أن مسار العمليات العسكرية وتفاعلاتها السياسية لا تنتهي عند معادلة مكاسب جديدة بين المتحاربين كما كانوا قبل الحرب. فهي تُظهّر الحقائق الجديدة حول اطرافها، كشرط لحصولهم على مكاسب من الصراع، وتغيرهم بفاعلية المكاسب التي حصلوها وسعيهم للاحتفاظ بها واستيعابها. مكاسب إسرائيل عام 1967، حولها من مشروع لحركة رومانسية، إلى ماكينة قتل تخدم أوهام وأساطير يمين متدين.

إدراك أن الحروب تغير أطرافها، المنتصرين والمهزومين في آن معاً، هو مفتاح التحرر من الأوهام التي أنتجتها وبدء البحث عن الحقائق التي تفرضها. فالنتائج الميدانية على الأرض تعكس الحقيقة الجديدة التي تم تجاهلها ولم تكن معترف بها، وتبدد الأوهام السابقة عنهم، لدى أنفسهم ولدى كل الأطراف المتاُثرة بهم.

التحرر من أوهام الحرب، متعلق بالتمييز بين اشتباكات تسعى لتصحيح الهوامش، وحروب تغير المتون. فكل المؤشرات على يوميات ما يجري على الساحة الفلسطينية، منذ بدء التحضير للانتخابات الفلسطينية حتى اليوم، تشير إلى أن هناك حرب بالمعنى التاريخي، لا تقل عمقاً عن ما جرى في النكبة وتداعياتها. فهذه أول مرة، منذ النكبة، يستعيد السياق الفلسطيني وحدته، ويزجها في هذه الحرب مرة ثانية. ولكن بموازين قوة جديدة.

وإذا صحت هذه القراءة، فإن المضمون التاريخي لهذه الحرب، يتلخص في تغيير عميق سيطال كل أطرافها، المشترك في عملياتها العسكرية والسياسية، أو الذي يجلس خائفاً منتظراً، وأسير آمال عراض بأن يبقى في منأى عنها. المتوقع من هذه الحرب أن تغير الخريطة السياسية داخل إسرائيل، التي تنتج سلوكها. كما أنها ستغير الخريطة السياسية للكيانية الفلسطينية. وستفرض هذه االتغيرات نفسها على كل الأطراف الإقليمية المشتبكة موضوعياً مع الصراع.

فأخطر الأوهام أن يعتقد طرف ما بأن هناك فرصة لتجنب نتائج وآثار حرب تغير أطرافها. فالحروب ليست مباريات رياضية يملك طرف أن لا يخوضها. فالحياد في الحروب، يتطلب مستوى من القوة، أعتقد أن أغلب أطراف الإقليم لا تمتلكها. سويسرا لم تضمن حيادها في الحرب العالمية الثانية عبر تكتيكات الشطارة، بل بفرض حيادها على كل أطراف الصراع، بتوظيف عناصر قوتها ومزاياها بطريقة فعالة.

الوهم الآخر والمتوقع أن تبدده هذه الحرب، هو الاعتقاد بأن هناك قوة دولية مهمتها تكييش الرغبات والأمنيات بعيداً عن النتائج الحقيقية التي تتمخض عن ميادين الصراع الثلاثة: العسكري، والسياسي في إنشاء وتطوير التحالفات، والإعلامي في القدرة على حشد التأييد الشعبي عبر العالم. أن نكون مصطفين في خندق التحرر والاستقلال، لا يعني الحصول التلقائي على الدعم العالمي بعيداً عن حقائق القوة التي نفرضها على الأرض. صحيح أن الصور جزء لا يتجزأ من المعركة، ولكن الصور التي لا تعبر عن وقائع حقيقية على الأرض، تغذي الأوهام، وليست وسيلة حصاد.

صحيح أن رسم خطوط الاشتباك، مهمة مركزية في أي حرب. ولكن لنتذكر أن هذه خطوط اشتباك وصراع وليست أطروحات للتقاضي أمام محكمة. رسم خطوط الاشتباك بشكل صحيح، يصوغ خريطة مأمولة للصراع، ولكنه لا يحققها. فالعدو كذلك يرسم خطوط الاشتباك التي يريدها، ويسعى لفرضها بالقوة. وحصاد الحروب: أطراف صراع جديدة، وعلاقات قوى وتحالفات جديدة، وخطوط صراع واشتباك جديدة، كلها تصوغ حقائق كثيفة ستنتج أوهاماً جديدة.

شاهد أيضاً

أحلام مقتدى الصّدر وأوهام مناصريه

بقلم: فاروق يوسف- النهار العربيالشرق اليوم– عندما يُشفى العراقيون من عقدة اسمها مقتدى الصدر يكون …