الرئيسية / مقالات رأي / حين ستحكم الصين العالم

حين ستحكم الصين العالم

بقلم: السيد أمين شلبي – المصري اليوم

الشرق اليوم – في مقاله المتميز دائمًا يتساءل الدكتور مصطفى حجازي عن «وماذا سيفعل التنين؟» «المصري اليوم» 21/4/2021، والتنين طبعًا هو التعبير المجازي عن الصين التي حذر نابليون منذ قرنين من صعودها، واليوم يتجدد هذا التحذير مع الصعود، أو المعجزة الاقتصادية والحضارية التي حققتها الصين منذ أن أطلق زعيمها التاريخي الثاني دنج شاوينج عملية الإصلاح والانفتاح الكبرى عام 1978، وهي العملية التي حققت للصين المرتبة الثانية في الاقتصاد العالمي بكل تداعياته عن مكانة الصين في النظام العالمي، هذا التطور هو الذي فرض على المؤرخين الأمريكيين والغربيين السؤال الكبير: ماذا ستفعل الصين بهذه القوة وهذه المكانة؟ على هذا التساؤل لدينا كتاب لويل هيلتون Will Hutton «الكتابة على الحائط» وكذلك الصين، والآن تضاف إليها «عندما تحكم الصين العالم» Jacaues Martin، When China rules The World The Rise of the middle Kingdom and the end of the western world” Allen lane Penguin Penguin Books،2009، لمارتن جاكز رئيس تحرير دورية «الماركسية اليوم» والكاتب في الجارديان والأكاديمي الزائر في عدد من المؤسسات.

وتقف رسالة جاكز معارضة لروح الانتصار التي سادت الولايات المتحدة بعد سقوط الشيوعية في أوروبا، وموضوعه هو هجوم واضح على كتاب هيوتن ووجهات نظره أن قيم التنوير ومؤسساته المنافسة، الحكومة المنتخبة، توازن السلطات وتشجيع التساؤل والانفتاح والقضاء المستقل والصحافة أمور مطلوبة للصين لكي تواصل نجاحها الراهن، وبينما يرى هيوتن تناقضات ضخمة ومتاعب تنتظرها، يقول جاكز «إن السيطرة الغربية.. سوف تأتي إلى نهايتها، ويرى أن الصين تواصل رخاءها وأكثر من هذا يتصور جاكز أن العديد من البلدان الأخرى في نطاق الصين سوف تتجذب إلى طريق الصين في الأداء ومبتعدة عن الأساليب التي يشجعها الغرب الأقل»، وعند جاكز أنه «على الرغم من أننا نشهد صعود عدد نام من البلدان النامية فإن الصين حتى الآن هي الأكثر أهمية اقتصادية فهي حاملة وقائدة العالم الجديد.

وقد امتد تأثير الصين عبر شرق آسيا وآسيا الوسطى، وجنوب آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا في أكثر قليلا من عقد، وتختلف الصين كثيرًا جدًّا عن النمور الآسيوية المبكرة مثل كوريا الجنوبية وتايوان، وعلى عكس الأخيرة فلم تكن أبدا دولة تابعة للولايات المتحدة، وزيادة على ذلك فهي تتمتع بعدد سكان ضخم بكل ما يعنيه هذا والتحدي الذي تمثله الصين نتيجة لهذا على نطاق مختلف لدول النمور الآسيوية، ورغم هذا فإن التوافق في الغرب، على الأقل حتى وقت قريب، أن الصين سوف تنتهي، نتيجة لعملية التحديث فيها، أو كنتاج لها، أو كليهما، كدولة على النموذج الغربي، وقد اعتقدت السياسة الأمريكية خلال العقود الثلاثة الأخيرة بهذا الاعتقاد، وقد دعم هذا استعداد أمريكا للتعاون مع الصين، وفتح أسواقها للصادرات الصينية، والموافقة على قبولها في منظمة التجارة العالمية والسماح لها بأن تكون عضوًا كاملًا متزايدًا في المجتمع الدولي.

وقد اعتقد التيار الرئيسي في الاتجاه الغربي، في أساسياته، أن العالم سوف يتغير نسبيًّا بشكل قليل بصعود الصين. وكان هذا مستندًا إلى ثلاثة افتراضات: إن تحدى الصين سيكون في المكانة الأولى اقتصاديًّا في طبيعته، وأن الصين في الوقت المناسب سوف تصبح أمة غربية طبق الأصل، وأن النظام الدولي سوف يظل بشكل واسع كما هو الآن، وحين ستذعن الصين للوضع الراهن States quo وتصبح عضوًا متظلمًا في المجتمع الدولي.

يعتبر جاكز أن كل هذه الافتراضات سيئة التصور، فصعود الصين سوف يغير العالم بأكثر الطرق عمقًا، ويعتبر أن تأثيرات صعود الصين يجرى الشعور بها حول العالم وبشكل أوضح في الثمن المنخفض في العديد من المنتجات الاستهلاكية وارتفاع أسعار السلع. وبعدد سكان يبلغ (4) أضعاف وبمعدل نمو مضاعف، مما يجعل جولدمان ساكس يتوقع أنه في عام 2027 سوف تتخطى الصين الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد عالمي. وباعتبار مثل هذه التنبؤات الاقتصادية التي تأخذ الأنفاس، لماذا نفترض أن صعود الصين سيكون في المقام الأول اقتصاديًّا في طبيعته؟ فالقوى الصاعدة دائمًا ما تستخدم قوتها الاقتصادية الجديدة لغايات سياسية، وثقافية، وعسكرية واسعة وهذا ما يعنيه أن تكون قوة مسيطرة، وسوف تصبح الصين بالتأكيد واحدة من هذه القوى. ومع هذا فإن الغرب يجد من الصعوبة أن يتصور مثل هذا السيناريو. فبقاؤه مسيطر لمدة طويلة أصبح في الجزء الأكبر سجينًا داخل افتراضاته الخاصة وغير قادر على أن يرى العالم على غير صورته، فالتقدم وفقًا لهذا التصور الغربي، إنما يتجدد بشكل دائم وفقا لدرجات التغريب Westernization ونتيجه لهذا فإن الغرب يجب أن يحتل دائمًا القمة للتطور البشري طالما أنه بالتحديد الأكثر غربية في الوقت الذي يقاس فيه تقصير الآخرين لمدى أخذهم بمقاييس الغرب.

ومع هذا فإنه من غير المتصور أن الصين سوف تصبح أمة على الطراز الغربي بالطريقة التي يتعود عليها الغرب، فالصين هي نتاج تاريخ وحضارة، والتي لديها القليل أو ليس لديها شيء مشترك مع التاريخ والحضارة الغربية، ويخلص الكتاب في هذا السياق إلى أنه فقط باستبعاد آثار التاريخ والحضارة وخفض العالم إلى مستوى الاقتصاد والتكنولوجيا فإنه يمكن استخلاص أن الصين سوف تصبح غربية.

والسيناريو الذي يستند إليه جاكز في تصوره لمستقبل الصين هو أنها سوف تستمر في أن تنمو بشكل أقوى وأن تبرز في النهاية في نصف القرن القادم، أو أكثر مما يتوقع الكثيرون باعتبارها القوة القائدة في العالم.

أما السؤال الرئيسي الذي يناقشه ويدور حوله كتاب جاكز فهو كيف ستسلك وتتصرف الصين كقوة عظمى؟ في هذا الشأن يثير عاملين يجب أن يكونا في الاعتبار: الأول يرتبط بما يسمى المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية، والتي تركز على أهمية المصالح ولهذا تركز على كيف تميل لأن تتصرف في طريقة مشابهة في الظروف نفسها، ومثلما يجادل عالم السياسة روبرت كاجان، فإن القوى الصاعدة لديها بشكل مشترك إحساس بالتوسع في المصالح والأهلية. وتبعًا لذلك فإن الصين، وفقًا لوجهة النظر هذه، سوف تميل للسلوك وفقًا لأية قوة عظمى أخرى بما فيها الولايات المتحدة، أما العامل الثاني فإنه على النقيض، يركز على كيف تصاغ القوى العظمى بتاريخها وظروفها.

ولذلك فإنها تتصرف بطرق مميزة ومثلما في حالة الولايات المتحدة فإن هذين العاملين المختلفين سوف يجتمعان لتشكيل سلوك الصين كقوة عظمى، فما الدروس التي يمكن أن نستخلصها؟ يقول مارتن جاكز إنه ربما للنصف قرن القادم فإنه يبدو من غير المحتمل أن الصين سوف تكون عدوانية بوجه خاص وسوف يستمر التاريخ في أن يلقى بثقله بشكل كبير على كيف تدير قوتها النامية وبشكل ينصح بالحرص وضبط النفس، ومن ناحية أخرى وفي الوقت الذي تصبح فيه الصين أكثر ثقة في النفس، فإن الإحساس القديم بالتفوق سيكون واضحا بشكل متزايد عن الاتجاهات، ولكن أكثر من أن يكون إمبريالية بالمعنى الغربي التقليدي. رغم أن هذا بمرور الزمن، يصبح سمة نامية وهي تملك المصالح وغرائز القوة العظمى فإن الصين سوف تتميز بنظرة تراتبية قوية للعالم، مجسدة لذلك الاعتقاد أنها تمثل شكلًا أعلى من الحضارة أكثر من غيرها.

إزاء هذا التحول الذي يجري في النظام العالمي وعلاقات القوى فيه، وفي جوهرة الصعود الصين، بكل مترتباته، ودعوتنا دائمًا لبلادنا، وللدول الصغيرة، والمتوسطة، أن تتابع بدقة هذا التحول وأن تتكيف معه، وأن تكون فاعلًا لا متفرجًا في النظام العالمي الذي يعاد تشكيله، وحيث تقف الصين وقوى أخرى صاعدة رأس الحربة فيه.

شاهد أيضاً

سوريا وروسيا.. الفرص الناشئة

بقلم: عبدالحميد توفيق- العينالشرق اليوم– تدرك موسكو أن سوريا تشكل أحد التحديات الاستراتيجية المهمة التي …