الرئيسية / مقالات رأي / مجزرة الأرمن وإعلان بايدين

مجزرة الأرمن وإعلان بايدين

بقلم: فارس الحباشنة – صحيفة “الدستور” الأردنية


الشرق اليوم – إعلان الرئيس الأمريكي عن مجزرة الاتراك ضد الأرمن لا يحمل أي معان وقيمة إضافية. المجزرة حقيقة تاريخية موثقة بالرواية والدليل الحسي «الوثيقة». ولا تحتاج إلى قرار وإعلان من بايدن ليؤكدها ويدخلها إلى التاريخ.
حكومات أمريكا من الحرب العالمية الأولى رفضت الإقرار بالمجزرة وحقيقتها، وبقيت واشنطن تراوغ سياسيا، وتتجنب التطرف والاقتراب من مسالة المجزرة لأسباب سياسية بحتة، وقوامها التحالف الاستراتيجي الأمريكي مع الأتراك في حقبة الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي والمد الشيوعي.
إعلان بايدن بلا شك دوافعه غير إنسانية. في الذاكرة الإنسانية حوادث كثيرة آثمة، ولمجرد تقليب صفحات التاريخ لعثرنا على تكرار لحكايا خارجة من نطاق ثنائية: التراجيديا والكوميديا، وذلك تبعا للحبكة والعقدة الشكسبيرية في الأدب، والتنصيف الماركسي في التاريخ الإنساني.
من الجرائم الآثمة في الذاكرة الإنسانية الهولوكوست اليهودي والمحارق النازية، وقد نالت وافرا من الاهتمام في الإعلام والثقافة أوروبيا وعالميا، وتحول إلى تابو إنساني محاصر بالقداسة، ومن الممنوع الاقتراب منه، وطرح أسئلة حوله، وقبوله كتنزيل الوحي وفقا للرواية التي سردها مؤرخون وكتاب صهاينة إسرائيليون.
في المقابل مثلا.. فماذا كتب مفكرو الغرب وأمريكا عن حرب فيتنام والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وحروب الاستعمار القديم الانجليزي والفرنسي والإيطالي في الهند والجزائر ومصر وأفريقا وشرق آسيا؟!
إسرائيل بعد حرب 67 وهزيمة العرب عرفت كيف تواجه ما ولد في الفكر والثقافة العربية من محاولات نقدية لمعرفة إسرائيل، ومحاولات لفهم إسرائيل من التاريخ، وتقديم العرب «خاسرو الحرب» لرواية عن عدوهم الجديد إسرائيل، وما ارتكبت الدولة التي جرى أسرلتها من جرائم وبشاعة الاحتلال والتهجير والتصفية العرقية والاثنية وتشريد شعب بالكامل، وبمعنى إنساني تطهير عرقي، وذلك إيمانا بعقيدة توراتية خرافية «شعب بلا أرض وأرض بلا شعب».
فشل العرب في تقديم رواية إلى الغرب والمجتمع الدولي عن مشروعية وعدالة القضية الفلسطينية، والمظلومية التاريخية لحقبة الاستعمار. إدوارد سعيد في كتابه الاستشراق فكك المركزية الغربية الكولونية، وقدم للرأي العام والنخب الأمريكية والأوروبية صور مغايرة ومناقضة عن الشرق والعالم العربي الذي يعرفونه من خطاب الاستشراق ومرويات الاستعمار، وحكايا ألف ليلة وليلة.
في معادلة الصراع العربي – الإسرائيلي خسر العرب معركتي التاريخ والجغرافيا. والمحاولات العربية في الكتابة التاريخية والنقدية المضادة للرواية الصهيونية بقيت جريحة وخارجة عن سياق التنافس وصراع الأضداد والاحلال في الثقافة والسياسة الدولية. ونجح اليهود بامتياز بان يسردوا روايتهم ببلاغة وتراجيدية قومية وإنسانية، وروجوا لصورتهم كضحايا لصراع تاريخي وحضاري عادل.
في التاريخ.. المظلومية لا تموت وإن تجاهلها ونسيها شعبها. واعتراف بايدين في مجزرة الأتراك لا يعني أن ذاكرة الشعب الأرمني دافئة وهادئة. ومن صفات التاريخ أنه يتحرك ما بين الثابت والمتحول، فلا تعلم أيهما خصمك وعدوك بين الأمس واليوم.
الماسي لا تموت وتتحول الى وشم عميق محفور في الذاكرة.. الألمان والفرنسيون دخلوا النادي الأوروبي الجديد بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن أي طرف منهما فكر في تغيير نشيده الوطني وسلام العلم، وعقيدته الوطنية، وكتب التاريخ التي تدرس في المدارس والجامعات.. ومازال الفرنسيون في نشيدهم الوطني يرددون : لترو دماء الغزاة اثلام أرضنا.
التاريخ ليس قصة لها بداية ونهاية، وسلطة التاريخ جدليته وانفتاحه على المفارقات والتناقضات. فمن يدري متى يمكن أن يكون للعرب صوتا في العالم ليثاروا من مظلوميات تاريخية وإنسانية، وليستردوا حقهم التاريخي من استعمار الأتراك والانجليز والفرنسيين والأمريكان، وعدوهم الصهيوني، القريب المستوطن في فلسطين.

شاهد أيضاً

تركيز أميركي على إبعاد الصين وروسيا عن أفغانستان!

بقلم: هدى الحسيني- الشرق الأوسطالشرق اليوم– لا شك في أن كل الأنظار تتجه إلى التطورات …