الرئيسية / مقالات رأي / نَفَس إنقلابي في… فرنسا!

نَفَس إنقلابي في… فرنسا!

بقلم: فارس خشان – النهار العربي

الشرق اليوم- على الرغم من المحاولات الرسمية الرامية الى التقليل من أهميّة العريضة “الإنقلابية” التي وقّعها أكثر من ألف وخمسمائة جنرال وعسكري فرنسي، من بينهم ثمانية عشر في الخدمة وعشرون جنرالا في “الإحتياط”، إلّا أنّ السمّ دُسّ في الدسم. 

المحاولات التي سعت إلى إبعاد هذه العريضة عن النقاش العلني، فشلت، بعدما نجحت المعارضة في استثمارها، بحيث ذهب يمين مارين لوبان الى دعم مضمونها ودعوة موقعيها الى عمل مشترك ل”التخلص من ماكرون”، في حين أنّ يسار جان لوك ملينشون الذي هاجم العريضة قدّمها دليلاً على خطورة إبقاء فرنسا ومبادئها بعهدة ماكرون.

هذه العريضة التي تحدّثت عن “تفكك” فرنسا وتسليمها للإسلاميين و”جماعة الضاحية” وسقوط قيم الجمهورية وتهميش الروح الوطنية قبل أن “تتنبّأ” بتحرّك عسكري لإصلاح الأضرار الفادحة التي تسبّبت بها السياسة، فتحت السنة الأخيرة من الولاية الأولى للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على المواضيع الأكثر دقة وخطورة، لتفرض نفسها، بقوة، على الانتخابات المقررة في أيّار(مايو) المقبل.

والأخطر من ذلك أنّ النقاش الذي أثارته هذه العريضة وقرار وزارة الدفاع ورئاسة أركان الجيش بإنزال عقوبات مسلكية بالموقعين، فتح ملف “الهوى السياسي” لدى القوات المسلّحة في فرنسا على مصراعيه، بحيث ظهر أنّ التوجّه الإنتخابي لدى العسكريين يجنح، سنة بعد سنة، نحو أقصى اليمين.

وقد لاقى مضمون العريضة، وفق “أدق” استطلاع للرأي، تأييد أكثر من ثمانية وخمسين بالمائة من الفرنسيين.

وأظهر التوغّل في تحديد “بروفايل” الموقعين على العريضة أنّ بعض هؤلاء ينتمون الى أقصى اليمين في فرنسا، ويعملون على تهيئة الفرنسيين لإمكان خوض حرب أهلية.

ويعادي الموقعون على العريضة المهاجرين الذين ينسبون إليهم مشاكل فرنسا، والإسلاميين الذين يدمجونهم مع سائر المسلمين، والسلطات الدستورية التي، من وجهة نظرهم، بدل أن تعالج المشاكل التي تضرب المجتمع في جذوره تكتفي بعمليات تجميلية.

وعلى الرغم من أنّ بصمات اليمين المتطرّف واضحة، إلّا أنّ كثيرين من “علماء السياسة” يدعون الى قراءة العريضة، بعيداً من القاموس الحزبي، لأنّها تعكس ظاهرتين لا بد من الإنكباب على معالجتهما: الظاهرة الأولى تتصّل بتنامي السخط لدى القوى الأمنية حيال ما يعتبرونه تدهوراً في الحالة الأمنية، أمّا الظاهرة الثانية، فتتجسّد بنشوء انطباع بفقدان السلطة شرعيتها في الأمور السيادية.

ماذا يعني كل ذلك؟

إنّ ولاية ماكرون التي سيسعى الى تجديدها في الانتخابات الرئاسية المقبلة، عانت منذ انطلاقاتها، من مشاكل وطنية كثيرة.

هي بدأت، أساساً، بنوع من “تمرّد” عسكري، إذ إن رئيس أركان الجيش الفرنسي الجنرال بيار دو فيلييه، وبعيد وصول ماكرون الى الرئاسة، إضطر، إثر اعتراضه على الميزانية المخصّصة للجيش، إلى تقديم استقالته، في حدث وصف بالتاريخي. 

ومنذ استقالته نشر دو فيلييه كتباً عدّة خصّصها لترويج المفاهيم التي لا يتقاسمها وماكرون، حتى ذهب كثيرون الى مطالبته بترشيح نفسه للإنتخابات الرئاسية، على اعتبار أنّ فرنسا باتت تحتاج الى “جنرال” جديد، بعدما تآكل الإرث القيادي الذي تركه الجنرال شارل دوغول.

وبعدها واجهت رئاسة ماكرون “السترات الصفر” وتظاهراتها العنفية. وهي حركة انتقلت من الإعتراض على قرارات ضرائبية واقتصادية واجتماعية لتصل الى المطالبة بإدخال تعديلات على النظام السياسي الفرنسي.

وفي وقت لم يتمكّن ماكرون من الإنتصار على الإرهاب الذي يشارك فيه الراديكاليون الإسلاميون واليساريون واليمينيون، طرحت إدارته لمكافحة جائحة كوفيد-19 الكثير من الشكوك حول فاعليتها ونجوعها.

وقبل أن تفرض العريضة “الإنقلابية” نفسها على جدول الاهتمام العام، كان كثيرون يهتمون بالدراسات التي تبيّن أنّ “حزب التجمع الوطني” الذي تترأسه لوبان ينجح، شيئاً فشيئاً، في كسر “الأبلسة” التي كانت تكوكب الجميع ضده لمنع وصوله الى السلطة.

وهذا يعني أنّ السنة الأخيرة من الولاية الأولى لماكرون لن تكون مريحة على الإطلاق، وستجنح بقراراتها وتطلعاتها، أكثر فأكثر، من الوسطية، في اتجاه اليمين.

في السابق، لم يتوانَ معارضون فرنسيون عن ترشيح بلادهم لدخول قائمة “دول العالم الثالث”. العريضة العسكرية التي حملت نفساً إنقلابياً أعطت هذا الترشيح دفعاً قويّاً.

بطبيعة الحال، إنّ الديموقراطية الفرنسية أصلب من كل العرائض والحملات الانتخابية التي ترفع عالياً صوت “الشعبوية”، ولكن هذا لا ينفي أنّ فرنسا تعاني مشاكل كثيرة، إذ إنّ هناك شعوراً عاماً مبنياً على ظواهر كثيرة، أنّ سلطة القانون تقف، أحياناً، عاجزة أمام “قبضايات” هنا وأمام “فتوّة” هناك.

وفي اعتقاد البعض إنّه على الرغم من الإنطباعات السلبية التي تركتها “العريضة العسكرية”، إلّا أنّها قد تشكل صفعة للسلطات الدستورية على اختلافها، لتنمّي العضلات التي يمكنها أن تحمي الديموقراطية، بعد طول…استرخاء.

شاهد أيضاً

إنصاف «الأونروا»

بقلم: وليد عثمان – صحيفة الخليج الشرق اليوم- لم تكن براءة وكالة الأمم المتحدة لغوث …