الرئيسية / مقالات رأي / قنبلة ترامب وصندوق بايدن!

قنبلة ترامب وصندوق بايدن!

بقلم: محمد قواص – النهار العربي


الشرق اليوم – لم نعرف كثيراً الأسباب الخاصة لحقد المرشح دونالد ترامب على الاتفاق النووي مع إيران في ما أعلنه وردح به أثناء حملته الانتخابية لرئاسيات عام 2016 في الولايات المتحدة. لم يمارس الرجل السياسة قبل ذلك، ولم يشغل أي منصب سياسي، ولو في أي مجلس بلدي صغير، ولم يُعرف عنه انخراطه في عقائد العلاقات الدولية والعلوم الجيو استراتيجية، وهو الآتي من عالم العقارات وعقلية “البزنس”. ناهيك بأن العداء لاتفاق فيينا لعام 2015 ليس مادة انتخابية قد تهم المقترعين، لا سيما لدى الكتلة الناخبة التي كان يعوّل عليها المرشح الجمهوري المغامر.
وحين ذهب ترامب رئيساً إلى الوفاء بوعده الانتخابي عام 2018 وأخرج أميركا من اتفاق مجموعة الخمسة زائداً واحداً مع إيران، خُيل لنا أن أمراً جللاً يُفرض على الولايات المتحدة، وليس على رئيسها فقط، إجهاض هذه الصفقة. قال ترامب حينها “إنه أسوأ اتفاق”، بما أوحى بأن المؤسسات الأميركية تستدرك من خلال البيت الأبيض تعجلاً ارتكبته إدارة باراك أوباما في صوغ اتفاق نسجت تفاصيله داخل قناة تواصل بين واشنطن وطهران دُبرت في مسقط.
وفيما هاجم الحزب الديمقراطي آنذاك قرار ترامب الجمهوري، وراحت الصحف الأميركية الرئيسية تنتقد قلبه الطاولة مع إيران، بدا لنا حينها أن القرار المتخذ ليس استجابة لتحولات جديدة داخل المؤسسات الاستراتيجية الأميركية، وليس اتساقاً مع تصورات الحزب الجمهوري، بل هو نزق شخصي اتّخذه ترامب من ضمن سلسلة قرارات كيدية كان هدفها الفتك بإرث أوباما على الصعيدين الداخلي والخارجي.
والحال أن العالم لم يهضم جدية دونالد ترامب الوافد إلى البيت الأبيض من خارج النادي السياسي الأميركي. ثم إن شركاء الولايات المتحدة في اتفاق فيينا، أي روسيا والصين وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، هالهم أن تخرج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي من دون أي تشاور معهم، لا بل بالتهاون في أوزانهم ومصالحهم داخل تلك الصفقة التي لم تر النور في فيينا إلا بناءً على هندسات أميركية جرت من وراء ظهرهم.
تصرّف ترامب في مسألة دولية متعددة الأطراف بغطرسة رفضها الخصم ومقتها الحليف. ترافق سلوك ترامب حيال إيران بانقلاب في أبجديات العلاقات الدولية المتعارف عليها منذ الحرب الباردة. أبدى الرئيس الأميركي تبرّماً من الحلف الأطلسي وغضباً من الحلفاء في أوروبا وإعجاباً بشخص فلاديمير بوتين في روسيا وكيم جونغ أون في كوريا الشمالية. راح يقيس علاقات بلاده الدولية بالمعيار السوقي للخسارة والربح المالي على النحو الذي تصفّق له كتلته الناخبة.
بدا أن ترامب أراد أن يسحب نجوميّة أوباما ويجوّف “عقيدته” ويُمنّي النفس بإنجاز في استجداء لقاء، ولو من أجل التقاط صورة فوتوغرافية، مع الرئيس الإيراني على منوال ذلك “الإنجاز” الفوتوغرافي الذي حقّقه مع نظيره في كوريا الشمالية. لم يحظ بذلك، لكنه وعد، متيقناً، بأن إيران آتية إلى طاولة مفاوضاته لا محالة في ولايته الرئاسية الثانية المأمولة.
فرض ترامب العقوبات “التاريخية” (بحسب وصفه) على إيران. العقوبات مؤلمة، حرمت إيران من مداخيلها النفطية ومن تواصلها مع الشبكات الاقتصادية والمالية والمصرفية مع العالم. تراجع اقتصاد البلد، وارتبك أداؤه التنموي والمعيشي، وتقلصت ميزانياته ومخصصات إداراته. بدا جلياً أن خروج واشنطن من الاتفاق يشلّه برغم بقاء خمس دول كبرى داخله. بيد أن كل ذلك لم يكن كافياً لإجبار طهران على تنفيذ المطالب الـ 12 الشهيرة لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو.
فهمت إيران سريعاً أن الضغوط لن تتجاوز حدود العقوبات الاقتصادية. أكدت واشنطن أن لا خطط لديها لقلب النظام في طهران، وأثبتت بالتجربة والدليل أن لا نية للانخراط في أي مواجهة عسكرية ضد إيران، ولن تستدرج إلى استفزازاتها، سواء في تهديدها للملاحة الدولية أم في استهدافها القوات الأميركية في العراق أو حلفاءها في المنطقة. الأمر بالنسبة الى إيران بدا أنه مسألة وقت، والمحنة إما تزول برحيل ترامب عن البيت الأبيض أو بالتعامل مع الأمر في حينه إذا ما تم التجديد له على رأس السلطة في بلاده.
فشل دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، وكان فشل قبل ذلك في مغامرته الإيرانية. لم يسمح الاتفاق النووي عام 2015 لإيران إلا بمستوى تخصيب لليورانيوم لا يتجاوز نسبة 3,67 في المئة، على أن لا يتجاوز المخزون 300 كلغ على مدى 15 عاماً. فرض الاتفاق مراقبة شديدة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وحاصر أي أنشطة من شأنها أن تتجاوز أغراض البرنامج النووي المدنية والبحثية.
تتحدث التقارير المتخصصة هذه الأيام عن اقتراب إيران من صناعة القنبلة الإيرانية. تشير إلى أن إيران كانت، تحت سقف الاتفاق، تحتاج لسنوات لصناعة قنبلة نووية إذا ما قررت ذلك، فيما باتت تحتاج بعد شلل الاتفاق لشهور فقط. رفعت طهران مستوى التخصيب إلى مستوى 60 في المئة غير البعيد عن مستوى الـ90 في المئة المطلوب للشروع بعملية إنتاج القنبلة. راكمت طهران من انتهاكاتها للاتفاق إلى درجة باتت مباحثات فيينا الحالية تناقش مسألة الرجوع عن الانتهاكات والعودة إلى الاتفاق الأصلي، من دون أي إشارة جدية إلى تعديل الاتفاق ولا الشروع في مناقشة ملفات أخرى (برنامج إيران للصواريخ البالستية، سلوك إيران في المنطقة ورعايتها للإرهاب.. إلخ).
حوّل دونالد ترامب الولايات المتحدة بلداً معزولاً في مقاربة الشأن الإيراني. كان مجلس الأمن قد وجّه صفعة لواشنطن برفض أعضائه، حلفاء واشنطن قبل خصومها، مشروع القرار الأميركي تمديد حظر السلاح على إيران (آب / أغسطس 2020). حتى إسرائيل، التي لطالما كان موقفها مقرراً ومحدداً لخيارات واشنطن حيال إيران، تبدو هذه الأيام، باعتراف مسؤوليها وبرغم ما أوحت أنها فعلته في مفاعل نطنز، غير فاعلة أو مؤثرة في توجهات إدارة بايدن في فيينا.
لم تنتصر إيران ولا يمكنها ذلك. العالم سيعيد ضبط أنشطتها النووية ويتموضع جدياً لضبط ملفاتها الأخرى. بيد أن طهران ارتكبت محرّماً داخل برنامجها النووي لم يكن ليُرتكب تحت سقف الاتفاق النووي وشروطه. صحيح أن الاتفاق غير مثالي ويشوبه قصور، بيد أن خيارات ترامب أتاحت لإيران بسط أجهزة الطرد المركزي المتقدمة واكتساب خبرة في تقنيات التخصيب التي تُظهر للعالم أن قنبلة إيران النووية باتت مسألة وقت.
وربما من حيث لا يدري، أخرج دونالد ترامب القنبلة النووية الإيرانية من مستوى الطموح المستحيل إلى مستوى المتاح والممكن. تبدو القنبلة واقعاً بات على بايدن “إعادتها إلى الصندووق”، وفق التعبير الدقيق لوزير خارجيته أنتوني بلينكن.
قد نحب أو نكره ما فعله أوباما وما يفعله بايدن، لكننا على الأقل بتنا نعرف أن ترامب واكب إيران نحو مصير نووي لن تقبل به كل الدنيا.

شاهد أيضاً

إسرائيل تختار الصفقة بدلاً من الرد الاستعراضي

بقلم: علي حمادة – صحيفة النهار العربي الشرق اليوم– تجنبت ايران رداً إسرائيلياً استعراضياً يفرغ …